مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة

مرت تقنية الذكاء الاصطناعي قبل ظهور مفهوم الذكاء الاصطناعي المعاصر (Artificial Intelligence) بمراحل عديدة عبر السنوات أهمها: المرة الأولى التي ذُكرت فيها كلمة روبوتا عام 1921م حينما استخدمها الكاتب التشيكي كارل تشابيك في مسرحيته (روبوتات روسوم العالمية). حيث تم اشتقاق الكلمة من (robota) والتي تعني العمل الآلي. ويعد آلان تورنغ Alan Turing واحداً من أهم المؤثرين في تطور علم الذكاء الاصطناعي، حيث نشر مقالاً عام 1951م بعنوان (آلات الحوسبة والذكاء) (Computing Machinery and Intelligence) والذي اقترح فيه لعبة المحاكاة التي أصبحت فيما بعد تعرف باسم اختبار تورنغ.
لهذا يمكننا القول إن ولادة الذكاء الاصطناعي بصفته علماً حقيقياً سنة 1956م خلال ورشة عمل صيفية بجامعة دارتمورث الأمريكية حملت اسم (مشروع دارتموث البحثي حول الذكاء الاصطناعي)، والتي قام فيها جون مكارثي مخترع لغة البرمجة باستخدام مصطلح (Artificial Intelligence) للمرة الأولى. كان الهدف الرئيس من هذه الورشة البحث عن وسائل تمكن الآلة من محاكاة الكثير من جوانب الذكاء البشري. وخلال ستينات وسبعينات القرن الماضي بدأ الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي باستخدام الحواسيب للتعرف على الصور، وترجمة اللغات وفهم الإرشادات والتعليمات باللغة البشرية. وبدأت مجالات الذكاء الاصطناعي الفرعية بالظهور في مختلف نواحي الحياة.
ثم استؤنفت في الثمانينات بعد تقديم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مشروع الجيل الخامس في تقنيات الحاسوب. في بداية التسعينات حولت أبحاث الذكاء الاصطناعي مجالها إلى ما يسمى بالوكيل الذكي، والذي يستخدم في خدمات استرداد الأخبار، والتسوق عبر الإنترنت وتصفح الويب، وما يزال الباحثون يحاولون استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات غير مسبوقة مثل، المساعدات المادية التي تقدمها الروبوتات، وبرامج خدمة العملاء، والرد على الهاتف وغيرها. ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، نشر المبتكرون والباحثون زهاء 1.6 مليون بحث يتعلق بالذكاء الاصطناعي، وتقدموا بنحو 340 ألف طلب براءات ابتكار كتطبيقات للذكاء الاصطناعي والتي ظهر الكثير منها حالياً للاستخدام المباشر مجاناً أو برسوم.
استمر تطور مجالات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في السنوات اللاحقة أيضاً، وتشعبت تطبيقاته في الحياة العملية، فرأينا الآلي الذكي (صوفيا) القادرة على بناء علاقات شبه حقيقية مع البشر، واستخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي في الهواتف المحمولة من خلال تطبيقات المساعدة Google Assistant أو Siri وغيرها. ويتمثل الإنجاز الكبير في سنة 2016م حينما طورت شركة جوجل برمجية ذكاء اصطناعي تحمل اسم اللوحية المعقدة، وفي عامنا هذا 2023م طورت جوجل برنامج ذكاء صناعي فائق باسم جوجل (Google Bard) يارد لمنافسة برنامج ميكروسوفت للذكاء الصناعي المشهور باسم شات جي بي شات جي بي تي (ChatGPT).
فالذكاء الاصطناعي هو مفهوم يشير إلى القدرة على بناء الأنظمة والأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام بكفاءة وفعالية أفضل في القيام ببعض وظائفه المعقدة مثل (التعليم، التخطيط، تمييز الكلام، حل المشكلات، والتمييز العقلي المنطقي). ويشتمل تخصص الذكاء الاصطناعي على عدة فروع رئيسة من بينها: تطبيقات الذكاء الاصطناعي، تعلم الآلة، ومعالجة اللغات الطبيعية وعلم البيانات وعلم الشبكات والمعلومات.
ويعتمد الذكاء الاصطناعي على الإحصاء والتفاضل وغيرها من التقنيات الحاسوبية الحديثة لتعلم صفات الإنسان مثل اللغة والتفكير والتواصل. وتشمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي تعلم الآلة والتبادل اللغوي والتعرف على الصوت والصور والتصنيف. وهو يحظى بمزايا كبيرة في مجالات عدة مثل تقديم الرعاية الصحية وتحسين المواصلات والمساعدة في إجراء عمليات التشخيص والعلاج بشكل أسرع وأكثر دقة. لهذا أصبح الذكاء الاصطناعي أكثر اندماجاً في حياتنا اليومية، من المساعدين الافتراضيين إلى السيارات ذاتية القيادة.
ويعد الذكاء الاصطناعي من بين أهم التخصصات في مجال علم وهندسة الحاسب الآلي وعلمي المعلومات والشبكات، حيث يتميز بتحليل ودراسة الأنظمة والخوارزميات والعمليات المعقدة التي تحدث داخل أجهزة الحاسوب. ويهدف الذكاء الاصطناعي إلى محاكاة العقل البشري في القيام ببعض وظائفه المعقدة مثل: (التعليم، التخطيط، تمييز الكلام، حل المشكلات، والتمييز العقلي المنطقي). ويشتمل تخصص الذكاء الاصطناعي على عدة فروع رئيسة من بينها: تطبيقات الذكاء الاصطناعي، تعلم الآلة، ومعالجة اللغات الطبيعية وعلم البيانات.
لهذا يعد الذكاء الصناعي من أهم منجزات الثورة الصناعية الرابعة وهي التسمية التي أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا عام 2016م والتي تعد نقلة تكنولوجية كبيرة تؤثر على جميع مناحي حياة البشرية في كل أنحاء العالم. وهي تعكس خلق وتقدم نطاق عريض من التكنولوجيا الحديثة التي تحرك الابتكارات والاختراعات عبر القطاعات مع تغيير الجوانب الأساسية للثقافة والمجتمع كما نعرفها.
وتتضمن عناصر الثورة الصناعية الرابعة تكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، والتحكم الآلي، وإنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة، وقواعد البيانات المتسلسلة، والحوسبة السحابية والطباعة ثلاثية الأبعاد، وذلك من خلال الاعتماد على مبادئ الإحصاء. وبهذا قسم المختصون الذكاء الاصطناعي إلى ثلاثة أنواع رئيسة هي:
- الذكاء الاصطناعي الضيق: وهو الذكاء الذي يتخصص في مجال واحد، فمثلاً هناك أنظمة الذكاء الصناعي التي يمكنها التغلب على بطل العالم في لُعْبَة الشطرنج، وهو الشيء الوحيد الذي تفعله.
- الذكاء الاصطناعي العام: يشير هذا النوع إلى حواسيب بمستوى ذكاء الإنسان في جميع المجالات، أي يمكنه تأدية أي مهمة فكرية يمكن للإنسان القيام بها، ويعد تصميم هذا النوع من الذكاء أصعب بكثير من الذكاء الاصطناعي الضيق وإلى اليوم لم يصل إلى هذا المستوى بعد.
- الذكاء الاصطناعي الفائق: وهو فكر أذكى بكثير من أفضل العقول البشرية في كل مجال تقريباً بما في ذلك الإبداع العلمي والحكمة العامة والمهارات الاجتماعية.
ويشمل الذكاء الاصطناعي تطبيقات عديدة في مجالات مختلفة، حيث يحمل الكثير من الفوائد والتحديات في كل مجال. فمن بين هذه المجالات، تشمل استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية، والتمويل، والتعليم، والنقل، وغيرها. ومن المثاليات المعروفة عالمياً علامة السيارات تسلا التي أدمجت في منتجاتها خاصية الذكاء الاصطناعي لتعزيز سلامة السائقين وحرية حركتهم. ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي أيضاً في مجالات الأمن الإلكتروني، والخدمات الحكومية الإلكترونية، والتجارة الإلكترونية، والزراعة، وغيرها.
وتزداد وتتوسع تطبيقات الذكاء الاصطناعي يوماً بعد يوم وأصبحت أكثر تطوراً في إمكاناتها وخدماتها واستعمالاتها. لتعدد استخداماته في المجالات العسكرية، الصناعية، الاقتصادية، التقنية، التطبيقات الطبية، التعليمية، والخدمية. يتوقع أن يفتح الباب أمام الابتكارات المتنوعة وأن يؤدي إلى مزيد من الثورات الصناعية الأخرى والتي ستحدث تغييراً جذرياً في حياة الإنسان. ومع التطور التكنولوجي الهائل والمتسارع، سيكون الذكاء الاصطناعي محرك التقدم والنمو والازدهار خلال السنوات القليلة القادمة وسيساهم في بناء عالم جديد وربما مختلف كلياً عن عالم اليوم.
وأخيراً، الذكاء الاصطناعي له فوائد كبيرة للبشرية، فهو يسهل حل المشكلات المعقدة وزيادة كفاءة الأداء وتحسين جودة الحياة. لكنه أيضاً يثير بعض المخاوف والتحديات، مثل خسارة فرص العمل لكثير من الناس أو انتهاك خصوصية المستخدمين أو استغلال سوء لأغراض ضارة أو تمرد على صانعيه. لذلك، يجب على الدول والمجتمعات تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وأخلاقي، وضمان حقوق وحرية وخصوصية كل من المستخدمين والمطورين والمستثمرين لهذه التقنية.

ذو صلة