مجلة شهرية - العدد (584)  | مايو 2025 م- ذو القعدة 1446 هـ

فاتن حمامة وأدب نجيب محفوظ

في لقاء صحفي مع فاتن حمامة عام 1989م سئلت: ماذا لو عرض عليك أن تقومي بتمثيل شخصية من شخصيات الأديب نجيب محفوظ في إحدى رواياته الأدبية؟
فأجابت:
لا أجد في كل إنتاج أديبنا الكبير شيئاً يصلح لي. أنا أحب جداً أن أقوم بأداء شخصيات من إنتاج أدبائنا مثل (الحرام) و(لا وقت للحب) ليوسف إدريس. وأتمنى في المستقبل أن أجد لي دوراً من إنتاج أديبنا الكبير نجيب محفوظ. فهو الأديب الذي عمل كل تفاصيل وتجسيد لمشاكل الأسرة المصرية في عمل فني رائع.

حقيقة رأي فاتن حمامة هنا ذكي ودقيق جداً وصحيح. فمجتمع روايات نجيب محفوظ ذكوري بامتياز. وحضور المرأة في أعماله هو حضور هامشي نوعاً ما. ومكمل لمشهد حكاية الرجل وقصته، فهي تدور في فلك الرجل ومساره.
ومن المعروف أن فاتن حمامة ومنذ عقد السبعينات، أي منذ أن قدمت فيلم (الخيط الرفيع) عن قصة لإحسان عبدالقدوس وإخراج هنري بركات في عام 1971م، وحتى آخر فيلم وهو فيلم (أرض الأحلام) عن قصة هاني فوزي وإخراج داوود عبدالسيد في عام 1993م كانت قد توجهت نحو رؤية ملتزمة بسينما المرأة وقضاياها بانتقائية صارمة، في وقت كانت فيه في قمة مجدها وكان الإنتاج السينمائي وأجور الممثلين في انتعاش مطرد. ومن أراد أن يتعرف على إمكانيات أداء الممثل المتمكن فعليه مشاهدة أعمال فاتن حمامة في هذه المرحلة، ويأتي في مقدمتها فيلم ( ليلة القبض على فاطمة) عن قصة لسكينة فؤاد وإخراج هنري بركات في عام 1984م.
ولنعد للروائي الكبير نجيب محفوظ. من المعروف أن نجيب محفوظ هو أفضل من تناول -روائياً- شخوص الموظفين الذكور. والسبب قد ذكره نجيب محفوظ نفسه، حيث يقول في كتاب (نجيب محفوظ: صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته) -تحرير رجاء النقاش-: (أعطتني حياتي في الوظيفة مادة إنسانية عظيمة وأمدتني بنماذج بشرية لها أكثر من أثر في كتاباتي، فلقد أخذت الوظيفة نصف يوم، ولمدة 37 سنة أمدتني الوظيفة بنماذج بشرية كانت غائبة عن حياتي).
حينما نقرأ ما كتب أو حرر عن نجيب محفوظ سنواجه حالة من الفقر في النماذج النسائية وقضايا المرأة، فالمرأة غالباً هي موجودة كعامل مساعد أو مكمل للمشهد أو للصورة. كما أن مفهوم الرواية عند محفوظ غالباً هو نقل ما هو حادث مع تزويق المشهد بحرفية. هذا هو مفهوم نجيب محفوظ للرواية، فهي واقعية بحتة بمكياج روائي سردي متمكن.
أما مفهوم الدراما عند الفنانة فاتن حمامة بعد عام 1971م تقريباً، فهو يتمثل بتوجه واعٍ نحو قضايا المرأة ومشاكلها. وهذا التوجه واضح جداً في أفلامها السينمائية خصوصاً، ويخرج من هذا التعميم العملان الدراميان اللذان قدمتهما كمسلسلين تلفزيونيين، وأعني هنا مسلسل (ضمير أبله حكمت) - عرض سنة 1991م - ومسلسل (وجه القمر) - عرض سنة 2000م - وسأقول عن العمل الأول إنه يمثل توجه فاتن حمامة كممثلة تتبنى الدراما الملتزمة في هذه الفترة، خصوصاً وأن أسامة أنور عكاشة ككاتب للعمل استطاع أن يقدم عملاً يليق بقامة ممثلة كفاتن حمامة. فأسامة أنور عكاشة كان يعي إمكانيات فاتن حمامة في الأداء والتجسيد. فهذا العمل وهذه الشخصية لا يمكن أن يجسدهما إلا فاتن حمامة. بعكس مسلسل وجه القمر الذي لم تقدم فيه ماجدة خير الله، فاتن حمامة كما ينبغي. وسوف يشعر كل من يشاهد مسلسل وجه القمر أن العمل أقل بكثير من إمكانيات فاتن حمامة الكبيرة.

ذو صلة