مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

إيمان أسيري.. شاعرة من البحرين تختط قصيدة النثر

إيمان أسيري من مواليد 1952، شاعرة بحرينية من الصف الثاني من جيل السبعينات ومن الجيل الثاني في أسرة الأدباء والكتاب.
دخلت إلى عوالم الشعر وهي تبتكر طريقة للشعر خاصة بها دون أن تعرف أنها تبدأ طريقة حداثية جديدة في الشعر البحريني، وتؤسس لنوع جديد من تلقي الشعر والحساسية الفريدة من نوعها لدى كل من الشعراء والمتلقين على حد سواء. شعر ذو طراز جديد.
منذ التحاقها بأسرة الأدباء في سنة 1970 بدأت إيمان أسيري تختط لنفسها شيئاً متميزاً يصعب تسميته، ولم يكن معهوداً بعدُ لدى الشعراء. الشعراء يتهامسون: إيمان تقول شعراً فلا هو بالعمودي بل بعيد عنه سبعة أبحر، ولا هو بالتفعيلي فهو أيضاً بعيد عنه وهو قريب من النثر، إلا أنه ليس هو كذلك، لكنه شعر من حيث الروح والشكل ولكن غير معهود في الساحة المحلية. إنه شيء لم يتسم لحد الآن - بداية سبعينات القرن الماضي.
فماذا تقول هذه الفتاة الشاعرة الشابة في إبداعها الشعري. إنه شيء جديد ومختلف ومتميز، وخارج على قوانين الشعر المعروفة والمرعية، فماذا عساه أن يكون؟
تعرض إبداعها على زملائها من شعراء السبعينات المخضرمين وغير المخضرمين وبخاصة الثلاثة الكبار: علي عبدالله خليفة، قاسم حداد، وعلوي الهاشمي. البعض يساندها ولكن دون أن يعرف ماذا يسمي ما تكتبه أو ما صفته، يبدو مرتبكاً أمام التجربة الوليدة واليافعة، يشجعها فلعل المستقبل كفيل بأن يسمي هذا الوليد الذي ترعاه إيمان بكل ما أوتيت من قريحة شعرية، ومن أمومة.
آخرون ترددوا فيما تكتبه: هل هو شعر أو غير ذلك طالما أن العرف يحدد: إما الشعر أو النثر، وما تكتبه إيمان في أعراف هؤلاء ليس له اسم ولا يدخل ضمن هذه القسمة الضيزى.
كان الصدُ كثيراً من هؤلاء ليس لموقف مسبق وإنما لجهل بأن باب الإبداع عموماً والشعر خصوصاً ليس له حدود، كما أن طرق الشعر متعددة وأشكال إبداعه لا نهائية ومفتوحة على كل الاحتمالات، ولا ينبغي للأعراف والقوانين أن تؤطر الإبداع، فهو أشمل وأوسع من التأطير.
ولكن إيمان جاءت من جبهة الإبداع والنضال، وتكونت وترعرعت من خلالهما، فقد كانت قوية بما فيه الكفاية لتصمد أما الاستغراب الرافض لتجربتها الواعدة التي ليس لها اسم حتى الآن وكأنها في عيونهم تكتب وتبدع اللاشيء. والتي ستصبح هذه التجربة فيما بعد تحت اسم قصيدة النثر، وستلقى الاعتراف من هذا وذاك ومن الجميع، بل إن الجميع سيطلبون ود هذا الشكل الشعري بعد أن مهدت لهم الطريق إيمان أسيري، وسيصبح الشعراء من الآن فصاعداً من شعراء قصيدة النثر بالإضافة إلى قصيدة التفعيلة، بل إن بعضهم سيبدأ تجربته الشعرية بما بدأت به إيمان دون المرور لا بالقصيدة العمودية ولا بالتفعيلة، بل بقصيدة النثر مباشرة.
بعد مدة من الزمن ستصبح إيمان أسيري رائدة لقصيدة النثر في الشعر البحريني الحديث والحداثي، وبخاصة تجربة السبعينات من القرن الماضي.
ربما لم تكن إيمان تعرف أنها تختط طريقة شعرية حديثة جداً في زمن السبعينات، ولا تعرف أنها ترتاد مناطق بكراً، لكن الأيام كانت كفيلة بإثبات ذلك، فهي كانت مصرة على الإبداع وأن تبدع ذاتها وما تشعر به، ولا يهم الشكل الذي تقول به ذاتها وهواجسها، ولا يهم بالنسبة لها ماذا سيقول عنها الآخرون، لكنه في كل الأحوال شكل غير معهود في شعرنا البحريني، وما يهمها هو أن تكون نفسها.
أما الآن فكل الشعراء يقتفون طريقة إيمان أسيري أو يهتفون باسم قصيدة النثر، بل ويبدؤون بها تجربتهم الشعرية الإبداعية.
يبقى القول إن إيمان شاعرة رائدة لقصيدة النثر في البحرين لكنها في مقابل ذلك شاعرة مقلة جداً قياساً إلى جيلها من شعراء السبعينات.
ففي تجربتها الشعرية التي غطت حوالي نصف قرن أصدرت خمسة دواوين شعرية هي: (هذي أنا القبرة) 1982، و(خمس دقائق لقلبي) 1996، و(حديث الأواني للقبرة) 2001، و(للقبرة أسرار صغيرة) 2003، و(كتاب الأنثى) 2006.
الملاحظ أن ثيمة القبرة تتكرر في كل دواوين الشاعرة، وهي الكلمة الرمز لإيمان نفسها، حيث اتخذت لنفسها اسم ذلك الطائر الصغير لكن الفريد في البيئة البحرينية، والقبرة طائر جميل له لون بني ويمتاز بالبكور منذ الفجر ويطلق أصواتاً جميلة تنم عن بدء العمل وتربية الصغار.
فيما يتعلق بنمو التجربة الإبداعية لإيمان يمكن القول إنها تحاول أن تتجاوز نفسها وتطور من تجربتها الشعرية بين إصدار وآخر، لكن التجربة بوجه عام بطيئة من حيث النمو، حيث ظلت تنوس بين التوقف والنمو.. ظلت في حال مراوحة. ولكن أيضاً يمتاز شعرها بالومضات والكلمات القليلة إنما ذات الإيحاءات المتعددة والكثيرة، كما تمتاز أشعارها بالبساطة والشفافية والبعد عن التعقيد والمعاظلة، إضافة للتداخل بين الموضوعي والذاتي، ففي شعرها ما يمثل بوحاً ذاتياً أنثوياً، وفيه أيضاً ما يمثل التعبير عن الآخر، أحداثاً أو أشخاصاً. ذاتها الشعرية منشبكة مع شعرية العالم.
الجدير بالذكر أن إيمان بالإضافة إلى كونها شاعرة فهي أيضاً فنانة تشكيلية، وقد نفذت مجموعة من المعارض الفنية، كان آخرها في عام 2019، لذلك فهي كانت تتعامل مع الشعر وكأنه لوحة فنية تشكيلية، وفي الوقت نفسه تتعامل مع اللوحة التشكيلية وكأنها قصيدة. التعويل هنا على تداخل الفنون والتأثير المتبادل فيما بينها، فهي تنطلق من مفهوم الشعرية في الأشياء وليس مفهوم الشعر وهذا غير ذاك.

ذو صلة