مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

الأيقونة القبطية.. فن شعبي يصور الحياة والتاريخ والناس

الأيقونة هي واحدة من الفنون المصرية/ القبطية، وهي عبارة عن صورة مرسومة تتناول إحدى شخصيات الكتاب المقدس أو أحد أحداث تاريخ المسيحية والكنيسة، وهي تُصنف كفن تشكيلي/ تصوير زيتي. وتُعلق الأيقونات على جدران الكنائس والأديرة، وفي المنازل، والمسيحيون لا يعبدون الأيقونات، وإنما يهتمون بها من باب التذكير بالشخصيات والأحداث، وقد يكون مكتوباً عليها وصفاً باللغة القبطية أو باللغة العربية أو بكليهما.

سمات الفن القبطي
يتميز الفن القبطي -بوجه عام- بمجموعة من السمات والخصائص، التي انعكست على فن الأيقونة، فالفن القبطي فن شعبي، اهتم المواطنون به والإنفاق عليه وتطويره. وهو فن رمزي، فلكل رسم دلالة ومقصد، وكذلك للألوان دلالتها، فاللون الأبيض رمز النقاء، والذهبي رمز المُلك، واللون الأحمر رمز الدم والتضحية والفداء، والأزرق رمز الصفاء والطهارة.
والفن القبطي هو فن الهالة والتاج، حيث يضع الفنان هالة حول رأس السيد المسيح أو رأس السيدة مريم العذراء، وقد يرتدي المسيح تاجاً باعتباره الملك، حسب عقيدة المسيحيين. ويتميز الفن القبطي كذلك بالبساطة، والبعد عن البهرجة والجمال الحسي، والتركيز على المعنى الروحي المقصود من وراء الأيقونة، ومن ذلك تهتم الأيقونة بالرأس وبالعينين.
الأيقونة والعقيدة
ترتبط الأيقونة القبطية بإيمان المسيحيين وعقيدتهم، فحسب القمص أنطونيوس فكري، في كتابه (الرموز في الكتاب المقدس)؛ فإن الأيقونة لا تُرْسَم بأبعاد ثلاثية فهذا يعطيها تجسيماً، لأننا ما زلنا على الأرض، ولكنها تخضع لِبُعْدِين فحسب، حيث يعيش المسيحيون بالإيمان والرجاء.
والأيقونة لا تعترف بالزمن، حيث تُرْسَم السيدة العذراء مع إيليا النبي مع الشهيد مار جرجس في أيقونة واحدة، رغم اختلاف العصر الزمني الذي عاش فيه كل منهم. والأيقونات هي درس ناطق لمن لا يقرأ، وإكرامها إكرام لصاحبها وليس لها.
ومن هنا فإن رسام الأيقونة (هو فنان تشكيلي دارس للعقيدة والروحيات وأصول الفن المسيحي وقواعده، وهو إنسان يصلي ليوحي له الروح القدس بالفكرة فتكون مؤثرة روحيّاً فيمن يشاهدها).
أشهر الأيقونات
من أشهر أيقونات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أيقونة هروب العائلة المقدسة إلى أرض مصر، وهو الحدث الأبرز الذي تتميز به مصر، ويتميز به تاريخ المسيحية في مصر، وهو يعود إلى القرن الأول الميلادي، حين جاء إلى مصر الشيخ يوسف النجار ومعه السيدة العذراء تحمل الطفل يسوع هرباً من وجه هيرودس الملك الذي أراد قتل الصبي.
بالإضافة إلى أيقونات: السيد المسيح، السيدة العذراء، الملاك ميخائيل، مار مرقس- كاروز الديار المصرية، وعدد آخر من الشهداء والقديسين، من أشهرهم مار جرجس ومار مينا وفيلوباتير مرقوريوس أبي سيفين والقديسة دميانة والأربعين عذراء، والأنبا بولا والأنبا أنطونيوس والأنبا بيشوي والأنبا شنودة والبابا كيرلس السادس.
وهناك أيقونات تتناول بعض أحداث الكتاب المقدس مثل ميلاد السيد المسيح، والمعمودية في نهر الأردن، وعظة المسيح على الجبل، ودخول مدينة أورشليم، والعشاء الأخير والصلب والقيامة والصعود إلى السماء، بحسب العقيدة المسيحية.
الموناليزا المصرية
هي أيقونة السيدة العذراء مريم تحمل الطفل يسوع المسيح وإلى جوارهما يوحنا المعمدان في صورة شاب صغير، توجد في كنيسة السيدة العذراء والشهيدة دميانة المعروفة باسم الكنيسة المعلقة بمصر القديمة، وفيها العذراء تنظر لمن ينظر إليها، على غرار لوحة الموناليزا الشهيرة لصاحبها ليوناردو دافنشي.
العائلة المقدسة وخلفهما جامع
في عدد من الكنائس الأثرية، توجد أيقونة تصور العائلة المقدسة وفي الخلفية جامع، رغم أنه في القرن الأول الميلادي -حين جاءت العائلة المقدسة إلى مصر- لم يكن الدين الإسلامي قد ظهر، ولكن الفنان رسم اللوحة بروح العصر الذي يعيش فيه، في القرن الخامس عشر أو السادس عشر، وكان الدين الإسلامي قد انتشر في مصر.
الاهتمام بالفن القبطي
أظهرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اهتماماً واضحاً بالفن القبطي عموماً، وفن الأيقونة خصوصاً، ومن ذلك أنه في عام 1954م تأسس معهد الدراسات القبطية بجهود الدكتور عزيز سوريال عطية وآخرين. وبسبب أهمية ومكانة الفن القبطي، فقد تضمن المعهد قسماً للفن، تناوب على رئاسته عدد من أساتذة الفن والفنانين، ويدرس فيه عدد من الشباب الفنانين، وينظم القسم بين الحين والآخر معرضاً للفن القبطي، ويعرض الكثير من الأيقونات القبطية لعدد من الفنانين، من مدارس متنوعة.
أشهر الفنانين
عبر ألفي سنة برز عدد من فناني الأيقونة القبطية، منهم مصريون ومنهم أيضاً غير مصريين، صاغوا مع بعضهم، جيلاً بعد جيل، سمات الأيقونة القبطية وملامحها الفنية ودلالتها الدينية.
مدرسة الأيقونة القبطية
من بين فناني الأيقونة القبطية في العصر الحديث يبرز اسم الفنان الدكتور إيزاك فانوس (1919-2007م) الذي يعده البعض رائد فن الأيقونة القبطية في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، وهو على حد تعبير (قاموس التراجم القبطية) يُعد (أشهر رسامي الأيقونات بالكنائس القبطية الأرثوذكسية).
كان الفنان إيزاك فانوس صاحب عقيدة فنية، يرى أن الفن القبطي في شتى مجالاته هو وريث لحضارة مصر الفرعونية وما تلاها من تداخل وتزاوج للحضارات التي تعايشت مع الحضارة المصرية، وأن الفن القبطي لعب دوراً تعبيرياً غاية في الأهمية مستغلاً القيم الوراثية في الفن المصري، وأن الفن القبطي استطاع أن يترجم المضمون اللاهوتي، وأن حضارة وادي النيل مازالت تسري وتعطي، فالفن التشكيلي المصري باقٍ ليؤكد ويعبر عن مضمون العقيدة.
اهتم إيزاك بمجال الفن منذ صغره، حيث نشأ في منزل يعشق الفن، فكانت والدته تشجع أبناءها على حب الفنون، ومن هذا الجو المحب للثقافة والفن أصبح أخوه الأكبر فناناً فوتوغرافياً، ودرس أخوه الثاني الفنون وتولى إدارة متحف الفنان محمود مختار.
حصل على دبلوم كلية الفنون التطبيقية (قسم النحت) سنة 1941م، وكان أول دفعته، ثم حصل على دبلوم التربية والفن سنة 1943م، وعمل مدرساً للرسم في إحدى مدارس شبرا. وتعرف على الفنان راغب عياد بالمتحف القبطي الذي عرفه على بطرس باشا سميكة، ذلك الأخير الذي أعطاه فرصة العمل بضع ساعات بالمتحف القبطي، فعرف وقتها عمالقة القبطيات مثل المهندس حنا سميكة والفنان يسى عبد المسيح والدكتور رؤوف حبيب.
التحق إيزاك فانوس بمعهد الدراسات القبطية، ليحصل على دبلوم المعهد، وكان حبه للفن القبطي حافزه الأول على التفوق. ونصحه أستاذه يوسف عفيفي أن يبتعد عن الغربيات ويحتفظ بريشته القبطية المصرية الأصيلة.
حصل إيزاك على الدكتوراه في فن الأيقونات القبطية من باريس سنة 1966م، كما حصل على منحة من مجلس الكنائس العالمي للدراسة في باريس ليتتلمذ على يد البروفيسور أوسكبنسكي.
رأس قسم الفن بمعهد الدراسات القبطية منذ سنة 1975م حتى وفاته. وكان يؤمن بفكرة المدرسة والتلمذة، ورأيه في ذلك أن المدرسة (الفنية) سوف تستمر بعد وفاة صاحبها، على العكس العمل الفردي الذي لن يستمر. وقد تخرج على يديه العديد من الفنانين المبدعين من رسامي الأيقونات الذين تنتشر أعمالهم في أماكن كثيرة. واستطاع أن يطور أسلوباً جديداً لرسم الأيقونات القبطية، يتبين بشكل واضح في أعماله الكثيرة، من رسومات وأيقونات وأعمال الفريسك والموزاييك والزجاج المعشق بالرصاص في الكثير من الكنائس والأديرة في مصر وخارجها.
(أحلى أيقونة مصرية)
هي العبارة التي قالها البابا شنودة الثالث (1971-2012م) أثناء التقاط صورة جمعت بين البابا والزوجين بدور لطيف ويوسف نصيف، وهما من بين الأسماء اللامعة في عالم الأيقونات القبطية، كان لهما مرسم خاص في منطقة حمامات القبة بالقاهرة، وقد رسما الكثير من الأيقونات داخل مصر وخارجها.
أجادت الفنانة بدور لطيف جورجي (1921-2012م) فن الرسم الملون، وتميزت بالقدرات الإبداعية متعددة الألوان والنادرة على مدى أكثر من نصف قرن مع رفيق مشوارها الفني الفنان يوسف نصيف بقطر (1920-2013م).
تزاملا في معهد الدراسات القبطية وهما من خريجي الدفعة الأولى للمعهد عام 1961م، بعد حصول (يوسف) على بكالوريوس المعادن الزخرفية والمينا في كلية الفنون التطبيقية عام 1941م، وحصول (بدور) على بكالوريوس تربية فنية عام 1946م، وكانت لهما دراسات متخصصة في التصوير والألوان المائية مع حبيب جورجي- عميد مفتشي التربية الفنية بوزارة التربية والتعليم، ودراسات مع الفنان شفيق رزق عميد المعهد العالي للتربية الفنية، وقرب مهاراتهما الفنية الفائقة في مجالات كثيرة منها التصوير ورسم الجدار والأيقونات القبطية وأعمال النحاس والخشب والمينا والخزف والنحت والرسم بالألوان المائية للطبيعة.
وقد رسما أيقونات الكثير من الكنائس، داخل مصر وخارجها، ولهما تلاميذ كثر، وحصلا على الكثير من الجوائز وشهادات التقدير من داخل مصر وخارجها، ونال يوسف نصيف شهادة الدكتوراه الفخرية وشهادة زمالة معهد الدراسات القبطية بيد البابا شنودة الثالث عام 1993م لأعماله الفنية التي قام بعملها في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.
وحسب نقاد الفن فقد تميزت أعمالهما بضوء الروحانية وأصالة الفن القبطي، وعذوبة الفن المصري وبساطته، مع الحرص على الطابع الطقسي المميز، وكانت أعمالهما ذات تأثيرات روحية وأصالة مصرية بأصدق تعبير وأصبح لهما أسلوب فني مميز ارتبط باسميهما.
يوحنا الأرمني وإبراهيم الناسخ
من الفنانين القدامي الذين شكلوا ملامح الأيقونات القبطية، يوماً وراء آخر، يبرز يوحنا الأرمني وإبراهيم الناسخ.
يذكر الدكتور ماجد عزت إسرائيل الكثير عن حياة الفنان يوحنا الأرمني، أنه ولد في مدينة القدس عام 1720م، وجاء إلى القاهرة مع والده وأخيه صليب عام 1740م، وسكن في منطقة درب الرسام بقنطرة الموسكي بالقاهرة، وفي عام 1742م تزوج من فريسينية تادرس ميخائيل، وكانت والدتها أرمينية، ووالدها من أقباط مصر، وكان يعمل خياطاً، وأنجبت له أربعة أبناء هم أورتين، وجرجس، ويعقوب، وبنت اسمها منكشة، وتوفيت الزوجة في 30 أغسطس 1770م، فتزوج بأخرى تدعى دميانة جرجس عنبر، وكان والدها صائغاً، ولم يرزق منها بأولاد.
لقب الفنان يوحنا الأرمني بالعديد من الألقاب منها، النقاش والرسام والمصور والمقديسي، نسبة إلى مدينة القدس. ومارس يوحنا الأرمني الرسوم الجدارية والزخرفة بالإضافة إلى رسم الأيقونات بالكنائس والأديرة أو منازل الأراخنة، وقد تأثر بالفنون الأرمينية، وبما شاهده ومارسه من أعمال فنية بمدينة القدس.
وقد أصبح عاشقاً لفن الأيقونات القبطية، ما جعله يتعاون ويشترك ويتعلم في الفترة ما بين (1742-1755م) أيضاً مع الفنان المصري إبراهيم الناسخ (سمعان) الذي اشتهر بأيقوناته في ذات الفترة أيضاً، فزاد عدد الأيقونات، وقد تركا في المتحف القبطي والكنائس في مصر، نحو (33) أيقونة مشتركة بينهما، مثل أيقونة السيد المسيح (الجالس على العرش) بالمتحف القبطي بالقاهرة، أما يوحنا الناسخ بمفرده فترك نحو (115) أيقونة، منها أيقونة القديس جورج الأرميني، وأيقونة القديس مار مينا، والقديس برسوم العريان في كنيسة العذراء قصرية الريحان في مصر القديمة، ومار بهنام السرياني، دير مار مينا بفم الخليج في مصر القديمة. وظل يوحنا الأرمني يرسم أيقوناته إلى أن توفي في 27 يوليو 1786م ودفن بالقاهرة.
فنانون آخرون
من فناني الفن القبطي الذين عبروا بصدق وإيمان عن مشاعرهم هناك أيضاً مارجريت نخلة، يوسف جرجس عياد، فيكتور فاخوري، حنا سعيد، مجدي وليم، عادل نصيف، جرجس لطفي، سميرة لمعي، إرميا القطشة، وغيرهم الكثير من أجيال الفنانين. ومن أشهر المراسم مرسم دير القديسة دميانة بالبراري، حيث راهبات ومكرسات اهتممن بفن الأيقونة القبطية.

ذو صلة