مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

وأد من نوع آخر

لن نتطرق في حديثنا هذا عن مظلومية المرأة في حضانة أطفالها، أو عن قصص شهدتها قاعات محاكمنا في الماضي القريب.. اهتزت لها جدران تلك المحاكم، ولكنها لم تحرك أو تجعل تلك القلوب التي تنفذ وتحكم تلك الأحكام المؤلمة تشعر بفداحة جرمها.. وهل هناك أعظم جرماً من تفريق الأم عن صغارها؟!
ولم يقلق منامهم صوت صراخ تلك الأم المكلومة وبكاء أطفالها على أبواب تلك المحاكم، وما سبب ذلك التفريق إلا أن تلك الأم المسكينة قد أصيبت بإحدى المصيبتين، مصيبة الطلاق أو مصيبة موت الزوج.
ولن نتطرق في حديثنا هذا عمن ألبس تلك الأحكام لباس الدين ونسي أو تناسى أن رسول هذه الأمة صلى الله عليه وسلم، أوقف جيشه ذات يوم غاضباً، ونهاهم لأنهم أخذوا فرخي حمرة، فقال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها.
ولن نتطرق في حديثنا هذا عن واقعنا اليوم الذي هو أسوأ جرماً من ماضي الأمس، لأمهات وآباء تخلوا عن حضانة أطفالهم بل أصبحوا يطالبون بوضع دُوْر حضانة ترعى فلذات أكبادهم، وكأن قلوب أولئك الآباء والأمهات نُزعت منها الرحمة، بل تلاشت منها علامات الإنسانية والفطرة السوية.
ولن نتطرق في حديثنا هذا عن تلك القلوب الصغيرة التي لم يكن لها الخيار في اختيار آبائهم وأمهاتهم، ولا عن طريقة الوأد الحديثة التي فاقت ببشاعتها، وأد الجاهلية الأولى.
تلك الطريقة التي نشأت مع فكر لا إنساني. بدأ يكشف عن وجهه القبيح في مجتمعاتنا، ولعل من أسباب تلك الأفكار المسمومة التي بدأت بالظهور هو مناداة أولئك الذين يسمون أنفسهم مدربي الطاقة وتطوير الذات.
ومن تلك الأفكار بأن نفسك هي الأَوْلَى في التفضيل والتقدير ومتناسين أولئك، أن الإنسان خُلِقَ اجتماعياً بالفطرة لا سعادة له إلا بمن حوله، وأن الأبوة والأمومة من أقدس المشاعر وأنبلِها وهي من تحقق للإنسان شعور الكمال والسعادة والرضى النفسي.
فالأب والأم اللذان يمارسان هاتين الوظيفتين هم من أسعد الناس وأكملهم صحة نفسية وجسدية وعقلية، ففائدتها على الأبوين أعظم من فائدتها على الأبناء.
ومن الأسباب أيضاً الفهم الخاطئ للطلاق، فالطلاق لا يعني الحرب بين الأزواج وانتهاء العلاقة، بل الطلاق يعني بداية الحياة لكل من الأبوين وتجربة جديدة بعد عدم نجاح كليهما في السير معاً، في دروب السعادة، لذلك كان عليهما الانفصال لبدء حياة جديدة والبحث عن علاقة ناجحة مع طرف آخر.
لذا كان لا بد أن يبقى الاتصال بينهما في حال وجود الأبناء والتشارك في البحث عن طرق ممارسة الأبوة والأمومة لأولئك الأطفال.
والطلاق رغم مضاره إلا أنه شرٌ لا بد منه في أغلب العلاقات، ولكن على الأبوين قبل الانفصال أن يعلما أنهما مسؤولان عن ثمرة تلك العلاقة وأجمل إنتاجها ومصدر سعادتهما، لذلك عليهما أن يقررا ويخططا لمستقبل أبنائهم بعد الانفصال وأن تكون العلاقة بينهما قائمة على الاحترام ومصالح الأبناء وليس علاقة حرب، وليتذكرا قول الله سبحانه عن الأنفُس الراقية وأهم قاعدة بعد الانفصال (وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

ذو صلة