مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

الفنان السعودي أحمد فلمبان التشكيلي والموسيقي والكاتب الناقد

لعل أهم ما يميز الفنان التشكيلي والموسيقي والكاتب أحمد فلمبان عن أقرانه، أنه يعيش حالة من التوحد بينه وبين اللون في لحظة من اللحظات تختلف تماماً عنها حينما تجمعه الأوتار للحن من الألحان، وإذا أمسك بالقلم فهو سيال بالمعلومة والسرد والوصف، ويظهر ذلك جلياً من خلال سيرته الذاتية التي اعتمد كتابتها بنفسه مستعرضاً للقراء خطواته منذ لحظة اليتم الأولى إلى فرادة أعماله المسجلة في دائرة الفنون والآثار في مقاطعة (لاتسيو) بإيطاليا.
(الفنان الذي يتأمل فراغ سطح القماش بإحساس غامض محاط بخاطرة مفزعة بأن هذا البياض المخيف يذكره بالشيب والثلج والأكفان، ورموز من أشباح وشخوص متنافرة.. هذا الفنان يعكس في تأمله الكوابيس التي تطارده، وليس بينها أحلام وردية. هذا الفنان داخله خيالات من معاناة المستضعفين المنبوذين ضحايا التنكيل والقتل المعنوي).
تلك الكلمات وبتصرف هي فحوى ما كتب فلمبان بصفحتي 98 و99 من كتابه ذاكرة على السطح.
الكاتب والرسام والموسيقي والناقد و.. أحمد فلمبان المولود في 12 يوليو 1951م، لم يكن فقط ذلك الفنان المتعدد المواهب والمثقف الذي تقدم في دراسته للفنون من أرقى المعاهد والكليات، والذي كان من الصعب أن ينحاز لواحدة من تلك المواهب دون الأخرى كما يفعل البعض، ويكفي نفسه عناء البحث والدراسة والتدريب أو تغليب وتعظيم جانب من جوانب تلك الفنون، لأنها كلها مواهب تحمل من جمالها ورونقها وشدة الشغف بها وقيمتها في حقيقة تفكيره فنوناً تتكامل نحو رسالة الجمال ولا تتقاطع وإنما تتبلور مع متعة الشعور بامتلاك موهبة قادرة على أن تكون جسر النماء داخل المجتمع، وعنصراً مساعداً لتطوير الذائقة كما القدرة على التغيير من نمطية قد تسلبك الحق في التأمل والحلم والابتكار.
لذلك ومن غير المستغرب أنه في سن مبكرة جداً، وفي العاشرة من العمر كاد أن يتم تسجيله كطالب في معهد موسيقى الجيش لولا معارضة جده لوالده لصغر سنه، حيث قرر تأجيل الحديث في ذلك إلى بعد الدراسة الثانوية، وفي المرحلة الابتدائية، أحضر معلم التربية الفنية آلة العود كنموذج للرسم، وبعد انتهاء الدرس أخذ يداعب الأوتار التي كان لها تأثير السحر على الفتى فلمبان الذي ما أن عاد من دراسته بإيطاليا والعمل في التدريس قام بتكوين جماعة للموسيقى تشارك في الحفلات الختامية للدراسة، كما تعلم دروس الصولفيج على يد الأستاذ حبيب رزق موجه التربية الموسيقية بإدارة تعليم جدة، ثم ممارسة العزف على الآلات الوترية الكمان والتشيلو والقانون والعود، وقراءة النوتة الموسيقية، كذلك المشاركة مع فرقة الإذاعة والتلفزيون.
أحمد فلمبان الناقد والراصد للحركة التشكيلية السعودية قدم كتابه الأول بعنوان (التشكيليون السعوديون) وهو دليل تعريفي عن الفنانين التشكيليين ونماذج من أعمالهم الفنية، من إصدارات الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، تتصدره كلمة رئيس الجمعية الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين، وكلمة المؤلف ونبذة تاريخية مختصرة عن الفن التشكيلي السعودي والجماعات الفنية التي تكونت في مختلف مناطق المملكة، سعياً لتشكيل ورش عمل وإقامة معارض ومشاركات بين تلك الجماعات، وامتداد ذلك لمجموعة من الروابط والجماعات الفنية والتشكيلية خارج المملكة، كما سلط الضوء في كتابه على أهم المعارض التي أقيمت، وكذلك صالات العرض.
احتوى الكتاب ذو الأربعمئة وأربع وأربعين صفحة على نماذج لأعمال بعض الفنانين وسيرة مختصرة عنهم.
ومن مؤلفات الكاتب الفنان أحمد فلمبان أيضاً كتاب (ذاكرة على السطح) إصدار شركة أزهر لتقنية المعلومات، وقد تضمن الكتاب سبعة أبواب تحتوي على سجل حافل بالمعطيات والمنعطفات التي مر بها أبو ماجد بداية من الجذور الأولى من الميلاد والدراسة والسفر، إلى الملف الوظيفي من التدريس للعمل الإداري مصطحباً معه ذكريات وأسماء وزملاء، ثم الباب الثالث على مشارف الفن وهو بوح آخر عن موهبة الخط والرسم والموسيقى وكيفية تطوير الذات التي أخذته للصحف والكتابة الصحفية والنقدية. وعندما تبلورت إمكانياته في عالم التشكيل نتيجة لدراسته في أكاديمية الفنون الجميلة بروما تحققت له أبعاد نظرية وقيم إدراكية وفهم ووعي بأهمية رسالة الفن، وهذا هو عنوان الباب الرابع الذي استعرض فيه من خلال اللوحات التشكيلية الملونة رحلته الفنية خلال نصف قرن بداية مع عام 1960م، أما الباب الخامس المعنون بثمة خطوات حيث يقر الفنان ان موضوعاته وأفكاره التشكيلية قبل سفره لإيطاليا لم تخرج عن حدود البيئة ومما هو سائد مع عدم توافر خامات جيدة وخبرات وإنما بما هو متاح خصوصاً المشاركات الجماعية حيث بيعت ثلاث لوحات بأحد المعارض الخيرية، وكان ما زال طالباً بالأكاديمية.
الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ساهمت بشكل مباشر في توفير الدعم وإظهار أسماء الرسامين وإتاحة الفرصة لهم للمشاركات الخارجية، ورغم أن أحمد فلمبان يهتم كثيراً بذكر أصدقائه الإيطاليين والاهتمام الذي أبدوه بأعماله إلا أن النقاد السعوديين أيضاً كان لهم دور كبير في الحديث عنه خصوصاً الفنان عبدالرحمن السليمان والدكتور محمد الرصيص.
واختتم هذا الباب بصور المعارض واللقاءات والشهادات التي حصل عليها.
والباب السادس عن رحلة الغربة التي بدأت من أكتوبر عام 1967م مع عائق اللغة ودهشة المكان والانبهار بالفن والتنسيق والجمال إلى الدراسة والاحتكاك والتعرف على تفاصيل كان يحلم بها وحقق الكثير منها، وفي نهاية الكتاب بالباب السابع وتحت عنوان (سطور ملونة) اهتم بجمع بعض الآراء التي كتبت سابقاً لبعض الأسماء عنه وعن الفن، ثم اختتم الكتاب ببعض الملامح عن الفن باسم الملاحق.
الكتاب الثالث (ماذا؟.. ولماذا؟) أسرار اللون وحدس الضوء، الاستشكال في هذا الكتاب بدأ من العنوان، سؤال يتبع سؤالاً، ثم يتبعه عنوان فرعي يشبه التوضيح أو إجابة سريعة مختصرة أن الكتاب يتحدث عن أسرار اللون وشفافية الضوء والإحساس به.
ولكن المحتويات تشعبت لموضوعات اجتماعية ومشاكل شخصية
ثم كتابه تحت عنوان (فن في نصف قرن)، و(حكاية أجيال)، وكتاب (إضاءة للذكرى بمشاركة د. فؤاد مغربل، و(إبداع لا ينضب) بمشاركة الفنان هشام بنجابي، لا شك أن الكتابة عن حقبة من الزمن، يتخللها الكثير من الأحداث والوقائع، وسيبقى الجدل والتقييم لوقت طويل، وستظل الكلمة الأخيرة بحق هي لحكم التاريخ.
ولقد اجتهد الفنان فلمبان لشغفه بالقراءة والكتابة، وتأثير الوالد الفنان الأستاذ نور الدين -يرحمه الله- هو المحرض الأول لحب فن الخط العربي، والاهتمام به وإتقانه بداية من المرحلة الابتدائية وكذلك ما تعلمه من أساتذة أفاضل في شتى مراحل حياته الدراسية، ومن هذا العشق عكف على إعداد كتاب جديد بعنوان (الفن التشكيلي السعودي في ذكرى التسعين) استكمالاً لكتابه السابق (فن في نصف قرن) ورصد لأهم الأحداث والمنجزات في الفنون البصرية خلال النصف الثاني من القرن في المملكة، والتذكير بالأسطر المنسية للممارسة التشكيلية الأولى قبل تسعين عاماً، ورؤيته لأهم التحولات في مفهوم المعارض التشكيلية للفن التشكيلي السعودي المعاصر، وإضاءة لتراجم 941 فناناً من فرسان التشكيل السعودي، وقائمة بـ 15784 اسماً منهم بمجهوده الشخصي لتوثيق مسيرتهم وحفظها في الذاكرة، وإنه يفتخر بالمساهمة الجيدة في إثراء المكتبة الفنية من كتبه الخمسة السابقة التي أتاحت للباحث والمهتم والمتذوق للفنون البصرية التعريف بأكثر من 1842 فناناً بشكل شامل وموثق، لأن عدداً كبيراً من تلك الأسماء لا يعرفهم القراء والمتابعون ويظلوا مجهولين ويطويهم النسيان، منوهاً بالدور المهم والفاعل من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب وكذلك الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في مساندة ودعم هذا الفن الجميل وتبني المواهب الشابة وإتاحة الفرصة أمامها لإبراز تفوقها ونبوغها، مقدماً خلال مؤلفاته نبذة تاريخية عن البدايات الحقيقية للفن التشكيلي السعودي ورواده، مستعرضاً بعض عناوين المعارض في بدايات النشاط، كما اهتم بتسليط الضوء على أهم صالات العرض الموجودة وتلك التي انتهت وتاريخ تأسيس كل صالة وأهم النشاطات التي تعتني بتوفيرها للفنان في كل من جدة ومكة المكرمة والرياض والخبر والطائف، معرجاً على أهم المدارس والأساليب التي ميزت التجربة التشكيلية السعودية وأهم ما يميز الفنان الذي تأثر بالمكان والجو المحيط به حسب المناطق والموروث من العادات والتقاليد والثقافات وأيضاً البعثات التعليمية للخارج، كما تطرق للفنانين ممن استطاعوا تحقيق مكانة عالمية بين زملائهم من الفنانين التشكيليين العالميين، وتزويد المكتبة الفنية بمصادر مفيدة للمهتمين بالتشكيل السعودي.
هذا هو الفنان أحمد فلمبان الذي يصف نفسه تشكيلياً بأنه يرسم بعفوية وتلقائية دون ترتيب أو إعداد مسبق، أو طقوس وفلسفات تنظيرية: (أرسم عندما يأتيني شغف العمل والإلحاح على التخلص من قيد الفكرة التي أعيش في عالمها).

ذو صلة