مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

السينما العربية.. وعودة الشخصية الوطنية

(السينما مرآة الواقع).. لاشك أن السينما (المصرية والعربية) استثمرت هذا المفهوم جيداً، وتم تطويعه في التعبير عن الواقع بكل تجلياته والتباساته، وعن كل ما يصادف الإنسان وحياته الاجتماعية، ومن بين ما صورته السينما المصرية وعبرت عنه قضايا الوطن التي تمس أمنه وسلامته، وتمثل الشرف والكرامة، وتعكس روح الانتماء والتضحية في نفوس أبنائه. وتميزت السينما بوجود زخم كبير من الأفلام الوطنية في مختلف المراحل الزمنية لتعبر عن أحداث ووقائع تاريخية معينة، وتعبر عن قصص النضال الوطني لأبطال متخيلين تندمج قصصهم مع أحداث الواقع وشخصياته.
تنوعت الأفلام الوطنية بين أفلام النضال وأفلام الجاسوسية، وأفلام الحرب، إلا أنها، وبطبيعة الحال، لم تكن السينما التي تشغل الصُّناع طوال الوقت، لذلك ظهرت في أوقات معينة واختفت في أوقات أخرى، بناء على الظروف الاجتماعية والسياسية التي يمر بها الوطن، مثلها في ذلك مثل القضايا الاجتماعية التي تستشري في المجتمع، فتقوم السينما بالتعبير عنها وفق رؤية فنية معينة. أما الأفلام التي عبرت عن النضال الوطني فقد ظهرت في مراحل متفرقة من تاريخ السينما، نتيجة لوقوع بعض الظروف والأحداث السياسية، وظهرت أغلب هذه الأفلام خلال ثلاث مراحل زمنية، هي: عقب ثورة يوليو 1952، وعقب نصر أكتوبر 1973، وفي الألفية الثالثة لمواجهة التطرف الديني والإرهاب والتعبير عن الروح الوطنية لدى الأجيال الجديدة، وذلك أيضاً في إطار التعبير عن الواقع الجديد وظروفه المختلفة، لاسيما أن هذه الأفلام ارتكزت حول ثيمات الدفاع عن الأرض والوطن بصورة رئيسة.
السينما.. وثورة 1952
كانت حقبة الستينات من أكثر المراحل التي شهدت إنتاج هذه النوعية من الأفلام، كنتيجة طبيعية لإفرازات ثورة 23 يوليو 1952، وما ترتب على نجاحها من إحداث تأثيرات إيجابية كبرى على مختلف النواحي الاجتماعية وعلى حياة المواطن العادي. لقد جاءت أفلام مثل (في بيتنا رجل) (1961) للمخرج هنري بركات، و(لا وقت للحب) (1963) من إخراج صلاح أبو سيف، و(غروب وشروق) (1970) من إخراج كمال الشيخ، و(الأرض) (1970) من إخراج يوسف شاهين، تعبيراً عن مرحلة جديدة من التغيير يمر بها المجتمع إزاء واقعه الجديد. كما ظهرت بعض الأفلام التي تعبر عن تفاعل المرأة إزاء الأحداث والتغيرات التي حدثت في مصر عقب الثورة، مثل (الباب المفتوح) (1963) من إخراج هنري بركات، و(شيء من الخوف) (1969) من إخراج حسين كمال، فضلاً عن فيلم (أنا حرة) من إخراج صلاح أبو سيف، وعُرض آخر حقبة الخمسينات.
مرت السينما مرة أخرى بحالة من التوهج والتفاعل تجاه القضايا الوطنية في حقبة السبعينات عقب تحقيق النصر في حرب أكتوبر المجيدة 1973، فتفاعلت السينما مع الحدث العظيم من خلال التعبير عن أحوال الجنود المصريين على الجبهة، وأثر الحرب والانتصار عليهم وعلى المجتمع، فتم تناول التغيرات الإيجابية التي انعكست على الشارع نتيجة لهذا الانتصار الذي أعاد الكرامة ورد الاعتبار للشخصية المصرية بعد سنوات من الانكسار بسبب هزيمة يونيو 1967. وجاءت أفلام (الوفاء العظيم) (1974)، و(بدور) (1974)، و(الرصاصة لا تزال في جيبي) (1974)، و(أبناء الصمت) (1974)، و(العمر لحظة) (1978) معبرة عن أحوال الجنود والمجتمع والفرحة بالنصر بعد مرارة الهزيمة.
لم تقدم السينما طوال حقبتي الثمانينات والتسعينات سوى أعمال نادرة مثل فيلم (إعدام ميت) (1985) من إخراج علي عبدالخالق، وتأليف إبراهيم مسعود، و(الطريق إلى إيلات) (1993) من إخراج إنعام محمد علي، وتأليف فايز غالي. ويدور فيلم (إعدام ميت) حول عالم الجاسوسية، حيث يتم إلقاء القبض على الشاب المصري منصور الذي يعمل لحساب الموساد الإسرائيلي، ويتم إرسال شبيهه عز الدين الضابط بالمخابرات المصرية إلى الموساد للتأكد من معلومات بخصوص امتلاك العدو لقنبلة ذرية. إلا أن الضابط يتم كشفه والقبض عليه، ثم استبداله لاحقاً بطيارين إسرائيليين ومعهم منصور، الذي يقوم والده بقتله لتطهيره من الخيانة. وقام بأداء الشخصيتين الفنان محمود عبدالعزيز.
أما فيلم (الطريق إلى إيلات) فهو من أفلام الحرب، ويتناول مجموعة من الضفادع البشرية في قوات البحرية المصرية، يقومون خلال عام 1969 بمهاجمة ميناء إيلات الإسرائيلي الحربي، ويتمكنوا من الوصول إلى السفينتين الحربيتين بيت شيفع، وبيت يام وتدميرهما. وحاز الفيلم إعجاب النقاد والمشاهدين. ولعبت كل هذه الأفلام وغيرها دوراً مهماً في شحذ همم الشباب العربي وتحفيزهم باستمرار ضد العدو.
السينما.. وأحداث الربيع العربي
أثرت أحداث يناير 2011 على طبيعة الإنتاج السينمائي في مصر، نتيجة لما مرت به البلاد من أحداث سياسية أثرت على مختلف شؤون الحياة الاجتماعية والسياسية، فقد احتشد الشعب في ميدان التحرير مطالباً بسقوط النظام، وتلا ذلك العديد من الأحداث والمتغيرات السياسية، فقدمت السينما عدة معالجات سينمائية تناولت الأحداث، وسلطت الضوء على أثر الفوضى والتظاهرات الفئوية التي انتشرت في مختلف القطاعات، والتراجع الاقتصادي الهائل، وحكم الإخوان المسلمين، وأثر ذلك على واقع الحياة الاجتماعية للمصريين، ومن هذه الأفلام: (حظ سعيد)، و(الطيب والشرس والسياسي)، و(اسمي ميدان التحرير)، و(صرخة نملة)، و(موقعة الجمل)، و(الشتا اللي فات)، و(فرش وغطا)، و(اشتباك)، و(بعد الموقعة) الذي تناول ما عرف إعلامياً بموقعة الجمل، فضلاً عن فيلم (18 يوم) الذي أُنتج عام 2011، ومازال ممنوعاً من العرض حتى الآن، وشارك في إخراجه عدد من المخرجين البارزين، شريف عرفة، ومروان حامد، ويسري نصر الله، وخالد مرعي، وكاملة أبو ذكري، وشريف بنداري، وفيلم (اشتباك) الذي حقق العديد من الجوائز الدولية.
عبرت هذه الأفلام عن مرحلة مهمة في حياة المصريين وكانت سجلاً وافياً لكل المتغيرات التي مرت بالشارع المصري، حيث سجلت بالصوت والصورة معظم الأحداث المتعلقة بما سمي وقتئذ بالربيع العربي الذي ارتبط بالفترة من يناير 2011، حتى 30 يونيو 2014.
عقب سقوط حكم الإخوان المسلمين عام 2014، انتشر الإرهاب في مصر بأشكال عديدة، وظهرت موجة شديدة من اصطياد الجنود وتفخيخ أماكن القوات المسلحة، مما دفع صُنّاع السينما إلى التفاعل مع أحداث الواقع المؤلمة بإنتاج أفلام حركة ذات طابع وطني، من أجل التعبير عن الأحداث من جهة، وإذكاء روح الانتماء وشحذ الحس الوطني وتعبئة الشارع تجاه هذه الفئة التي تقتل الجنود من جهة أخرى، فظهرت أفلام مثل (الخلية) عام 2017، من إخراج طارق العريان، وفيلم (الممر) 2019، من إخراج شريف عرفة، بالإضافة إلى (حرب كرموز) (2018)، وهو فيلم حركة من إخراج بيتر ميمي، وكان لهذه النوعية من الأفلام تأثير كبير في إذكاء الروح الوطنية لدى الأجيال الجديدة من الشباب.
(مافيا).. تحوُّل البطل العنيد
يعد فيلم (مافيا) (2002) للمخرج شريف عرفة وتأليف مدحت العدل، من أوائل أفلام البطولة المطلقة للنجم أحمد السقا، ويتناول معنى الوطن، والانتماء، والارتباط بأمكنة حفرت في الوجدان. وتتمحور الأحداث حول حسين (أحمد السقا) الذي يفصل من الكلية الحربية، فيسافر إلى الخارج وتقوم باستقطابه المافيا الدولية للإرهاب، فيقبض عليه بعد ذلك ويتم اختطافه إلى مصر، حيث يجرى إعداده وتدريبه نفسياً وبدنياً، ومن ثم تجنيده من قبل أجهزة عليا بالدولة لمعرفة تفاصيل عملية إرهابية تستهدف شخصية بارزة تزور مصر، وبالفعل يتغير حسين كلياً، ويشعر بقيمة الوطن والإحساس بالمسؤولية، ويصبح اسمه الحركي طارق زيدان، وينجح في الوصول إلى العصابة الإرهابية ومعرفة الشخصية المستهدفة، وهو بابا الفاتيكان.
أما فيلم (الخلية) فتقوم أحداثه على طرح كلا النموذجين: الضابط، والإرهابي، وإماطة اللثام عن فِكر كل منهما، والقضية التي يحاول الدفاع عنها، وبالتالي يذهب الفيلم إلى علاقة كل منهما بأسرته وزملاء العمل، والمحيطين به، لتكشف الأحداث أن الإرهابي ليست له قضية يؤمن بها وأنه مجرد مرتزق يقتل ويحرق ويدمر لحساب جهات أجنبية ولا يهمه سوى الحصول على المال، بينما للضابط قضية أساسية هي الحفاظ على أمن الوطن وحماية الناس من شرور الإرهابيين والمأجورين. ويبدأ الفيلم بوقوع عملية إرهابية يستشهد فيها الضابط عمـــــــــرو (أحمــــــــــــد صفوت) ليقرر زميله الضابط بالقوات الخاصة سيف (أحمد عز) الانتقام والثأر من الإرهابيين، ويبدأ مطاردة أحدهم هو مروان عدنان (الفنان السوري سامر المصري).
ظهرت الشخصية الوطنية في عدد من الأفلام التي حُفرت في ذاكرة السينما المصرية، وتم اختيارها في قائمة أفضل أفلام السينما المصرية في 100 عام، مثل فيلم (جميلة) (1958) من إخراج يوسف شاهين، وفيلم (غروب وشروق) (1970) للمخرج كمال الشيخ وتأليف جمال حماد، وفيلم (الأرض) (1970) من إخراج يوسف شاهين، وتم عرضه في مهرجان (كان) الدولي.

ذو صلة