مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

الافتتاحية

لطالما ارتسمت صورة المدن في خيال الناس برمزيات وجدانية مميزة، أشبه ما تكون بفكرة (النكهة)، كأن لكل مدينة نكهة خاصة، غير أن هذا الملف من مجلتكم (المجلة العربية) يحاول تناول بُعد أعم وأشمل يُعبَّر عنه بمفهوم الهوية، وهو مفهوم كبير يمتزج فيه الطابع العمراني بالتاريخ السياسي والحضور الثقافي والديني وحتى الطقس والتضاريس، بما يبلور في مجمله هوية هذه المدينة ويميزها عن تلك، إلا إن الاتجاه العام حيال الحديث عن هوية المدن يميل إلى تعظيم البعد المعماري والتصميم الكلي للمدينة بما يعزز هويتها ويؤكد طابعها.
باريس ولندن وروما والقاهرة ودمشق والرياض وبغداد وصنعاء وبيروت وجدة ومكة المكرمة.. وغيرها الكثير؛ مدن تعتمر بهوياتها الخاصة في الوجدان والذاكرة، مما وثقته قصائد الشعراء وحكايات الرواة، ومع هذا تقف هذه المدن وغيرها أمام مسارات متباينة، بعضها يؤيد الحفاظ على المدينة بصورتها الموروثة دون تدخل يؤدي إلى طمس هويتها، والبعض يطالب بالتطوير والتحديث بما يستوعب مستجدات اجتماعية واقتصادية وسكانية تحتم إعمال مشرط التغيير، والبعض الآخر يذهب نحو الجمع بين المسارين السابقين بضرورة حفظ هوية المدينة وصونها وعدم طمسها مع إجراء التغييرات التي تستوعب المستجدات.
اليوم بتنا نصادف مصطلح (المدن الذكية) أينما اتجهنا، فما هي هوية هذه المدن؟ وهل يمكننا الحديث عن هوية المدينة دون استحضار إن كانت ذكية أم لا؟ لاسيما أننا نعيش اليوم مرحلة رقمية جديدة تُعنى بالمكان الرقمي بما يقابل المكان المادي. خذ مثالاً مدينة العلا في السعودية بما تحويه من مقدرات تاريخية وتراثية وثقافية وسياحية، إن لم يكن لها وجود رقمي افتراضي يعبر عنها، فلن يتمكن زوارها من اكتشافها وترتيب رحلة الاستجمام فيها وتحديد مواقع زيارتها وتوقيتها وما إلى ذلك، إذ تُجرى كل هذه العمليات مسبقاً عبر المكان الرقمي للمدينة، وهذا هو البُعد الجديد في مفهوم هوية المدينة. فأهلاً بكم إلى قراءات ثقافية عربية حاولت مساءلة هذا المفهوم والغوص فيه واستبصار مآلاته.

ذو صلة