مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

(أول بيت) بينالي الفنون الإسلامية الأول من نوعه عالمياً

احتضنت صالة الحجاج الغربية بمطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة تظاهرة فنية رفيعة وفريدة من نوعها ألا وهي (بينالي الفنون الإسلامية) في نسخته الأولى التي حملت شعار (أول بيت)، والذي كان أكثر من مجرد بينالي، فقد كان بؤرة منيرة بروح الفن الإسلامي وتاريخه الثري.
شارك في البينالي أكثر من 50 فنّاناً من مختلف دول العالم، فضلاً عن مشاركة مؤسسات كبيرة بنظام الإعارة، من أوزبكستان، وتونس، واليونان، وأذربيجان، وغيرها، إلى جانب مؤسسات محلية مرموقة.
أقيم البينالي تحت إشراف مؤسسة بينالي الدرعية التي تترأسها آية البكري بخبرتها التي تزيد على 10سنوات في قطاع الفنون بأوروبا والمملكة العربية السعودية، والتي لعبت دوراً مشهوداً في دعم وتطوير المشهد الفني السعودي عربياً وعالمياً. فجاء البينالي مقدماً رؤي فنية حداثية بطريقة عرض مبتكرة تأخذ المتلقي في رحلة عبر الزمن وتعطيه أيضاً تفاصيل كثيرة عن تاريخ الفن الإسلامي وعراقته.
بينما مديرة البينالي فريدة الحسيني التي أشرفت على تنظيم الدورة الافتتاحية والتي أضفت بخبرتها في مجالات ثقافية متنوعة انطباعات مغايرة للبينالي مما أعطاه فرادة عالمية نستشرف أنها سوف تستمر لدورات قادمة.
ضم (البينالي) أربع صالات عرض وجناحين، و15 عملاً من نفائس ونوادر التُحف الإسلامية التي تعرض للمرّة الأولى، فضلاً عن 280 قطعة فنّية وتاريخية مختارة من قبل المؤسسات المختلفة، وأكثر من 60 لجنة تحكيم.
وبتنسيق لافت، تستقبلك القاعة الأولى بنداءات الأذان بأصوات مؤذنين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، كانت تلك قاعة العرض الأولى (القبلة) التي ضمت مقاطع مرئية وصوتية للمسجد الحرام بمكة، لتنقلنا إلى قاعات أخرى لاستكمال الحالة الروحانية قاعة للوضوء والصلاة ثم الصلاة الجامعة في النهاية يصل الزائر إلى الكعبة (أول بيت) من بيوت الله تضم باباً ذهبياً للكعبة، وهو الباب الذي أمر الملك عبدالعزيز بصنعه عام 1940. وقد كانت من أهم مقتنيات البينالي باب للكعبة من عهد السلطان مراد الرابع، يعود لعام 1630.
مقتنيات رائعة عرضها البينالي ليست نماذج لباب الكعبة ومفتاحها فحسب؛ بل ومقتنيات أثرية من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، ومخطوطات قرآنية ومصاحف نادرة، ومخطوط للمصحف الشريف من الذهب الخالص.
فتح البينالي آفاقاً جديدة أمام الممارسات الفنية المتعلقة بالفن الإسلامي وخلق جسوراً بين الحرفيين والأكاديميين والفنانين من العالم العربي وخارجه، التفوا جميعاً حول (أول بيت) مقدمين نموذجاً معاصراً للفن الإسلامي.
(المجلة العربية) حاورت أحد القيمين على المعرض الدكتورة أمنية عبدالبر، وهي معمارية ومؤرخة وباحثة لها باع في تاريخ الفنون والعمارة في العالم الإسلامي، والتي أشارت إلى أن (بينالي الفنون الإسلامية يتحدث عن روح وصميم التراث العربي لاسيما الخاص بالمملكة العربية السعودية) لافتة إلى أنه (حدث فني مميز جداً ومرتبط بالحرمين وتاريخ العبادة الروحية المهمة للمسلمين، التي نجحت في اجتذاب غير المسلمين أيضاً، فالمُتلقي يتفاعل روحانياً مع المعروضات ويستشعر الطابع الديني للثقافة الإسلامية).
وتضيف عبدالبر (حقق البينالي الرؤية المرغوبة، وقد اجتذب ما يربو على 390 ألف زائر في آخر مارس ما دفعنا لمد فترة البينالي حتى نهاية شهر مايو).
وتوضح عبدالبر (الأمر المختلف في هذا البينالي أنه يغوص في روح المكان، وقد اختيرت جدة كونها بوابة الحرمين ونقطة التقاء الحجيج والمعتمرين، ولها مكانة خاصة في قلوب كل من زار المملكة).
أما عن التكليفات التي أنيط ببعض الفنانين العالميين المشاركة بها في البينالي، فتقول: (لأول مرة بينالي الفن الإسلامي تعامل بانفتاح تام على كافة الرؤى، وتم تكليف فنانين غير مسلمين، ما أثرى التجربة).
وتلفت (أي متحف كبير في العالم به جزء مخصص للفن الإسلامي، وهناك معارض عن المماليك وإيران لكن دائماً ما يكون الحديث عن الفن من وجهة نظر جمالية بحتة، بينما ركز البينالي على العبادات وروحانياتها وقدمنا قطعاً نادرة استعرناها من متاحف حول العالم تعكس تجليات الثقافة الإسلامية وثرائها). وتضيف: (وروحانياً بحثنا عن قطع لا تمثل تاريخ الإسلام فحسب؛ بل حاولنا عرض قطع تلمس الأحاسيس والمشاعر، وبالفعل هو ما نجح البينالي في تحقيقه حيث جذب زواراً من مختلف الجنسيات والديانات).
وتؤكد عبدالبر: (دائماً ما يتم حصر الأعمال الفنية الإسلامية ما بين الخط العربي والفنون الهندسية أو المعمارية، لكن حاولنا أن نخرج في البينالي بشكل مغاير يقدم لمحة عن الروحانيات التي تعكس ليس فقط الثقافة الإسلامية بل الحالة الروحانية التي يعايشها المسلم في روتين حياته اليومي من الوضوء والصلاة إلى الحج وكل ما يتعلق به).
وتشير د.أمنية عبدالبر: (قسمنا البينالي ليبدأ الزائر من الأذان والوضوء والصلاة ثم الوصول للحرم وطقوس الحج، وخصصنا قسمين: واحد لمكة والآخر للمدينة، وعرضنا أعمدة من داخل الكعبة، وعرضت قطع صممت خصيصاً لمكة والمدينة، فضلاً عن ثلاث قطع من مصر نادرة جداً لم يتم عرضها من قبل خارج مصر، ولأنها ستعرض في السعودية ومرتبطة بالحرم تمت الموافقة على سفرها وعرضها، منها: مفتاح الكعبة، وشمعدان السلطان قاتباي الذي صنع خصيصاً للمدينة المنورة، وأول بوصلة من أيام العصر العثماني التي كانت توضح القبلة، إضافة إلى مصاحف من المدينة المنورة نادرة جداً ويعود أحدها للقرن الرابع عشر، ومصحف يرجح أنه من أفغانستان، ويميزها أن الخطوط على درجة عالية من الدقة، وعرضنا محراباً من أصفهان تم بيعه في الثمانينات ولأول مرة يعرض للجمهور، كما عرضنا ستارة لباب التوبة الذي يقع بداخل الكعبة تم جلبها من السويس، وهي من القطع النادرة الوجود، ومن المعروضات المهمة (أسطرلاب) من أكسفورد تم تفكيكه لعرضه بطريقة مبتكرة وجديدة). وتشير عبدالبر: (نجح البينالي في عرض تجربة مختلفة جعلت المتلقي يتأمل في المعروضات ويمنحه طاقة روحانية عالية، وجعلتها تجربة لا تنسى).

ذو صلة