مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

التقنيات الناشئة في خدمة اللغة العربية

وجود منظمات علمية تعنى باللغة العربية مطلب ملح، والحاجة لذلك ماسة للتعريف باللغة العربية والإبقاء عليها وتوسيع دائرة الناطقين بها. ويأتي إنشاء مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية في توقيت مهم، وفي مواكبة جادة لكل ما تحمله مرحلة التحول الرقمي من إمكانات وقدرات، ليعيد مواءمتها بما يخدم اللغة العربية باستعمالاتها ودلالاتها والعلوم المتصلة بها، لتكون لغة تتجسد في الواقع عبر مسارات عمل متنوعة، وحتى تصبح التقنيات الناشئة في خدمة اللغة العربية لغة القرآن الكريم ولغة العلوم والحضارات، والمؤمل أن تعمل تلك التقنيات على دعمها ونشرها وتعزيز مكانتها، ولا شك أن هذا يؤدي إلى المحافظة على سلامتها لدى مستخدميها في ألفاظهم وكتاباتهم، وكافة استخدامات اللغة. وقد ساهمت التقنيات الناشئة في تمكين المستخدمين من السيطرة على العلوم التي خدمتها من خلال تحويل العلوم والمؤلفات التي تناولتها واعتنت بها إلى صيغ رقمية، بإعادة فرز كلماتها وتحليل مضامينها وتوزيع استخداماتها جغرافياً وموضوعياً وزمانياً عبر تحليل البيانات الضخمة للغة العربية، وذلك كله ثمرة من ثمار خدمة التقنيات الناشئة للبشرية، وفي خدمة اللغة العربية القيمة تظهر بشكل أكبر. وها هو المجمع عبر قطاعاته المميزة يستوعب في أعماله وتعاملاته أشكالاً مميزة من تطبيقات التقنيات الناشئة مثل تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي الذي تعتمد عليه تطبيقات التقنيات الناشئة.
وتأتي اللغات ومن بينها اللغة العربية في قائمة اهتمامات المطورين التقنيين باعتبارها (أي اللغات) وسيلة التواصل وأداة التعبير، وطريقة التعليم، ولذا فإن توظيف هذه التقنيات وتسخيرها لخدمة اللغة أمر غاية في الأهمية، وهو مؤشر على إدراك المعنيين بخدمة اللغة العربية أهمية التحول الرقمي، والعمل على استثمار قدرات التقنيات الناشئة لخدمة اللغة العربية تعليماً وتعلماً، وتطويراً وتبسيطاً، ونشراً وإتاحة، خصوصاً أن التقنيات الناشئة تؤدي إلى تسهيل إنجاز الأعمال بسرعة فائقة ودقة متناهية. إن الفرصة في سباق الرقمنة تتضاعف قيمتها وأهميتها مع إقبال الجميع على تعلم واكتساب مهارات العمل في البيئة الرقمية، باعتبار استيراد المعلومات وإنتاجها وتنظيمها وإدارتها وحفظها وإتاحتها يعتمد على التقنية. والتقنيات الناشئة هي المرحلة الأكثر تطوراً، وبصورة أكثر وضوحاً في وقتنا الحاضر، نتيجة ضخامة التعامل المعلوماتي على شبكة الإنترنت، حتى صارت البيانات ضخمة، والتعامل معها يتطلب قدرات تقنية فائقة السرعة والدقة بما يتسق وضخامة المحتوى وحجمه الذي يكبر بشكل مستمر متسارع.
إن ما نشاهده من سباق حثيث نحو التحوُّل الرقمي في كافة أساليب ومتطلبات الحياة؛ يعتمد بشكل كامل على ممكنات ذلك التحول الرقمي من تطبيقات تعتمد على إنترنت الأشياء وتحليل البيانات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي وتقنية بلوكتشين التي بدأت في التموضع في البيئة الرقمية لتقوم بدور كبير في مستقبل البشرية ورفاه الإنسان لتلبية احتياجات الحياة المعاصرة، وتقديم أفضل الخدمات وتطويرها بما يحقّق أفضل العوائد، وأجود الخدمات.
وفي أثناء ذلك التحول تأتي أعمال وبرامج الأمن السيبراني المُدعمة بالذكاء الاصطناعي لتقدم شكلاً آخر من أشكال توظيف التقنيات الناشئة لتوفير حماية البيانات والمعلومات بمنهجية التعامل مع التهديدات استباقياً، ولكشف أي نشاط غير عادي في أماكن حفظ البيانات وتخزينها، بحيث يمكنها صد الهجمات الإلكترونية، وإيقاف تلك التهديدات أو الإنذار بها قبل حدوثها.
ومن هنا تبرز أهمية التقنيات الناشئة التي مكنت من ابتكار حلول عملية لخدمة اللغة العربية عبر إنشاء المستودعات والمدونات الرقمية، وإعادة تحويل المؤلفات التي تناولت موضوع اللغة العربية، وتقديم خدمات لتعليم اللغة العربية للناطقين بها، وكذلك الناطقين بغيرها في أشكال وطرق رقمية شيقة وذكية ومناسبة لمختلف شرائح المستخدمين، وهذا ما يجعل منها قيمة مضافة ذات عوائد مجزية تساهم في اكتشاف الفرص غير المستغلة ونقاط الضعف المحتملة في موضوع خدمة اللغة العربية، وإيجاد حلول لما يكشف عنه من مشكلات محتملة في مجالات العمل بها، مع زيادة فرص المنافسة على مستويات التميز، وتقديم خدمات أفضل، وزيادة القدرة على التخطيط لمستقبلها.
ولا شك في أن للتقنيات الناشئة ومن أهم ذلك الذكاء الاصطناعي قدرات أكبر وأظهر في المرحلة المقبلة؛ إذ إن الذكاء الاصطناعي دخل بالفعل في حياتنا في المجالات التعليمية والصحية والتقنية والاجتماعية، وسوف يشكل مستقبل البشرية في كل المجالات.
ولاتزال الحاجة قائمة في المزيد من استثمار قدرات التقنيات الناشئة في تمكين اللغة العربية، بما يخدم أهلها والناطقين بغيرها مثل: إنترنت الأشياء، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والمحادثات التوليدية chat GPT لخدمة اللغة العربية عبر خدمات معلوماتية متطورة ومواكبة لمستجدات البيئة الرقمية.

ذو صلة