مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

من تراثنا غير المادي أعراف وسلوم القهوة في الشعـر العامي

حظيت القهوة بمكانة عظيمة عند العرب، ووضعوا لها أعرافاً (سلوم) وعادات لا ينبغي تجاوزها، وانتقدوا بشدة من خرج عن هذه السلوم والعادات، إلا أنه مع مرور الزمن، وتغير الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وموت كثير من كبار السن الذين حافظوا على هذه العادات، أصابها التغيّر كما هو حال كثير من الظواهر المجتمعية التي تغيرت هي الأخرى، وباتت (سلوم) وعادات شرب القهوة لا تُعرَف عند غالب جيلنا الحاضر.
ولما كانت هذه السلوم والعادات متوارثة، ينقلها جيل الآباء إلى الأبناء، ولم تكن مكتوبة، فإنها باتت معرضة لخطر الذوبان في العادات الجديدة الوافدة، التي صاحبت المجتمع الحضري، وما اتسم به من صراع بين القديم من العادات والجديد منها، الذي تدعمه وسائل التواصل الاجتماعي، وترسخه في المجتمع بقوة، فأصبحت الحاجة ملحة لتسجيل ما يمكن الوصول إليه ومعرفته منها.
ولا يمكن معرفة هذه (السلوم) غير المكتوبة، إلا من خلال ما يرويه الآباء للأبناء، أو ما يرد على ألسنة القصاص، أو من خلال الشعر العامي، الذي حفظ هذه السلوم بدقة، حيث سجل الشعراء في قصائدهم كثيراً من هذه العادات بتفاصيلها الدقيقة.
وسأتناول في هذه النبذة، بعض هذه السلوم والأعراف المتوارثة، من خلال ما تيسر الوصول إليه من قصائد من وصفوها، ووصفوا طريقة شربها، وأنواع الدِلال التي تصنع فيها، وكمية ما يضاف إليها من منكهات، ومقدار ما يسكب منها في الفنجان، بل إنهم وصفوا الفنجان ذاته! وما ينتاب من يشربها من نشوة جسمية ونفسية.
يمكن تحديد ثلاثة أنواع من الدِلال (جمع دَلّة) من حيث طبيعة البُن الذي يُغلى فيها:
- المصفاة: يسكب بها ماء على ثفل القهوة التي سبقتها، ويضاف لها قليل من البن، وتغلى ثم تسكب في الملقمة، فتسمى قهوتها ثنوة، لأنها تولدت من مصدرين.
- الملقمة: تلقم بها القهوة الجديدة فقط وتغلى، ثم تُسكَب (تُزِل) في المبهرة.
- المبهرة: تُزَل فيها الملقمة، ويضاف فيها الهيل والعويدي والزعفران، وسائر المنكهات.
وأول طبخة من القهوة تسمى طبخة البِكْر، وفيها تطبخ القهوة في دَلة الملقمة، ثم تسكب في دلة أخرى تسمى المبهرة، ويضاف لها البهار من الهيل وغيره، وسميت البِكر لأنها لا تطبخ إلا مرة واحدة، بشرط أن تكون خالية من ثفل (حثل وبقايا) القهوة السابقة.
ولا تصب القهوة البكر إلا للضيوف المهمين، أو لمن يخشى من سلاطة لسانه، كحُنَيف المطيري وابن عبدالكريم، حينما هجا الأول الثاني، مبرراً سبب شربه خمسة عشر فنجاناً من القهوة، وطلبه المزيد، وهو الأمر الذي انتقده عليه مضيفه ابن عبدالكريم، فقد كانت القهوة ثنوة، ماؤها مسكوب على ثفل قهوة سابقة وأضيف لها قليل من البن الجديد، فجاء طعمها خالياً من طعم القهوة الحقيقي! مشيراً إلى أن مضيفه قلل حبها وأكثر من مائها!
يقول أحدهم ممتدحاً نفسه بأنه لا يصنع ويشرب سوى القهوة البِكر:
لا ضاق صدري جبت نجر ودلّه
    وسويت ما يبرد لهيب بجاشي
بِكر على بِكر مصفى نزلّه
    كنه خضاب معورجات النقاشِ
أما التي يسكب على ثفلها (حثلها أو تولها) ماء ويضاف لها قليل من البن، وتغلى مرة أخرى، فتسمى الثنوة، وتقدم لمن اعتادوا زيارة صاحبهم، فلا يتحرج منهم، لأن القهوة كانت غالية الثمن، وليس كل أحد يستطيع صنعها يومياً.
يقول سليمان بن شريم، مؤكداً أنه لا يقدم لضيفه قهوة الثنوة:
وكيفٍ تِعْزَل ثنوته عن دِلاله
    يجلي عماس الراس عن كل الآفات
والفقير المعدم يصنع قهوته من ثفل فقط (حِثل أو تَول) أعاد غليه، ولم يضف له ولو جزءاً يسيراً من البن الجديد، نظراً لسوء وضعه المادي، وتسمى قهوة تَول، وهي أقل أنواع القهاوي جودة:
يقول حارس بن مجلاد مبيناً لمن يجب أن تقدم القهوة البِكر، ولمن تقدم له قهوة التَّول:
صبه لمن قاد السرايا للأجناب
    في مفرسه يشبع به النسر والذيب
وباقي الملا يكفيهم (التَّول) لو شاب
    رصّاصة المقعد حمير المشاعيب
وقال ابن جعيثن يصف سوء أحواله:
يوم على (الثنوة) ويوم على (التَّول)
    في نجد شاب الراس من قبل حينه
أي أن وضعه الاقتصادي، جعله إما يشرب قهوة ثنوة، أعيد غليها وأضيف لها قليل من البن، وإما في وضع أشد فيشرب قهوة التّول، التي أعيد طبخها على ثفل سابق، دون أن يضاف له بُن يزيدها نكهة!
وصاحب اهتمامهم الكبير بجودة القهوة، حرصهم على شراء أجود أنواع الدِلال صنعاً، فكانت القريشية أجودها، وهي نوعان، صفراء عليها نقش من صنع أسرة رسلان في الشام، والثانية بيضاء غير منقوشة تصنع بمكة.
يقول راكان:
ملفى مساييرٍ لا جَو عيّنوا
    قريشية يقصر مع الهيل عودها
ويقول مريبد العدواني:
وأربع قريشيات مثل الغرانيق
    مشروبهن صافي المطر بالبريقِ
وجعلوا لحمس القهوة شروطاً صارمة، كون هذه المرحلة من أهم مراحل صنع القهوة، حيث إنها تحدد ما إذا كان طعم القهوة سيكون جيداً أم رديئاً، وعليه فإن من سيتولى هذه المهمة يجب أن يكون حاذقاً، موجهاً جل اهتمامه لمراقبة حبات القهوة في المحماسة، ويقلبها بشكل دوري، كي لا تحترق، ويحذر من أن يفرغها من المحماسة مبكراً، قبل أن تتحمص، فتكون قهوة تنقصها النكهة، وتوصف حينها بأنها نِيِّة، أي غير ناضجة.
يقول أحدهم مقارناً لوعته وحرارة ما يجد في قلبه، بحال حبات القهوة في المحماسة، وهي تتقلب على حرارة النار، بينما حامسها منشغل في الحديث مع جُلاسه، غير مدرك لحال حبات القهوة الحرج:
يا حمس قلبي حمس بِنٍ بمحماس
    في يد غشيم ودالهٍ بالكلامِ
وتنبه الشاعر القاضي لهذه المسألة فخصها ببعض أبياته في قصيدة القهوة:
حذراك والنيّة وبالك والإحراق
    واصحى تصير بحمسة البن مطفوق
إلى اصفرّ لونه ثم بشّت بالاعراق
    وصارت كما الياقوت يطرب له الموق
وعطّت بريحٍ فاضحٍ فاخرٍ فاق
    لا عنبرٍ ريحه بالأنفاس منشوق
ويصف لنا الشاعر ساكر الخمشي بدقة، درجة التحميص المطلوبة لحبات القهوة، التي لا ينبغي تجاوزها، وهي أن يصبح لونها شبيهاً بلون الدبس، بين الحمرة والسواد، وأن يكون وسط الحبة وأطرافها بلون واحد، وتسمى حينها الدبسا، يقول:
يا وَي محماسٍ ويا وَي حمّاس
    تجيك دبسا ماب أطرافها سود
وحيث إن خطوات صنع القهوة لابد أن تمر بمرحلة طحنها في النجر، الذي يعد عاملاً مهماً في مراحل صنعها، كون صوته يزيد من جمال أجواء شرب القهوة، بصوته الرنان الذي يجلب سماعه الضيوف من بعيد، فقد خصه الشعراء بأبيات وصفوه فيها، وحددوا عدد ضربات الهاون في جوفه، لينتج عنها نغمات متشابهة اتفقوا عليها.
يقول ابن ضويان:
ونجرٍ زلاله ماو بالصوت مفجوع
    دَنّه وخولف له (ثلاث) رجوعِ
والماو اسم للمادة المصنوع منها النجر، وهو أفخر أنواع النجور، يقول الشاعر عبدالله بن صقيه:
في نجر ماو قدر شبرين دقها
    حسه يجيب اللي تكسر عزاويها
ويقول السديري:
حَب اليمن ريحه من النار فاح
    والنجر فيه (يثولث) الصوت ويصيح
وثولثة النجر، أن يضرب الشخص الذي يدق فيه ضربتين في وسطه، وصوتهما عادة غليظاً، كون القهوة تمتص الصوت، وكذلك لوجود يد الدقاق على فوهة النجر، لتمنع تطاير الحبات خارجه، فتحجب القهوة ويد الدقاق رنين الصوت، أما الدقة الثالثة فتكون في جانب النجر، ويكون الدقاق قد أبعد يده الأخرى عن النجر، فيخرج صوتاً مدوياً ملعلعاً، يطرب له الجالس، ويسمعه الماشي من مسافة بعيدة.
يقول مطلق الروقي يمدح جماعته، وأنه من اليسير معرفة مكانهم في البرية، من صوت نجرهم، الذي شبه صوته بعواء الذئب:
إن جيت أدور نزلهم ما تغبّوا
    ونجورهم يوحي الخلاوي عواها
وفي المقابل فإن بعض البخلاء يحاول عدم إظهار صوت نجره، كي لا يسمعه المار حوله، فيضطر إلى مشاركته شرب القهوة، ومثل هؤلاء هجاهم الشاعر ابن جعيثن بأبيات ساخرة، وصف نجرهم بكلب اعتراه الخوف فأسدل أذنيه، كي لا يشعر به المار، أو ديك يؤذن داخل قفّة، فلا يسمعه الجالس بجواره، والقفة وعاء من خوص يشبه الزنبيل، إلا أن فتحتها تضيق تدريجياً إلى رأسها، كثمرة الكمثرى، ولها غطاء من الخوص.
يقول ابن جعيثن:
كن نجيره كلب مخَضِّر
    يطويه الحايف ما خافه
أو ديك يذّن في قفّه
    يذكر ولا أحدٍ شافه
ولا تكمل نكهة القهوة بعد طحنها في النجر، وغليها في الدلة، إلا بإضافة أجود أنواع البهار، والبهار هنا لا يقصد به التوابل التي تضاف للطعام فتلك تسمى البهارات، وإنما يقصد الهيل والزعفران والعويدي والشمطري، وكل ما يكسب القهوة نكهة محببة.
وتختلف الأمزجة بين هذه الأنواع، ففي حين يميل كثير من البادية وبعض الحاضرة للعويدي، نجد الهيل هو الغالب عند الحاضرة، وقليل من البادية، والأمر نسبي يختلف من بيئة لأخرى، يقول الشريف بركات واصفاً موضعاً جلس فيه في البرية، وارتشف فنجان قهوة:
يا ما حلا الفنجال بأرض بياحي
    ريح العويدي ذاعره عقب ما فاح
أما الشيخ النوري بن شعلان فيفضل شرب قهوته بالهيل والزعفران:
ادغث لها حفنة من الهيل لا تزيد
    والزعفران وروكها يا السنافي
واهتم الشعراء في قصائدهم بذكر كمية أعواد العويدي وحبات الهيل التي تضاف للقهوة، حتى لا تطغى نكهة عنصر على العنصر الآخر، فتفقد القهوة نكهتها المميزة، يقول الشاعر مشعان بن مغيليث بن هذال:
حطه بدلة مولعٍ كنها الشاش
    وبهارها مقدار خمسة عشر عود
ووصف الدلة بأنها بيضاء براقة مثل قماش الشاش، لا يوجد بها صدأ أو تأكسد يكسب جوفها لوناً أخضر، فيغير من نكهة القهوة، التي لا يجب أن يزيد العويدي فيها عن خمسة عشر عوداً.
أما سعد بن قطنان السبيعي، فلم يكتفِ بتحديد عدد حبات الهيل التي تضاف للقهوة، بل طلب من يعملها له، أن يضيف لها أيضاً خلطة خاصة من البهار، كي يصل بعد أن يشربها لدرجة الكيف المطلوبة وفق قياسه، يقول:
يا مسوّي الفنجال كيِّف بهاره
    جِلفٍ وتلنه ثمان مغاتير
والجلف زعفران مخلوط مع غيره من المنكهات كالعويدي والشمطري، وهي خلطة فاخرة لا يملكها أي أحد، أما الثمان المغاتير، فهن حبات الهيل.
واهتم آخرون بنوع الوقود الذي يشعل نار القهوة، وذكروا له مواصفات خاصة، محذرين من أنواع رديئة، لا يجب أن يستخدمها من يريد أن تبلغ قهوته قمة الجودة، مثل ليف النخل أو بَعَر الجمال (الجَلّه).
يقول السديري:
الضو شبت ما أشعلوها بليفة
    إلا هشيم من شجر شعبةٍ طاح
ثم قربوا بيض الدلال الزريفة
    نقالهن ما هوب عنهن بشحاح
ويقول رشيد العلي:
توقد بسمر ما توقد بجَلّة
    والزعفران بهارها خالطه هيل
ويصف سليمان بن حاذور نوع الفنجال الذي يرغب أن تقدم له فيه القهوة، وأنه بدرجة عال العال، وكمية القهوة التي تسكب فيه، وأنها لا يجب أن تزيد عن عرض ثلاثة أنامل، ويرفق مع طلبه طلباً آخر بأن لا يغسلوا الفنجال بعد أن تشرب فيه محبوبته، فقد بيّت النية أن يشرب فيه بعدها، لعله يشفى وإن كان لا يجدي!
صبوا لي فنجالٍ عال العال
    وعقب الغضي لا تغسلونه
خلوا قياسه ثلاث قفال
    من فضلكم لا تزيدونه
والارتشاف مما تشرب منه الحبيبة أو تغتسل منه، ورد عند كثير من الشعراء، فهذا شاعر عنيزة إبراهيم الكنعاني يقول متغزلاً في محبوبته:
جيت أبشرب والاه مسك يفوح
    شارب منه وضاح الثنيه
ومن هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم- أنه كان يُؤتَى بقطعة اللحم، فيناولها زوجه، لتأكل منها قَبله، فتعتذر في لطف وأدب، فيقسم عليها أن تأكل قبله، فتأخذها، فتعض منها عضة، ثم تناولها له، فيعض من المكان الذي عضت منه، ويدعو بالشراب فيأتيه، فيناوله لها فتعتذر، فيقسم عليها، فتشرب منه، ثم يأخذه فيضع فمه حيث وضعت فمها فيشرب.
وكلما كان الفنجان خالياً من ثفل القهوة (الحثل) كان أسلس في الشرب، ولا يحتاج من يشربه إلى لفظ الحثل المجتمع في فمه، وهذا يتطلب أن توضع ليفة في مكان خروج القهوة، لتصفي ما يسكب في الفنجان، وهو ما أراد الشاعر ناصر الحربي أن يبشر به جليسه، مشيراً إلى أن الفنجان فوق أنه صافٍ من الشوائب، فإنه أيضاً مخضب بالزعفران الذي يشبه خضاب الحناء في أيدي الأمهات:
أبشر بفنجال عن الحثل صافيه
    يشدي خضاب مربيات الجنينِ
ومناولة فناجين القهوة للجالسين في المجلس، لها سلوم لا تتجاوز، وقد شاع أنه في القهوة خص، وفي الشاي قص، أي أنك تخص كبير السن أو الوجيه في المجلس بأول فنجان، أما في مناولة أكواب الشاي، فتبدأ باليمين أولاً، حيث يباح في شرب الشاي ما لا يباح في شرب القهوة.
فالقهوة وثيقة العلاقة مع الرجولة والفروسية والشجاعة، حتى أن من يشربها في مجلس الحرب، فإنه يلتزم بما طلب منه مَن صَبَّ الفنجان ووضعه أمام الرجال قائلاً:
من يشرب فنجال فلان الفلاني، أي من يلتزم بقتل الفارس فلان في المعركة، ولا يهرب من أمامه، ومن يأخذ الفنجان ويشربه، لن يخرج من إحدى حالتين، فإما أن يتمكن من قتل الفارس المطلوب، أو أن يثبت أمامه ولا يهرب ويقتله الفارس، وهنا يكون معذوراً وأدى مهمته، وحين يرى رئيس القبيلة تردد الرجال عن شرب الفنجان، فإنه يأمر أحدهم بشربه جبراً، وعلى هذا أن ينفذ، أو أن يعيش يلاحقه العار!
وارتباط شرب القهوة بالفروسية والرجال دون النساء، كان معروفاً لدى بعض المجتمعات في الجزيرة العربية سواء من البادية أو الحاضرة، ما جعلهم يخصصون مكان صنع القهوة في مجلس الرجال بعيداً عن مجالس النساء، وذهب بعضهم بعيداً إلى رفض شرب القهوة التي تصنعها امرأة! ويروى أن صنيتان بن راجح الحربي أنه ممن اشتهروا بنقد القهوة، فيعرف ما إذا كانت من عدة حمسات، أو سقطت بها حشرة، أو صنعتها امرأة، وحينئذٍ لا يذوقها!
وحكي أن عبيد الرشيد قابل امرأة تشكو من صداع، فسألها عن السبب؟ فقالت:
(ما شربت القهوة من ثلاثة أيام، وصادني راسي). فتعجب من شرب النساء للقهوة، وأقسم ألا يشربها من ساعته! وفي هذا الموقف يقول الشاعر هويشل بن عبدالله:
والله ما لوم عبيد لو حرّم الكيف
    حلف وعاش ومات ما طق سنه
وما يقال عن القهوة يسري أيضاً على الشاي، الذي كان في أول أمره مقصوراً على الرجال في بعض المجتمعات، قال أحد الشعراء منكراً على النساء شرب الشاي:
ما ناب أحب مسويات الدِّباره
    اللي يحطن الدِّباره عملهن
يا جعل عذرا تشربه للحرارة
    وإلا يخالطها خبيثٍ من الجن
والدّبارة اسم للسكر السائب المعبأ في الخيش، وقد وصل إلى نجد في وقت متأخر، وكان قبل ذلك يصلهم في قوالب كالطوب، يكسرون منها قدر حاجتهم، ويسمونه القَند، يقول المرداسي يمدح الملك عبدالعزيز:
على القناصل والدول لك جلاده
    وعلى الصديق أحلى من القند بالكاس
وبلغ من حرصهم على أن لا يفقدوا القهوة حين يحتاجونها، أنهم يضعون حبها في أطراف أكمام ثيابهم (الردون) ويعقدون عليها طرف الكم، ومتى ما قابلوا من ليس لديه قهوة، أخرجوها وحمسوها في معاميله وشربوها سوية، يقول ابن برشاع:
كم واحدٍ في ردنه البن مصرور
    وليا قضب بعض التجاير دمرها
غير أن البعض يضع في ردونه مسحوق الدخان (التنباك)، فهذه ابنة ابن هذال تثني على والدها واصفة إياه بأنه الوحيد الجدير بشرب التنباك الذي يصرّه في أكمامه، وذلك بعد سجودها للسهو:
ما يشرب التنباك كود ابن هذال
    شيخ يعمّر من مثاني ردونه
وقد يعتري الرأس الصداع أو التشويش في الرؤية، عند فقد القهوة لفترة طويلة، لمن اعتاد عليها، فيبادر إلى شربها ما أن يجدها، فتسري نكهتها في خياشيمه، ويسمونها الخنّة، يقول عضيب بن حشر يصف خَنّة القهوة في أنفه، وما تصنعه في رأسه من تأثير منعش:
فنجال بِنٍ خَنّته تقعد الراس
    والزعفران مقطع فيه تقطيع
ويوافقه في وصف هذا الشعور المحبب الشاعر فراج الدوسري:
لي دلة ما مَل منها جليسي
    فنجالها يقعد خَوَى دايخ الراس
وبلغ من احتفاء السابقين بالقهوة والمكان الذي تشرب فيه، أنهم لا ينيرون مجلس القهوة بالسراج الذي يعبأ بالكيروسين، حتى لا تطغى رائحة الكيروسين المحترق، على رائحة القهوة، يقول عيد القحطاني:
يا ما حلا الفنجال في كل حزة
    في مجلس ما سفروا له بقازِ
واللي يسويها صبي منزّه
    شطر بها ما هوب خطاة الخنازِ
ولا تخلو مجالس شرب القهوة من بعض المتطفلين، الذين لا يرغب شاربو القهوة مجالستهم، إما لسوء سلوكهم، أو لشراهتهم الشديدة في شرب القهوة، كحال صاحبنا عرّوج، وهو رجل من أهل الدرعية، اشتهر بنهمه الشديد في شرب القهوة، وقوة شمها، فيمشي في السوق، فإذا ما شم رائحة قهوة تحمس، طرق الباب على أصحاب البيت، ليشاركهم القهوة، وربما فتحوا له الباب، وأحياناً يتجاهلونه، فأنشأ بيتين يعبر فيهما عن حاله مع الناس، الذين أصبحوا يغلقون أبوابهم دونه، فمدحهم بما يشبه الذم، نظراً لحاجته المستمرة لهم:
يا أهل القهاوي سود الله لحاكم
    ما منكم اللي في الضحى قال عرّوج
تعبت أقدامي من المراكض وراكم
    ولا من وصلت الباب ألقاه مزلوج
وقد يرد في ذهن القارئ أبيات يرى أنه كان من المناسب ذكرها في المقالة، ولم يجدها مذكورة. والحقيقة أن الهدف ذكر الشواهد الشعرية لعادات صنع القهوة وما يصاحبها فقط، وليست الغاية رصد الشعراء الذين تناولوها في قصائدهم، فهؤلاء لا يمكن حصرهم.

ذو صلة