مجلة شهرية - العدد (572)  | مايو 2024 م- ذو القعدة 1445 هـ

كتب وقراءات



الكتـــــــاب: سقوط الإمبراطوريات.. مقدمة في تاريخ انهيار 17 إمبراطورية
المؤلـف: تشاد دينتون
المترجم: هاني الحاج
الناشـــــــر: المركز الأكاديمي للأبحاث، العراق، 2023.

مع تمدد موجة عالمية من حركات إنهاء الاستعمار؛ أصبحت كلمة إمبراطوريَّة تستحضر في الذهن صور العبوديَّة والغزوات وعمليَّات القمع والتوسُّع الاستعماريّ. ورغم صعوبة صياغة نظرية عالمية للانحدار الإمبراطوريّ؛ يحاول هذا الكتاب الشيّق والدقيق قراءة سلسلة من حلقات انهيار الإمبراطوريَّات بطيف متنوع: الغطرسة العسكريَّة (أثينا وبريطانيا)، تدمير العاصمة (بلاد فارس)، تنفير الرعايا من خلال الاضطهاد (الصين والإمبراطوريَّة الروسيَّة)، تفكيك الإمبراطورية من قبل قوَّةٍ صاعدةٍ (قرطاج)، والفساد في قلبها، والنزاعات الأسريَّة (الكارولينجيين)، والتفكُّك السياسيُّ الذي أعْقبه الغزو المُفاجئ (الخلافة العبَّاسيَّة)، والزواج بين الصراع الطائفي وسياسة القوَّة الساخرة (بيزنطة)، والكارثة البيئيَّة (الخمير)، والاستغلال الاستعماريّ (الأزتيك)، والفشل في تحقيق الوِحْدة (روما والمغول)، والصحوة القوميَّة (العثمانيُّون والاتحاد السوفيتي). يجب أن يقرأ المواطنون هذا الكتاب. في النهاية، هُم، وليس الأنْظمة، الذين يَصْنَعون التَاريخ.



الكتـــــاب: عرب العراق والجزيرة
المؤلف: غرترود بيل
المترجم: علي أبو الطحين
الناشــــــر: منشورات تكوين في الكويت مع دار الرافدين في بيروت، 2023.

الكتاب عبارة عن جزءين في كتاب واحد، ويقع في أكثر من 200 صفحة. الجزء الأول من الكتاب بعنوان: (عرب بلاد ما بين النهرين)، يضم عشر مقالات، كتبت في البصرة خلال سنة 1916، معظمها بقلم المس غريترود بيل. تناولت فيها وصفاً عامّاً لسكان العراق، وتوزيع القبائل والعشائر العراقية، والظروف القاسية تحت الحكم التركي، والعلاقة مع القبائل العربية في المحمرة والخليج ونجد، كما كتبت عن زيارة الأمير عبدالعزيز ابن سعود إلى البصرة في سنة 1916.
أما الجزء الثاني، فهو بعنوان (تركيا الآسيوية)، ويضم سبع مقالات، وضعت من قبل غريترود بيل في بغداد سنة 1917. تتناول هذه البحوث كما يتضح من العنوان الولايات الآسيوية في الإمبراطورية العثمانية، تصف فيها الطبيعة الجغرافية وتوزيع السكان والأهمية الاقتصادية للولايات العربية في العراق وسوريا، والولايات التركية في آسيا الصغرى والأناضول.



الكتــــــاب: نظرية التأدب
المؤلــف: بنيلوبي براون - ستيفن لفنسن
المترجم: هشام إبراهيم الخليفة
الناشــــــــر: دار كنوز المعرفة، عمان، 2023.

أثار نشر الكتاب طوفاناً من البحوث والأطروحات بشأن النظرية التي أسَّسها المؤلفان في كتابهما. ومازالت البحوث والتطبيقات بشأن النظرية جارية في أغلب لغات العالم وثقافاته، ذلك لأنَّ النظرية تقول بوجود مبادئ وإستراتيجيات كُلّية (عالمية) يتبعها المتفاعلون في كل مجتمعات العالم. ويدعو المؤلّفان في كتابها إلى تغيير مسار الدراسات في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، بحيث يُعطَى التفاعل الاجتماعي حصته من الاهتمام وعدم الاكتفاء بتركيز الاهتمام على البنية الاجتماعية وآلياتها المركزية. الكتاب مهم بشكل خاص للباحثين في التداولية اللسانية واللسانيات الاجتماعية واللسانيات التطبيقية والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي التفاعلي. هذا الكتاب التأسيسي هو أول كتاب يصدر في اللغة العربية بشأن التأدب، وهو بهذا يَسُدُّ فراغاً كبيراً وخطيراً في الثقافة العربية. ولقد بَذَلَ المترجم جُهْداً كبيراً في ترجمة هذا الكتاب الصعب والمهم، محاولاً تيسيره للقارئ العربي عن طريق الهوامش العديدة والمقدمة التي أوضح فيها فكرة الكتاب والنظرية ومصطلحاتها ومفاهيمها الأساسية، ودعا الباحثين العرب إلى الاهتمام بموضوع التأدب المهمل في الثقافة العربية، كما دعا المؤلّفان نَفْسَ الدعوة في مُقدّمتهما للترجمة العربية للكتاب.



الكتـــــاب: الإسلام والتطور
المؤلـف: شعيب أحمد مالك
المترجم: رضا زيدان
الناشـــــــر: دار أدب، الظهران، 2023.

يحاول هذا الكتاب تزويد القارئ بوصف شامل وسهل الوصول إليه عن الإسلام ونظرية التطور. وهو يرشد القارئ من خلال المتغيرات المختلفة التي لعبت دوراً في الحوار المستمر بين المسلمين المعارضين وأنصار التطور. وينظر هذا العمل إلى المناقشة من خلال الغزالي (1058-1111)، وهو مفكر إسلامي معروف على نطاق واسع ويحظى باحترام كبير من فترة العصور الوسطى. من خلال فهم الغزالي، وباعتباره عالم فقه أشعرياً، فإن أفكاره الميتافيزيقية والتأويلية هي ما تم اتخاذه لاستكشاف ما إذا كان يمكن قبول التطور الدارويني الجديد ومدى قبوله. وقد تبين أن أفكاره يمكن استخدامها للتوصل إلى توافق بين الإسلام والتطور الدارويني الجديد. ويقدم هذا الكتاب فحصاً تفصيلياً يسعى إلى تقديم الوضوح إن لم يكن الاتفاق، في خضم صراع فكري حاد واستقطاب بين المسلمين. وعلى هذا النحو، سيكون ذا أهمية كبيرة لعلماء العلوم والدين، واللاهوت، وفلسفة الدين، والدراسات الإسلامية، والدراسات الدينية بشكل عام.



صفية عنبر (1952 - 2012) عن ذلك الزوج العظيم

تعد الكاتبة والروائية صفية عنبر من الجيل التالي لجيل التأسيس. فقد ولدت الرواية السعودية، في حجر الروائي أحمد السباعي، بروايته الأولى (فكرة) (1948)، والثانية (مطوفون وحجاج) (1953)، وقصصه (خالتي كدرجان) (1967)، وسيرته الذاتية (أبو زامل- 1954/ أيامي - 1970).
 وعلى أنه نهضت الرواية السعودية في مرحلة التكريس على همم كل من سميرة خاشقجي/ سميرة بنت الجزيرة، وإبراهيم الناصر الحميدان وعبدالرحمن منيف.
ومما يلفت أنه كلما تقدم الوقت ظهرت أسماء نسائية أثبتت وجودها، مثل: هدى الرشيد وأمل شطا وهند باغفار، مقابل نشاط روائي رجالي لكل من غالب حمزة أبوالفرج وعصام خوقير ومحمد عبده يماني.
تقول عنبر: (ليس هناك إنسان لم يستفد من أي ظروف مر بها، أما أنا فقد علمتني الحياة الصبر وقوة الإيمان، علمتني الإرادة، وأن ليس هناك ما يسمى مستحيلاً. فالإنسان بصموده وقوة عزيمته وإصراره، قادر على تجاوز كل الضغوط والأزمات التي قد يتعرض لها في هذه الحياة، وفي النهاية هذه هي سنة الحياة، فلا حياة دون ضغوط ومشاكل).
هذا ما باحت به الأديبة صفية عنبر في محاضرة ألقتها في مركز زايد العالمي للتنسيق والمتابعة في أبوظبي عام 1424هـ (2003). وتحدثت عن أعمالها السردية فقالت: (كل واحد منها له مكانة خاصة في النفس، لكن إلى يومنا هذا لا تزال (عفواً يا آدم) هي الأقرب إلى نفسي، فهي أول ما كتبت، وكنت حينها على سجيتي تماماً، هذا بالإضافة إلى (وهج من بين رماد السنين). وأتمنى أن أرى أحدهما في عمل تلفزيوني أو مسرحي قريباً إن شاء الله).
وُلِدتْ صفية عنبر عام 1952 في المدينة المنوّرة، ونشأتْ في رحابِ والدِها، الأديب المديني، عبدالحميد عنبر، ثمّ تزوّجت من عبدالعزيز بن منصور التركي، فكان بالنسبة إليها نافذةً إلى عوالم جديدة لا حدّ لها. انتقلت معه إلى الأحساء حين عيّن معتمداً للمعارف هناك، ثم إلى الدمام حين عيّن مديراً للتعليم، ثم إلى لندن حين عُيّن ملحقاً ثقافياً.
وإذا كانت هذه التنقلات قد أسهمت إلى حد كبير في انفتاح صفية على دوائر جديدة؛ فإنّ انتقالها إلى لندن يمكن أن يُعدَّ الحدثَ الأهمّ، لأنها عاشت هناك سبعةً وثلاثين عاماً، قضتها مع زوجها، ثمّ مع أولادها من بعد وفاته.
كتبت صفية عنبر المقالة في عددٍ من الصحف، أهمُّها (الشرق الأوسط)، ومارست كذلك العمل التربوي، وترقّت في مستوياته الوظيفية المتعدِّدة.
وأطلقت أول إصداراتها قصصاً بعنوان (عفواً يا آدم)، الصادرة عن دار مصر للطباعة بالقاهرة عام 1986م، ولقد قدّم لهذه التجربة كلٌّ من محمّد عبدالمنعم خفاجي، وعبدالعزيز شرف. وكتبت الإهداء: (إلى زوجي العظيم عبدالعزيز التركي، لولاك ما كانت هذه الصفحات).
الأعمال السردية:
القصص: عفواً يا آدم (1986).
الروايات: وهج من بين رماد السنين (1988)، جمعتنا الصدفة وفرقتنا التقاليد (1992)، افتقدتك يوم أحببتك (1995)، أنت حبيبي لن نفترق معاً إلى الأبد (1999)، باسمة بين الدموع، (2001).
الأعمال الفكرية:
أوراق مبعثرة من زوبعة العمر - خمسة أجزاء: (1988، 1991، 1995، 1999، 2001).



أندريه ميكيل (1929 - 2022)

عاش ميكيل بأجنحة الثقافة العربية الإسلامية، واضعاً مؤلفاته من دراسات أو ترجمات، ما بين عامي 1968 - 2016. وقد نقل إلى الفرنسية كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع عام 1957، ثم استكمل ترجمة ألف ليلة وليلة (2005).
وعندما سئل عن ذلك التخصص الأكاديمي كيف بدأ اهتمامه به؛ ذكر:
(تولد أوّل شغف لي بالعالم العربي في عام 1946، إثر رحلة قمت بها إلى شمال أفريقيا حين كنت طالباً. اكتشفت الضفة الجنوبية للمتوسط من خلال محطات عديدة، قادتني من تونس إلى الجزائر ثم الرباط ومراكش. في البداية كان هذا الانجذاب الأوليّ سياحياً، حيث اكتشفت شرقاً تقليدياً وغرائبياً؛ إلا إنه لاحقاً، حين كنت أستعد لمسابقة الدخول إلى (مدرسة المعلمين)، تملكتني رغبة جارفة لتعميق هذا (الاحتكاك) مع العالم العربي، والغوص في مجتمعاته.
وبناءً على ذلك، اقتنيتُ نسخة من القرآن الكريم، مترجمة إلى اللغة الفرنسية. وهي الترجمة التي أنجزها كلود إتيان سافاري.
عندما شرعت بقراءة النص القرآني، انجذبتُ إلى الآيات الأولى، إلى قوّتها الرمزية والإيحائية. بعد ذلك، سجّل مساري صوب العالم العربي، (انقطاعاً) أو فاصلاً طويلاً من الدراسة والبحث، قادني إلى المدرسة العليا للأستذة، École normale supérieure، ثم التحقت ببرنامج المبرّزين باللغة العربية، رغم أني لم أكن مستعداً لذلك حقاً. ومن ثمّ ترددت في الاختيار بين التدريس في الجامعة أو الدخول في السلك الدبلوماسي. ثم سافرت إلى دمشق، حيث عشت تجربة مميزة لمدة عام).
وذكر أن الجاحظ وابن المقفع هما بلا جدل من عمالقة الأدب العربي، إذ يمثلان الرهان الذي حملته حضارة بأكملها، وذلك كي تكون حاضرة في زمنها. ومن أجل التأثير في هذا العالم عبر حضورها، بأية طريقة؟ بالانفتاح على الآخر والمساهمة في منظومته، سواء بتقاليده وابتكاراته؛ أثرى الجاحظ التراث النقدي والسردي والبلاغي العربي، أمّا ابن المقفع فقد أثرى التراث الفارسي العربي والهندي. أدّى الاثنان دوراً تأسيسياً في النثر العربي؛ لأن ولادة النثر ترجع إلى عصر الجاحظ وابن المقفع. لكن يجب ألا ننسى أن الثقافة العربية، تبقى في النهاية ثقافة شعر، فحين يرغب العرب بالحديث عن أنفسهم، يكتبون الشعر. لكنهم يكتبون النثر من أجل الانتقال إلى طور الجديّة والواقعية.
الجدير ذكره أن أندريه ميكيل مؤرخ ومستعرب فرنسي متخصص في اللغة والأدب العربي. بدأ شغف أندريه ميكيل بلغة الضاد عام 1946 خلال رحلة قادته بالصدفة الى المغرب والجزائر وتونس. درس بمدرسة المعلمين العليا في باريس ودرس العربية على يد المستعرب الرائد ريجيس بلاشير، وتولى تدريس الأدب العربي في الجامعات الفرنسية منذ عام 1968. شغل منصب مدير معهد لغات الهند والشرق وشمال أفريقيا وحضاراتها في جامعة باريس الثالثة، وانتُخب أستاذاً لكرسي الأدب العربي في الكوليج دي فرانس عام 1975، واختير ميكيل عام 1984 مديراً للمكتبة الوطنية في باريس، وكانت المرة الأولى التي يُختار فيها أحد المتخصصين في الدراسات العربية والإسلامية لهذا المنصب الرفيع.
ترجم إلى العربية:
ليلى يا عقلي - رواية (2021)، أشعار متجاوبة - شعر (2020)، قصتا حب من مجنون ليلى إلى تريستان (2018)، العالم والبلدان - دراسات في الجغرافيا البشرية عند العرب (2016)، وجبة المساء (يوميات دبلوماسي فرنسي في سجن مصري) (2016)، العرب، الإسلام وأوروبا (كتاب مشترك، 1993)، جغرافية دار الإسلام البشرية (ثلاث مجلدات، 1983)، الأدب العربي (1979).



الكتــــــــــاب: شرق المتوسط وتكوين التيار الراديكالي العالمي في الفترة من 1860 وحتى 1914.
المؤلـــــف: إلهام خوري مقدسي.
المترجمة: دعاء نبيل إمبابي.
الناشـــــــــــر: المركز القومي للترجمة، القاهرة.

يتكون الكتاب من: مقدمة، وفصول خمسة على التوالي:
1. عالم أواخر القرن التاسع عشر وظهور ثقافة راديكالية عالمية
2. النهضة، الصحافة، وبناء ونشر رؤية عالمية راديكالية
3. المسرح والسياسة الراديكالية في بيروت والقاهرة والإسكندرية 1860-1914
4. بناء شبكتين جذريتين في بيروت والإسكندرية
5. العمال والاضطرابات العمالية وصياغة ونشر الأفكار اليسارية الراديكالية
الخلاصة: نزع الطابع الإقليمي عن شرق البحر الأبيض المتوسط
في هذا الكتاب، تثبت إلهام خوري مقدسي وجود مسار راديكالي خاص يمتد عبر أربع قارات، ويربط بين بيروت والقاهرة والإسكندرية، بين عامي 1860 و1914. وتبين أن الأفكار الاشتراكية والفوضوية تمت مناقشتها ونشرها وإعادة صياغتها بانتظام بين المثقفين والعمال والمسرحيين المصريين والسوريين والعثمانيين والإيطاليين واليونانيين.. وغيرهم الكثير في هذه المدن. من خلال وضع الشرق الأوسط في سياق تاريخ العالم، تتحدى المؤلفة الروايات القومية والنخبوية عن تاريخ البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، بالإضافة إلى الأفكار الأوروبية حول الحركات الراديكالية العالمية. يوضح الكتاب أن هذه المسارات الراديكالية لعبت دوراً أساسياً في تشكيل المجتمعات في جميع أنحاء العالم، ويقدم إعادة تفكير قوية في التاريخ الفكري والاجتماعي العثماني.
وقد علق على الكتاب في مجلة الدراسات العربية:
(من خلال تجميع مجموعة مذهلة من المصادر المنشورة والأرشيفية باللغات العربية والعثمانية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية، تصور مقدسي عالماً فيه مستوى غير مسبوق من التكامل والتداول... قدمت الأساس لأنماط جديدة من الفكر والممارسة).
وأما فريزر أوتانيلي:
(تصور مقدسي التطرف بشكل فعال كحركة عالمية كانت أفكارها وممارساتها نتاج تفاعلات معقدة عبر وطنية مناطق جغرافية متعددة. يتحدى هذا الكتاب بشكل فعال النماذج القديمة والقديمة ويقدم مساهمة أساسية في الأدب حول أصول الراديكالية اليسارية).
وأما تعليق إدموند بيرك الثالث، المحرر المشارك لكتاب البيئة وتاريخ العالم:
(شرق البحر الأبيض المتوسط وصناعة التطرف العالمي هو الترياق المثالي للتواريخ الحتمية التي حجبت لفترة طويلة كيف وصل الشرق الأوسط إلى الحداثة. ويجادل الكتاب بحق بأن الأمر كان أكثر تعقيداً وأكثر انفتاحاً على التأثيرات الخارجية مما كان المؤرخون القوميون (الذين يرون الدولة فقط) أو أنصار الاستشراق الجديد (الذين لا يرون سوى الإسلام) على استعداد للاعتراف به. لقد كانت هناك حاجة ماسة إلى هذا الكتاب لبعض الوقت).
تدرس إلهام خوري مقدسي حلقات في تاريخ الشرق الأوسط وتاريخ العالم والتاريخ الحضري. وهي مهتمة بشكل خاص بالمدن العثمانية في شرق البحر الأبيض المتوسط في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وحركات الناس والأفكار.



الكتــــــاب: السفينة قبل نوح.. فكُّ شفرة الطوفان في ضوء الاكتشافات الآثارية الجديدة
المؤلف: إيرفينغ فينكل
المترجم: نديم الكوَّاز
الناشـــــــر: شركة الوراق، لندن، 2024

يقدم فينكل تقديماً خاصاً للطبعة العربية من كتابه: لا شيءَ من بين جميع الإنجازات العظيمة التي عادت بالنفع على البشرية يتفوَّق على اختراع الكتابة، هذه الوسيلة الرائعة التي نعدُّها جميعاً أمراً مفروغاً منه، وقد ظهرت بقدر ما يعلِّمنا علم الآثار في قلب بلاد ما بين النهرين القديمة، بين نهري دجلة والفرات، أرض العراق اليوم لأوَّل مرَّة، فكانت، كما تبلوَرت خلال الألفية الرابعة قبل الميلاد، نظاماً رائعاً من العلامات الموحَّدة التي تحفظ صوت الكلمات واللغة و(تعيد قراءتها) وفهمها، كان ذلك يعني، فجأة، أنه يمكن تسجيل الأفكار والخبرات، ونقل المعرفة والحفاظ على التاريخ، فلقد انتهى عصر ما قبل التاريخ.
بدأت الكتابة في بلاد ما بين النهرين بعلامات تصويرية بدائية، وتطوّرت إلى رموز مسمارية كاملة على شكل إسفين، مطبوعة على ألواح، مصنوعة من الطين من ضفاف نهري دجلة والفرات، ولم يمرّ وقتٌ طويل، حتى تمكَّن هذا النظامُ المرنُ القابل للتكيُّف من توصيل المفردات والقواعد، وتركيب الجمل للغتين المتميزتين المستخدمتين معاً في بلاد ما بين النهرين: اللغة السومرية القديمة، وهي أقدم لغة معروفة، لا علاقة لها بأية لغة، والأكدية القديمة، وهي لغة سامية مرتبطة بالعبرية والعربية الحديثة.
أصبحت اللغة الأكدية لغةً مُنتشرةً بمرور الوقت، واستُخدمت في بلاطات ملوك الألفية الثانية قبل الميلاد، واعتُمدت كتابتها المسمارية في لغات الشرق الأوسط القديمة الأخرى: العيلامية والحثية والحورية والأورارتية. كانت الكتابة المسمارية على الألواح شائعةً، في العراق، الوطن الأم لأكثر من ثلاثة آلاف عام، فتحتوي المتاحف ومجموعات الألواح الأخرى على قوائم كلمات وقواميس سومرية وأكدية، في السرد والشعر، والسحر والطب، والرياضيات، وعلم التنجيم، وعلم الفلك، والكتابات التجارية والإدارية، وشؤون الحياة اليومية الأخرى. والألواح المسمارية غنية بالمعلومات، ومثيرة للاهتمام، وتستحقُّ التقدير، وفي بعض الأحيان تقدِّم وثيقة واحدة معلومات جديدة، يمكن أن تغيِّر نتيجة بحوث متراكمة لسنوات، مثل اللوح الذي هو موضوع هذا الكتاب.
فتح تفكيك رموز الكتابة المسمارية المنقرضة، من قبل علماء القرن التاسع عشر، مثل إدوارد هينكس؛ الباب على عالم قديم، لا يُعرف عنه إلا القليل، وبيَّن أُصول نصوص العهد القديم، ونصوص العصر الكلاسيكي القديم المكتوبة باللغتين اليونانية واللاتينية، وأدَّى تدريجياً إلى ظهور علم الآشوريات، وهو دراسة نقوش بلاد ما بين النهرين القديمة، وانتشاره في جميع أنحاء العالم. وتوفر الوسائل الرقمية للطلبة والباحثين اليوم، الأجهزة التي تدهش الكتبة القدماء من المُجتهدين والمُثقَّفين في بلاد ما بين النهرين، ناهيك عن العلماء المعاصرين الرواد الذين ألمُّوا بالكتابة واللغات لأوَّل مرَّة. وفي عالمنا الحديث، توجد أقسام لعلم الآشوريات في جامعات كثيرة، حيث يتعلَّم الطلاب اللغة السومرية والأكدية بسهولةِ تعلُّم اللغة الإنجليزية أو الإيطالية، وسيكون لدى أولئك الذين يقررون تكريس حياتهم للبحث في الكتابة المسمارية، العملُ الأكثرُ إثارةً، والأوفرُ مُكافأة.
يمكن للألواح الطينية أن تبقى في الأرض لفترات زمنية، ونحن على يقين من أن معظم التلال القديمة التي تغرينا عبر المناظر الطبيعية في العراق، سواء كانت محفورة أو لا، لا تزال تحتفظ بسجلات مدفونة، وأسرار مكتوبة بكثرة في انتظار اكتشافها، وهذا يعني أن هناك حاجةً دائمة للباحثين العراقيين، وعلماء الكتابة المسمارية، لاحتضان هذا التراث الجليل، لكي يزداد فهمنا له، من خلال كلام سكان بلاد ما بين النهرين أنفسهم، بشكل أعمق وأعمق.

ذو صلة