مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

آسيا.. ستقود العالم

انتهى زمن الأحادية القطبية مع بزوغ منافسين شرسين على حلبة الصراع, فالولايات المتحدة بعد أن استفردت بهيمنتها طوال الأعوام التي تلت الحرب الباردة, تواجه اليوم كابوس الصين وروسيا مجتمعتين. حتى الساعة لا تزال أمريكا الأقوى، أما الصين فتسعى لإنزال الولايات المتحدة عن عرشها, سنوات قليلة قد تفصلنا عن تبوُّؤ الصين المركز الأول في سلم الاقتصاد العالمي، أما روسيا فتبقى الحلقة الأضعف، وهو السبب الذي دفع الولايات المتحدة لضربها أولاً في خاصرتها الرخوة أوكرانيا حتى تعبد الطريق أمام مواجهتها مع الصين. ويبدو أن أمريكا لم تستخلص العبر من التاريخ فكلما زاد الضغط على (موسكو) كلما تعززت الشراكة أكثر مع الصين، لكن الصين تريثت ولم تدعم روسيا بشكل مباشر في حربها ضد أوكرانيا رغم عدائها المشترك لأمريكا. فالصين من جهة تسعى للحفاظ على أهم شريك إستراتيجي لها (موسكو) والتي لطالما أمدتها بالسلاح الروسي والخبرات العسكرية والتكنولوجية، إضافة إلى إمدادات الطاقة والعلاقات التاريخية التي تجمع البلدين, ومن جهة أخرى تسعى (بكين) إلى منع تدهور العلاقة مع الغرب لاعتبارات اقتصادية. إن مصالح الدول وحدها ستحدّد ما فرقت الأطراف المتصارعة لترسم ملامح النظام العالمي الجديد.

أصبح من الواضح أن الغرب كان له مصلحة في حرب أوكرانيا لإعادة ضبط النظام المالي العالمي. وبات من الواضح أن دعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا ليس حالياً من أولويات الصين ولكن بكين ستساعد روسيا قدر المستطاع اقتصادياً ليس فقط لضمان عدم عزلها وإنما لضمان أن تؤدي هذه السياسة بأكملها إلى العزل الذاتي للغرب. الصين قد تقلب الطاولة قريباً، فهي لا يهمها أن تضمن الولايات المتحدة أمنها، ولا يهمها أن تبقى ضمن مؤسسات دولية تهيمن عليها أمريكا، وبرأي (بكين) حان الوقت لمراجعة حسابات هذه المؤسسات والأخذ بعين الاعتبار حجم الصين في ميزان القوى.
أما بالنسبة لموقع الدول العربية في المستقبل الآسيوي فقد صرح سابقاً ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن أوروبا الجديدة ستكون الشرق الأوسط. اليوم وبعد مرور أربع سنوات على هذا الخطاب بدأنا نشهد تطوراً عظيماً في دور دول الشرق الأوسط, وسط كلام عن نهاية حتمية للاتحاد الأوروبي. فالنظام العالمي يعاد تشكيله للمرة الثالثة منذ الحرب العالمية الثانية، فبعد أن كان ثنائي القطب لمدة أربعة عقود حين تضمن كلاً من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، تحول في أعقاب انتهاء الحرب الباردة إلى أحادي القطب بقيادة أمريكا, ولكن سرعان ما عاد إلى الثنائية مجدداً عقب نهوض التنين الصيني العظيم. والآن في أعقاب الحرب الأوكرانية عاد ليصبح متعدد الأقطاب بعد دخول روسيا على مثلث القمة من جديد, مثلث يمكن أن يصبح مربعاً بعد أن باتت الأبواب مفتوحة والفرص متاحة للجميع. وبهذا نتطرق إلى دور العرب في العالم الذي يعاد تشكيله. فالمنطقة العربية تشهد تغيرات وتشكيلات كبيرة قد تضمن لها مقعداً مهماً في دول العالم الكبرى، ولعل أكثر الدول العربية تسارعاً بالخطى هي دول الخليج التي تمتلك مقومات أكثر من غيرها. وكذلك تمتلك رؤية سياسية موحدة، فعلى الرغم من التنافس الاقتصادي بين الإمارات والسعودية إلا أن ملامح رؤية سياسية واحدة تجمع البلدين، فكلاهما التزمتا في الموقف ذاته من حرب أوكرانيا، وكلاهما اختارتا الانفتاح على أفق جديد اقتصادياً. إن الموقع الجغرافي المتميز لدول الخليج العربي أعطاها مقومات وأهلها لتكون رائدة، إضافة إلى الطرق التجارية المهمة والأساسية التي تشرف عليها هذه الدول جعلت منها دولاً جاذبة للاستثمار.
مؤخراً شهدت العلاقات السعودية- الصينية زخماً ملحوظاً، فقد وقعت السعودية والصين اتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة خلال زيارة رسمية قام بها الرئيس الصيني إلى المملكة. كما وقعت المملكة عدة اتفاقيات في مجالات الطاقة مع كل من مصر وسلطنة عمان، وذلك على هامش قمة أطراف الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ cop 27 والنسخة الثانية من قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر المنعقدة في مدينة شرم الشيخ المصرية. كما وقعت السعودية اتفاقية تنفيذ وإنشاء مصنع متكامل لإنتاج السيارات الكهربائية داخل المملكة مع شركة (لوسد موتورز) وهو أول مصنع لها خارج الولايات المتحدة الأمريكية، تبلغ طاقته الإنتاجية 155000 سيارة سنوياً، وتقدر استثماراته بأكثر من 12.3 مليار ريال سعودي. وامتدت خيوط العلاقات السعودية وتشعبها إلى خارج القارة الآسيوية، حيث وقعت المملكة مؤخراً عدداً من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع جنوب أفريقيا بقيمة تتجاوز 15 مليار دولار، وقد أعلنت السعودية أن الاتفاقيات ومذكرات التفاهم تشمل قطاعات مختلفة بما فيها صناعة التعدين والطاقة، بالإضافة إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية بين الجانبين.
يبدو أن المملكة العربية السعودية انطلقت في مشروعها لتشكيل قوة مركزية نحو الحضارة المستقبلية, ولعل مشروع (نيوم) المستقبلي هو خير دليل على ذلك, فهو انطلاقة التغيير التي ستجسد مستقبل الابتكار في الأعمال والمعيشة والاستدامة.

ذو صلة