مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

هجرة العقول والذكاء الاصطناعي

يطلق عليها الثروة المفقودة والقوة الناعمة، حيث لم تجد الملاذ الآمن لها ولا البيئة المناسبة لها. تلك هي العقول المهاجرة، فالعقل البشري هو من يصنع الثروة الحقيقية للأوطان عندما يستطيع تطوير منتجات عصر العلم والمعرفة والمعلوماتية، كذلك يتمكن من تحقيق قيمة مضافة للثروات الطبيعية وتحويلها لمنتج تستفيد منه الصناعات المختلفة.
وتبنى الأوطان بالعقول المتميزة التي تستطيع إضافة العديد من الأفكار والمقترحات والمشروعات البحثية داخل مجتمعاتها في مختلف التخصصات والمجالات، فالحياة لا تبنى إلا في ظل التكامل والتناسق والترابط بين التخصصات جميعها النظرية والعلمية.
ويعد استقطاب هذه العقول الثمينة من أهم المشكلات التي تعاني منها العديد من الدول العربية، فهجرة العقول والكفاءات العلمية بمفهومه الواسع من بلد سواء كان نامياً أو متقدماً إلى بلد آخر يشمل الأطباء والمهندسين والمتخصصين في العلوم الطبيعية والبيئة والزراعة والمياه والجيولوجيا وكذلك الأدباء والشعراء والمخترعين والفنيين والممرضين وأصحاب الأعمال وكذلك خريجي الكليات والمعاهد العليا والعمال المهرة. فهناك نسبة كبيرة من العقول العربية المهاجرة في العديد من الدول الغربية الأمر الذي ساهم في تقدمهم فكرياً وعلمياً واقتصادياً حيث كشفت اختراعاتهم وإبداعاتهم آفاقاً جديدة.
وعندما يعاني عالمنا العربي من هجرة العقول والكفاءات العلمية نجد أن ذلك يرجع إلى أسباب متعددة منها الحصول على فرصة عمل لم توفرها لهم مجتمعاتهم الأصلية، قلة الفرص الوظيفية والتعليمية والبحثية، قلة الاهتمام بالعقل المبدع والمميز وبالمواهب وبالكفاءات المتميزة، الصراعات الداخلية والحروب والاضطرابات الأمنية، انخفاض الأجور وضعف الإمكانات والموارد بسبب سوء الأحوال الاقتصادية وعدم وجود الحوافز.
وفي أواخر الخمسينات من القرن الماضي كان الحماس الأول للبحث بشغف في الذكاء الاصطناعي من خلال التركيز على بناء برامج قادرة على إثبات بعض النظريات الرياضية، أو لعب ألعاب بسيطة، ولقد أصبح للذكاء الاصطناعي دور في خدمة البشرية ورسم مستقبل لبناء مجتمعات رقمية ومدن ذكية واقتصاديات رقمية مزدهرة، كذلك دوره في خدمة المجالات الحيوية كالصحة والطاقة والزراعة.ويجلب الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي ثورة جديدة وذلك بسبب تأثير استخدام الآلات في طريقة عمل البشر على غرار الثورة الصناعية عندما وفرت الآلات طرقاً لاستبدال الأعمال اليدوية التي يعمل بها البشر، كما وفرت ثورة الذكاء الاصطناعي طرقاً لاستبدال جميع المهام التي يؤديها الإنسان حالياً، كذلك الثورة الرقمية حيث توفر الآلات طرقاً لاستبدال المهام الروتينية العقلية التي يعمل بها البشر.
فالذكاء الاصطناعي هو علم الآلات الحديثة فهو العلم الذي يجعل الآلة تتصرف بطريقة تحاكي الذكاء البشري، بمعنى آخر هو عبارة عن برامج حاسوبية طورت لكي تفكر مثل البشر، ولقد اكتسب الذكاء الاصطناعي مؤخراً مجموعة من التقنيات التي يمكن أن تؤدي إلى التغيير في العديد من مجالات الصناعة، مثل تجارة التجزئة والسيارات والسفر ووسائل الإعلام، وفي مجال التعليم يمكن للمؤسسات التعليمية أن تعتمد على خوارزميات تدعم التنبؤ الذي سيستفيد منه معلم المدرسة وأن تستخدم الذكاء الاصطناعي في ضمان جودة التعليم وتحويله من تعليم تقليدي إلى تعليم إبداعي فيه محاكاة للواقع وتجعل الطالب أكثر عمقاً في التفكير.
ويرحل العقل البشري بل العقل العربي في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي من أجل البحث العلمي وتحقيق الذات ولكن في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي هل سيتم استقطاب وشراء العقول والأدمغة؟ هل سيكون هناك استفادة من الفكر المهاجر سواء كان بشكل دائم أو مؤقت؟ وهنا يجب على مجتمعاتنا العربية الاستفادة من كل طاقاتنا ومواردنا البشرية المهدرة، كما يجب العمل على توفير البيئة المناسبة للكفاءات العلمية وتقديم الدعم المادي والمعنوي مع ضرورة تبني أفكارهم ومشاريعهم البحثية والإبداعية، وتقدير العلماء والمفكرين وتحفيز تلك الكفاءات، لأن للعلماء دوراً كبيراً في إصلاح الأوطان حيث يتصفون بالأخلاق الحميدة والصدق والأمانة والقدوة الحسنة، كما يجب توفير فرص عمل مميزة، مع ضرورة تحسين جودة التعليم والحرص على بناء وتنمية المواطنة في نفوس الأطفال منذ الصغر مع ضرورة التركيز على احترام وتقدير العقل البشري.

ذو صلة