مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

القصيدة الأولى.. والأخيرة

في عام 2005م كان تواصلي الأول معه.. هو كصحفي وأنا روائي وقاص، حيث أجرى معي حواراً نشر في مجلة (الأسبوعية) التي توقفت بعد أعداد محدودة، استمرت العلاقة قائمة بيننا، عن بعد، تواصل في الأعياد والمناسبات عبر الإيميل ووسائل التواصل الحديثة، وقبل قرابة الشهر زارني في المجلة، حينها كنت الصحفي بصفتي مديراً للتحرير بالمجلة وهو المبدع، كانت الزيارة برفقة صديق له، حيث ألقى قصيدة وأعطاني أخرى لتنشر في المجلة العربية، هذه القصيدة نشرت في العدد الماضي رقم 570 لشهر مارس، وصلته نسخة إلكترونية عبر (الواتساب) واطلع على القصيدة التي احتلت صفحتين من المجلة، وأبدى لي سعادته وشكره لنشر القصيدة، واتصل علي ليزور المجلة للحصول على نسخة ورقية، ولكنه لم يحضر، وكدأب الشؤون الإدارية والمالية تمت محاولة التواصل معه لأخذ بياناته المالية، لتحويل مكافأته، كان الخبر الصادم والمحزن، لقد انتقل إلى الرفيق الأعلى.
ذلك الرجل هو طارق شوقي المساوي، الإعلامي والكاتب والشاعر المصري الذي نشرنا له قصيدة (الليل.. ومخاض القصيدة)، سيرته الثقافية وتحديداً الإعلامية حافلة بالمنجزات والتميز، رحمه الله وأدخله فسيح جناته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
يا إلهي.. سنوات طويلة لم نلتق ولم نتواصل إلا في أيامه الأخيرة التي لا يعلمها إلا الله، تذكرت الحوار واللقاء الأول عندما كنت على رأس العمل في مكتبة الملك فهد الوطنية، حينما زارني مع مصور ليجري الحوار، وها أنا أتذكر زيارته الأخيرة، بعد قرابة العشرين سنة، ابتعد كل واحد منا عن الآخر بحكم العمل وظروف المعيشة، ولم يكن اللقاء إلا ليقدم لي بعد هذا الزمن الطويل قصيدته الأولى التي يشارك فيها بالمجلة، وللأسف الأخيرة.
هذه سنة الحياة، لا دائم إلا الله، والمجلة العربية دأبت على نشر ما يصلها من مشاركات من أرجاء الوطن العربي وأيضاً العالم، نسعد بما يتميز منها لننشره بصورة بهية، إضافة إلى مكافأة رمزية، تقديراً لعطاء الكاتب، ومع ذلك التواصل الذي نفخر به من كتاب وكاتبات الوطن العربي، نتفاجأ كما حدث مع الشاعر طارق المساوي رحمه الله، بوفاة صاحب المشاركة بعد نشر مادته، حدث ذلك على ما أذكر مع الدكتور رسول محمد رسول، وغيرهم، ممن أبلغنا ورثتهم بموتهم أو سمعنا خبراً عن ذلك.
كما قلت (الموت حق) وخلال الأشهر الماضية فقدنا كثيراً من الأصدقاء والكتاب، منهم من كانت له مشاركة بالمجلة، أو (بورتريه)، أو عنه، والقائمة طويلة لتلك الأسماء، وغالباً كأشخاص لا نفطن لذلك إلا عندما نبدأ ببعث رسالة جماعية لتهنئة الأقارب والأصدقاء الذين نحتفظ بأرقامهم في هواتفنا المحمولة، ونكتشف أننا لم نحذف رقمهم الخاص الذي بكل تأكيد انتهت علاقتهم به، وبكل ألم نحذف تلك الأرقام، ونضيف أرقاماً جديدة لآخرين، والحياة هكذا، مقبل ومغادر.
ونحن في شهر رمضان المبارك أتذكر تعليقاً سمعته عندما كنت صغيراً وأنا في مدينة الطائف ليلة ختم القرآن الكريم في المسجد الحرام بثته الإذاعة السعودية، فبعد انتهاء صلاة التراويح ودعاء ختم القرآن للشيخ عبدالله الخليفي رحمه الله، علق المذيع أحمد حريري رحمه الله قائلاً: (وماذا بعد يا رمضان هل صمنا صيام المودِّعين أم صيام المودَّعين). رحل الشيخ الخليفي ورحل بعده المذيع الحريري، وبقي رمضان يستقبل كل عام ويودع، اللهم ارحم أموات المسلمين، وأعد علينا رمضان أعواماً عديدة لا فاقدين ولا مفقودين.

ذو صلة