مجلة شهرية - العدد (572)  | مايو 2024 م- ذو القعدة 1445 هـ

الاعتراف بالفضل شيمة لدى كل كائن حي

الوفاء شيمة رفيعة يعتقد أنه مقتصر على الإنسان، والواقع غير ذلك.. إذ يحكى أن رجلاً كان سائراً بطريق مكة صحبة الحج، فرأى في بعض الفلوات في يوم شديد الحر (حية عظيمة) تتمرغ على الرمضاء من شدة العطش، فنزل عن راحلته وسقاها إلى أن رويت، وسار وتركها، فاتفق أن كان قد تعب فغلب عليه النوم حتى رحلت القافلة عنه وصحا فلم يجدها، حتى راحلته رحلت معهم، فبكى ونظر متحيراً فيما يعمل وإذا هو ينظر ناقة سائبة، فقصدها، فدنت منه وناخت حتى امتطاها، وأوصلته القافلة أسرع مما كان يتصوره، ثم أنشدت:
أنا الشجاع الذي قد كنت في ظمأ
وسط الهجير على الرمضاء في الوادي
فجدت بالماء، فضلاً منك مبتدئاً
بغير بخل، فأشفى غُلة الصادي
هذا جزاؤك مني، لا أمُنُّ به
فضلاً بفضل، وكان الفضل للبادي
وقد سمع (كعب الأحبار) أحدهم منشداً، نأخذ شطر بيت منه لأنه محل الاستشهاد:
(من يفعل الخير لا يعدم جوازيه...)، وهذا يعني أن الفضل للمتقدم، فيحكى أن امرأة من بني إسرائيل كانت على ساحل البحر تغسل ثيابها، وولدها يدب بين يديها، إذ جاءها سائل فأعطته لقمة من رغيف كان معها، فجاء ذئب والتقم الولد، فجعلت تعدو خلفه وتقول: يا ذئب، يا ذئب (ابني) فبعث الله ملكاً انتزع الولد من فم الذئب ورمى به إليها، وقال لقمة بلقمة..
قال الشاعر عدي بن الرقاع:
ومما شجاني أنني كنتُ نائماً
أعللُ من فرطِ الكرى بالتنسمِ
إلَى أَنْ بَكَتُ وَرْقَاءُ في غُصْنِ أَيْكةٍ
تُرَدِّدُ مَبْكَاهَا بِحُسْنِ التَّرَنُّمِ
فَلَوْ قَبْلَ مَبْكَاهَا بَكَيْتُ صَبَابَةً
بليلي شفيت النَّفْسَ قَبْلَ التَّنَدُّمِ
ولكِنْ بَكَتْ قَبْلِي فَهَيج لِيَ البُكَا
بكاها فقلتُ الفضلُ للمتقدمِ
غير أننا في عصرنا هذا نجد بعض المواقف التي تخلو من (الوفاء) ورد الجميل لأهل الجميل، ومع ذلك فإن لسان حالنا كمن يقول (مصطفى قاسم عباس):
سنظل من أهل الوفاء وإن همو
خانوا فما اعتدنا على الخذلان
ونظل نذكر للورى معروفهم
فالخير يستعصي على النسيان
وقال الشاعر حمد السّعيد:
شِلت من حمل السنين ولا عسرني
في حياتي غير نكران الجمايل
ما تغير مذهبي لكن كسرني
ضيعة المعروف وعيال الحمايل
أقوال عن نكران الجميل:
- خدمت الشجر فأثمر، وخدمت البشر فأنكر.
- بعض البشر إذا وجد البديل أنكر الجميل.
- ليس عليك رد الجميل، ولكن كن أرقى من أن تنكره.
- أحسنت له دهراً وأسأت يوماً، فنسي الدهر، وتذكر اليوم.

ذو صلة