مجلة شهرية - العدد (588)  | سبتمبر 2025 م- ربيع الأول 1447 هـ

التراث السعودي بين ثوابت الأصالة ومرونة المعاصرة

لا غرو أن التراث الثقافي لا يمثل خبرات الجيل السابق فقط، بل إنه امتزاج لثقافات وخبرات أجيال مختلفة متعاقبة أزماناً طويلة، وكل تجربة تترك ترسبات في التجربة اللاحقة، ولا يمكن اقتصارها على شكل دون الآخر، وبما أن المعارف الإنسانية في سيرورة تأثر وتأثير فإن المتغيرات الحياتية تترك بصمتها، كما هو الحال بالنسبة للتراث، فهو في تفاعل مستمر مع الماضي والحاضر، وإذا بحثنا اليوم نجد أن عصر الوسائط الرقمية قد ساعد في انفتاح الشعوب على بعضها البعض، كما هو الحال بالنسبة للمملكة العربية السعودية إذ في السنوات الأخيرة وبفضل مشروع رؤية 2030 استطاعت أن تحقق قفزات مستدامة في جميع القطاعات.
التراث السعودي وعبق الماضي
تتربع السعودية على شساعة جغرافية كبيرة من جهة، وإرث إنساني حضاري عريق جداً من جهة أخرى (مهد الدين الإسلامي)، وتجمع بين التنوع والثراء التراثي للهوية السعودية عامة والعربية الإسلامية بخاصة، المرتبط في صورته الأولى بالبدو الرحل في شبه الجزيرة العربية ثم الانتقال إلى الحياة المعاصرة بجميع قطاعاتها وأشكالها، وهذا التفاعل العميق بين الفرد السعودي والأرض يفسر شدة ارتباط الشعب السعودي بتراثهم وحرصهم الدائم على حمايته والحفاظ عليه، وخلال السنوات الأخيرة وفق رؤية المملكة 2030 تمت إعادة النظر في الإمكانات التي تزخر بها المملكة العربية السعودية ويمكن إدماجها في المشاريع التنموية المستدامة بعيداً عن البترول، فكان التوجه في جانب منه إلى الانفتاح على العالم الخارجي واستقطاب المشاريع الاستثمارية، وقد أشارت الخطط السياحية والثقافية إلى رد الاعتبار للمواقع الأثرية القديمة وإعادة ترميمها، فهي تعكس تراث الأجداد، على سبيل المثال منطقة الدرعية التي تمثل أصول الثقافة النجدية والهوية السعودية، تحتضن مشروعاً تطويرياً يهدف إلى تحويل المنطقة لوجهة سياحية وثقافية نابضة بالحياة، وتوفير كل متطلبات المشروع من بنية تحتية والمحافظة على الطابع التراثي ودمجه مع اللمسة العصرية.
فرؤية السعودية المستقبلية تسمح لها بأن تكون مركزاً اقتصادياً وثقافياً وعلمياً على قدر كبير من الأهمية في العالم اليوم، فتنشط جميع قطاعات المملكة، وهي رؤية تستوعب الثورة الرقمية والانفتاح العالمي وبناء قطب اقتصادي خارج قطاع المحروقات، فالعودة إلى الموروث يعكس أصالة المجتمع السعودي المتمسك بقيمه وهويته، فمن ناحية الهندسة المعمارية ما زال البعد التقليدي متداولاً رغم تغير نمط العيش بفضل العولمة في الألفية الجديدة، فالمعمار السعودي ينبض بالموروث شكلاً ومضموناً، فكل بيت يحتفظ بالطابع التقليدي داخل التصميم العصري على مستوى الخامات والألوان وأدوات الزينة، وكذا طقوس الضيافة السعودية الأصيلة، إضافة إلى عدة مشاريع سياحية وثقافية في الآن ذاته، ساهمت في الترويج الجيد لما تزخر به المملكة من معالم سياحية وعادات وتقاليد وممارسات ثقافية، ففي السنوات الأخيرة تغيرت النظرة الخارجية للمملكة العربية السعودية وكل ذلك من خلال إستراتيجيات تنموية ورؤية مستقبلية 2030 قابلة للتجسيد على أرض الواقع، وهو ما أصبح اليوم ماثلاً أمامنا.
التراث السعودي والمعاصرة
انفتحت المملكة العربية السعودية على العالم بفضل رؤية مستقبلية تشمل جميع قطاعات الحياة في المملكة، وهذا ما شهدناه في السنوات الأخيرة حيث أصبح هناك تركيز على عوامل الجذب السياحي الثقافي والاستثمارات الاقتصادية والخطط السياسية، على سبيل المثال انتعش القطاع الثقافي بتطوير الصناعة السينمائية السعودية بوجود شركات إنتاج سينمائية سعودية وشركات إنتاج عالمية، وكذا واكبت الساحة الفنية العالمية بإقامة الفعاليات والمهرجانات والاحتفالات على مستوى أو مقاييس عالمية، وتلك الفعاليات نشطت من خلالها المملكة في الترويج السياحي والتراثي لمناطق غير معروفة سابقاً، والتعريف بالعادات والتقاليد التراثية السعودية نحو اكتشاف ثقافة الأكل السعودي وأشهر خصائص المطبخ السعودي (طبق الكبسة) كذلك عادات الضيافة واستقبال السياح وفق نمط سعودي تراثي يعكس اعتزاز الشعب السعودي بتراثه.
ولا يخفى على أحد اليوم أن اللباس السعودي يحظى بشهرة كبيرة، ذلك أن اللباس عنصر مهم في الموروث الثقافي لأي شعب من الشعوب، فبحسب ابن خلدون (إن لباس الحضر يُفصل بالمقراض قطعاً مناسبة للأعضاء البدنية، ثم تلتحم تلك القطع بالخياطة المحكمة، والبدو إنما يشتملون الأثواب اشتمالاً)، وهذا النوع لا يزال موجوداً إلى يومنا هذا.
وقد اعتبر الباحثون الثوب وثيقة تراثية للوجود الإنساني، فهو هوية مميزة لكل شعب لديه مجموعة من الفنون التشكيلية التقليدية، والفنون الشفاهية والأدبية في مجموعها تتوارثها الأجيال وتشكل الوجدان الحضاري القومي، ليكون التراث وثيقة امتلاك للأرض عبر التاريخ، وقد ارتبطت الأزياء الشعبية بالعمر والسن، والعمل والمناسبة -فرح أو ترح- والمركز الاجتماعي والاقتصادي للسكان، وتتغير الملابس بتغير ذوق العصر، لأنها تعتبر مظهراً من مظاهر الحضارة وفنونها وتاريخها الإنساني.
وفي هذا الصدد نلحظ بأن الأزياء السعودية عادت للواجهة الثقافية بشكل واسع، فالنشاطات الثقافية والفنية المعاصرة أماطت اللثام عن جماليات الزي السعودي النسوي بخاصة؛ فانطلق للعالمية من خلال التصاميم التي تنتقي أجود الخامات وأفضل الألوان المواكبة لروح العصر، وتُعرض أرقى التصاميم في أسابيع الموضة العالمية والعربية والخليجية، وهذا له أبعاد كثيرة على المدى البعيد والقصير:
- التعريف بالتراث السعودي بشكل أوسع قارياً وعالمياً.
- خلق سوق تنافسية في المنطقة الخليجية خصوصاً والعربية عامة.
- حفظ وتثمين التراث السعودي.

ذو صلة