مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

صالح البكر.. خمسة وخمسون عاماً في التعليم

محمد عبدالله السيف: الرياض


مع الملك فهد والملك سلمان في معهد العاصمة النموذجي

قبل أكثر من 150 عاماً، شهدت منطقة نجد حركة تموجات لعدد من أبنائها تجاه مدينة حائل، بعد أن أصبحت قاعدة للحكم، فكان أن جذبت إليها عدداً من طلبة العلم والكُتّاب والتجار وغيرهم. وكان عمر البكر أحد أبناء مدينة الرياض الذين هاجروا إليها وقصدوها في تلك الفترة الزمنية. ومنه ومن ذريته عُرفت أُسرة البكر في مدينة حائل، والتي لايزال لها وجود فيها حتى يومنا هذا. ومن أحفاده المشهورين صالح بن راشد البكر، الذي ولد في مدينة حائل في العام الذي انضوت فيه هذه المدينة تحت حكم الملك عبدالعزيز، عام 1340هـ.
جاءت ولادة صالح البكر بعد أن فقد والده، وهو جنين في بطن أمه، وسيفقد والدته وهو في الثانية عشرة من عمره، وما بين الفاجعتين أُصيب بمرض الجدري، فعاش في طفولته اليُتم، وحُرم عطف الأب وحنان الأم، فتربى عند جدته لوالده، الأمر الذي جعله يواجه متاعب الحياة مبكراً، ليعتمد على نفسه في ظل ظروف حياتية قاسية.
في حائل، درس صالح البكر في كتاتيبها، كما درس القرآن الكريم وختمه على يد المشايخ: علي الشكر (الشامي)، وعبدالله الخليفي، وأحمد المرشدي، ثم التحق في مدرسة (سبيل الرشاد)، وهي مدرسة أهليّة تطوّع في إنشائها وأنفق عليها الشيخ سليمان السكيت، الذي يُعد الرائد الأول للتعليم في مدينة حائل، والذي تخرجت على يديه الطلائع الأولى المثقفة من أبناء حائل وغيرهم. ولعل صالح البكر خير من يثمّن جهود هذا المعلّم ويقدرها، إذ كتب عنه بعد أن التقاه، وزاره في منزله، بعد أن أقعدته الشيخوخة وظلَّ حبيس المنزل، قائلاً: (تُثير صورة الحب والوفاء في حائل أجمل الذكريات وأعذبها. ذكريات الطفولة والتعليم، فأجدني مدفوعاً إلى بيته، مُنساقاً إلى زيارته، لأطمئن عليه، ولأسمع منه، وأحدثه حديث القلب، حيث الحب والوفاء والعرفان. إنه أستاذي الجليل فضيلة الشيخ سليمان بن حمد السكيت. استقبلني في بيته، وكله والحمد لله حيوية ونشاط ورضا وقناعة وغبطة، حيث يعيش في مدينة حائل التي أحبَّها، وجلستُ منه مجلس التلميذ من أستاذه، وشرد ذهني بعيداً يطوي السنين وينهب الأعوام ليعود إلى أيام التلمذة، حيث افتتح أستاذنا الجليل أول مدرسة للتعليم المنظم في حائل في عام 52/1353هـ، وسمَّاها مدرسة سبيل الرشاد.. ولم يكن في حائل إذ ذاك من تعليم منظم إلا ما يقوم به بعض الأفاضل من تدريس القرآن الكريم بطريقة بدائية، باستثناء حلق الذكر وطلب العلم عند العلماء الأفاضل الذين برعوا في العلوم الشرعية واللغة العربية والتاريخ الإسلامي. أما مدرسة سبيل الرشاد فكانت مناهجها القرآن الكريم وتجويده وبعض العلوم الشرعية ومصطلح الحديث وتحسين الخط والإملاء والإنشاء وكتابة الرسائل والتاريخ والجغرافيا والحساب التجاري.. لقد كان أستاذنا الفاضل سليمان السكيت يهتم كثيراً بالتربية الرياضية كالسباق والقفز وكرة القدم وتسلّق الجبال والرحلات ومبادئ الكشافة، كما كان يهتم بالخطابة والمناظرات والتمثيل والأناشيد التي يقوم بتأليفها وتلحينها. ولا أزال أذكر أنه عندما تشرفنا باستقبال الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، أثناء زيارته لحائل في عام 1355هـ، على ما أعتقد؛ أدينا أمام جلالته في منزل سماحة الشيخ عبدالله بن بليهد نشيداً من تأليف الشيخ سليمان وتلحينه، ومطلعه:
حي المليك وحي الموكب الفخما
فخر الجزيرة والإسلام والعربِ
عبدالعزيز الخضم الضيغم البطلُ
فرع الندى والتقى والجود والنسبِ
ولم يفت صالح البكر أن يُطالب أهالي حائل والجهات المعنية فيها بتكريم هذا المعلم الرائد عبر إقامة مركز ثقافي يحمل اسمه. وكان لهذه المقالة صدى في الصحافة، إذ عقّب عليها مؤيداً فهد العلي العريفي، أحد طلبة سليمان السكيت، الذي عدّد أبرز طلبة السكيت من أبناء حائل وسواهم، مثل: عبدالله بن خميس، وعبدالمحسن الزيد، وفيصل الشهيل، وصالح السالم، وعبدالله الشهيل.. وغيرهم. وكتب الأديب عبدالله بن خميس مؤيداً لهذه الفكرة، وختمها يوسف الكويليت بقوله: (لو لم يكتب الأستاذ صالح البكر عن أستاذه سليمان السكيت لأصبح اسماً منزوعاً عنه حتى صفة الفعل الماضي!).
لم تستمر مدرسة سليمان السكيت (سبيل الرشاد)، إذ دُمجت بالمدرسة السعودية، التي هي أول مدرسة حكومية تُفتتح في حائل، فالتحق بها صالح البكر ثم تعيّن مدرساً فيها، بيد أنه من الجدير بالذكر الإشارة إلى أنه تولّى إدارة مدرسة (سبيل الرشاد) عام 1354هـ، حينما عهد إليه معلمه سليمان السكيت إدارتها نيابة عنه، حينما سافر إلى الكويت لإحضار والدته من هناك، وكان عُمر صالح البكر وقتها 14 عاماً.
عمل البكر معلماً ثم أصبح مديراً للمدرسة الفيصلية، وأدار أول مدرسة متوسطة في حائل، وأصبح مساعداً لمدير التعليم. وأثناء عمله في تعليم حائل هذه السنوات واصل تعليمه في المدينة المنورة، فحصل على شهادة المرحلة المتوسطة والثانوية. وخلال هذه الفترة التي أمضاها في حائل معلماً ومديراً ومساعداً لمدير التعليم؛ كانت له سمعته الطيبة التي تجاوزت حدود مدينته إلى المسؤولين في وزارة المعارف، وعلى رأسهم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، الذي زار مدينة حائل متفقداً لها، وزار المدرسة الفيصلية والتقى مديرها صالح البكر، وقد شدّه ولفت انتباهه ما تتوافر عليه المدرسة من حُسن تنظيم، فما أن عاد إلى الرياض إلا وتصل صالح البكر برقية بضرورة مراجعته الوزارة. وفي الوزارة قابل صديقه محمد الفريح، الذي أبلغه بقرار الوزير الذي أمضاه، المتضمِّن تعيين صالح البكر مديراً عاماً للتعليم في منطقة أبها (عسير لاحقاً)، وهو القرار الذي رفضه البكر، وحاول جاهداً الاعتذار عنه، لكنها محاولات فشلت أمام إصرار الوزير، فتوجه إلى أبها من حائل منتصف عام 1381هـ.


صالح البكر مع مجموعة من أصدقائه في مدينة حائل

في مرتفعات عسير
في أبها سيُمضي صالح البكر عدة سنوات حافلة بالعديد من المنجزات، من بينها افتتاح 40 مدرسة في عامين فقط. ويذكر البكر أن عدداً من المدارس افتتحت خارج إطار الميزانية المعتمدة والمقررة للمنطقة، وذلك بتعاون الدكتور عبدالله الناصر الوهيبي، الذي كان وقتها يعمل مديراً عاماً للتعليم في الوزارة. وفي تلك الفترة زار الأمير فهد بن عبدالعزيز، وزير الداخلية، مدينة أبها، في وقتٍ كان الطيران المصري يشنُّ غاراته على المنطقة أثناء الحرب اليمنية، وقد أقامت إدارة التعليم في أبها مهرجاناً طلابياً كبيراً، أُعجب به الأمير فهد، فنقل إعجابه إلى الملك فيصل بن عبدالعزيز، فكان إعجاب الملك هو السبب في نقل صالح البكر إلى مقر وزارة المعارف في الرياض مديراً عاماً للمستودعات، ثم مديراً عاماً لشؤون الموظفين. وقبل أن ينتقل البكر إلى الرياض يقف ليُشيد بجهود عدد من زملائه الذين كان لهم دور في حياته العملية والتعليمية، منهم: ناصر المنقور، الذي كان زميلاً له في الوزارة مديراً عاماً للوزارة، ومديراً لجامعة الملك سعود، وكان يُلح عليه بضرورة مواصلة دراسته الجامعية وإكمالها عبر الانتساب لجامعة الملك سعود، وقد تحقّق ذلك، وحصل البكر على الشهادة الجامعية في التاريخ عام 1383هـ؛ وكذلك عبدالوهاب عبدالواسع، الذي كان وكيلاً لوزارة المعارف على تعاونه معه في تحقيق تطلعات المنطقة التعليمية؛ وقبل هؤلاء جميعاً هناك تركي بن ماضي، الذي كان أميراً على عسير، وكان تعاونه وثيقاً ومهماً، ساعد البكر على تحقيق تلك النجاحات في إدارة تعليم المنطقة.
ومن أبها انتقل صالح البكر إلى ديوان وزارة المعارف، الكائن في شارع المطار في حي الملز بالرياض، وكان وزيرها آنذاك الشيخ حسن آل الشيخ، وقد غادرها عدد من الكفاءات الإدارية، الذين انتقلوا إلى مهام وأعمال أخرى، كناصر المنقور ومحمد الفريح وعبدالله الوهيبي.. وآخرين.


البطل محمد علي كلاي يزور المعهد

إلى وزارة المعارف
في عام 1386هـ، أصدر وزير المعارف أمراً بتعيين صالح البكر، مدير عام شؤون الموظفين بالوزارة، سكرتيراً للجنة الفرعية للتعليم، وهي لجنة تُعنى بدراسة وتخطيط المناهج التعليمية ورسم الخط التعليمي. وعلّقت جريدة (الرياض) على هذا الخبر بقولها: (والأستاذ صالح البكر أحد شباب البلاد الذي تدرج بالعلم والتعليم حتى استطاع الحصول على الشهادة الجامعية، إلى جانب كونه رب أُسرة، وأثبت كفاءة قدَّرها له معالي الوزير، ونتمنى له التوفيق الدائم). وبعد سنتين تعيّن البكر على وظيفة (المدير العام المساعد بوزارة المعارف)، وظلّ في عمله في اللجنة الفرعية للتعليم، وقد تحدث إلى برنامج (في رحاب المعلمين) عبر تلفزيون الرياض عن مهام هذه اللجنة، وما قامت به تجاه المنهج المدرسي للمرحلة الابتدائية.
ومن المهام التي قام بها البكر أثناء عمله في وزارة المعارف رئاسته وإشرافه على لجان التعاقد، فقد نشرت جريدة (الجزيرة) خبراً في عام 1390هـ، أشارت فيه إلى أن وزير المعارف أصدر قراراً بتعيين صالح البكر رئيس عام لجان التعاقد، بعضوية عبدالله الحصين، وسكرتارية إبراهيم المدلج، ومحمد بن تركي الماضي مقرراً. وأوضحت الصحيفة أن لجنة دمشق برئاسة عبدالرحمن العبدان، ولجنة العراق برئاسة عبدالله الزامل، ولجنة عمان برئاسة مبارك المبارك، ولجنة الخرطوم برئاسة محمد أبو معطي.


المعهد يحتفي بالأمير سلطان بن سلمان بعد رحلته الفضائية

في معهد العاصمة
لم يطل المقام بصالح البكر في ديوان وزارة المعارف، ففي عام 1390هـ، تقاعد عثمان الصالح، الذي كان يعمل مديراً عاماً لمعهد العاصمة النموذجي، عن العمل، فطلب الملك فيصل بن عبدالعزيز من وزير المعارف ترشيح من يراه مناسباً لإدارة المعهد، وعلى الفور رشّح الوزيرُ صالحَ البكر، فقال الملك فيصل: (صالح اللي كان في أبها؟ هات أوراقه)، فأحضر الوزير أوراقه ومهرها الملك فيصل بتوقيعه. ومن إجابة الملك لوزيره يتضح بأن اسم صالح البكر مازال عالقاً في ذاكرة الملك منذ أن أشاد بعمله الأمير فهد بن عبدالعزيز أمامه، كما تقدم بيانه.
يكتسب معهد العاصمة النموذجي أهمية كبرى في مسيرة التعليم، فقد تأسس في عام ١٣٦٥هـ باسم معهد أنجال ولي العهد (الأمير سعود بن عبدالعزيز) ثم تغيّر مسماه إلى معهد أنجال الملك سعود، ثم معهد العاصمة النموذجي، وهو يوازي من حيث الأهمية مدارس الثغر النموذجية في جدة، ويتمتع المعهد باستقلاليته وشخصيته الاعتبارية، ويحظى برعاية الملك وولي عهده، وأمير منطقة الرياض الأمير/الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي أولاه عناية خاصة، فكثيراً ما يقف عليه، ويتفقد طلابه، ويرعى مشاريعه الجديدة، واحتفالاته ومناسباته. وقد مثّل المعهد طيلة عقود معلماً مهماً من معالم مدينة الرياض، وكان مزاراً لضيوف الدولة، وقد حظي بزيارات ملوك ورؤساء ومشاهير، كونه منارة من منارات العلم والمعرفة، ولما يتميّز به من إمكانات، ويتوافر عليه من تجهيزات لا توجد إلا في الجامعات، وليس أدل على ما يتمتع به المعهد من مكانة أنه في حال سفر صالح البكر في مهمة خارجية فإن وكيل وزارة المعارف للشؤون التعليمية إبراهيم الحجي هو الذي يقوم بإدارة المعهد نيابة عن مديره العام، الذي حصل على المرتبة الخامسة عشرة في عام 1391هـ، وهي مرتبة تعادل مرتبة وكيل وزارة.
لم يكن صالح البكر إدارياً فحسب، لكنه كان يحمل رؤية وفكراً في العملية التعليمية. ومن تلك الأفكار والآراء التي طرحها ونفذها فكرة إدخال مادة اللغة الإنجليزية في الصفوف العليا في المرحلة الابتدائية. وقد نفّذها في معهد العاصمة قبل تنفيذها من قبل وزارة المعارف بسنوات عديدة. نشرت صحيفة (الرياض) في عام 1391هـ، خبراً عن بدء تطبيق منهج اللغة الإنجليزية للسنة الخامسة والسادسة الابتدائي في معهد العاصمة النموذجي، وقالت إنَّ هذه الفكرة إذا نجحت فسيتم تطبيقها في بقية المدارس الابتدائية، وأضافت: (وهي فكرة تبناها مدير عام معهد العاصمة النموذجي الأستاذ صالح البكر، وعرضها على المسؤولين في وزارة المعارف ونوقشت، فتم تطبيقها، على أن تبدأ تجربتها هذا العام وتطبق مستقبلاً على ضوء نتائجها). وممّا اتخذه البكر من قرارات صارمة أنه منع الطلاب الذين تقل أعمارهم عن ستة عشر عاماً من الحضور إلى المعهد بسياراتهم الخاصة. وقد علّق محمد الوعيل في مقالة له مُشيداً بهذا القرار، مبيناً أن البكر حذّر الطالب من الفصل النهائي من المعهد إذا حضر بسيارته الخاصة.
كان صالح البكر طيلة إدارته للمعهد فاعلاً ومتفاعلاً مع مجتمعه، مؤمناً بأهمية الحوار والنقاش، مشاركاً في المناسبات. وقد شهد المعهد في فترته إقامة العدد من النشاطات الثقافية، وكان يحرص على إقامة الندوات والمحاضرات لعدد من الوزراء والمثقفين، مما لا يتسع المجال لذكر أسمائهم هنا، لكن من أولى الندوات التي أقامها المعهد ندوة بعنوان (الدروس الخصوصية.. فوائدها ومضارها)، حضرها الأمير خالد بن فهد، وكيل وزارة المعارف، والأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز، والدكتور عبدالله النافع، عميد كلية التربية، وإبراهيم الحجي، وكيل وزارة المعارف للشؤون التعليمية. وقد ألقى الطالب فهد بن سلمان بن عبدالعزيز كلمة ترحيبية بأعضاء الندوة المشاركين وبالحضور. ويذهب البكر في محاضراته إلى خارج المعهد، من ذلك مثلاً محاضرته التي ألقاها على طلبة كلية قوى الأمن الداخلي بعنوان (الشباب والتربية).
بعد أربع سنوات من إدارته للمعهد، نشرت صحيفة (الرياض) صفحة كاملة تضمَّنت الجهود التي بذلها في المعهد، منها إنشاء روضة أطفال، ومكتبة عامة ضمّت 25 ألف كتاب، وإقامة مركز رياضي، يضم مسبحاً وصالة مغلقة و(كافيتيرا)، بلغت تكلفة إنشائه ثلاثة ملايين ريال، وقد افتتحه الأمير (الملك) سلمان بن عبدالعزيز، وصرّح البكر بأن مسابح وملاعب المعهد ستكون مفتوحة لجميع طلبة مدارس الرياض، وليست مقصورة فقط على طلاب المعهد، الذين بلغ عددهم وقتها (عام 1394هـ)، 2200 طالب. كما أنشأ البكر معملاً خاصاً باللغة الإنجليزية مزوداً بالوسائل السمعية والبصرية، وتلفزيون مغلق، ومسرح خارجي وداخلي. وكان المعهد يفتح أبوابه لطلاب مدينة الرياض مساء كل يوم لممارسة الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية.
وخارج المعهد كانت له مشاركاته ومساهماته الاجتماعية، من ذلك أنه عمل عام 1394هـ، رئيساً للجنة الفرز المشرفة على مسابقة فوازير رمضان في التلفزيون السعودي، بمشاركة عبدالله القرعاوي، مدير عام الإدارة المساعد بجامعة الملك سعود، وعبدالرحمن الشبيلي، مدير عام التلفزيون. وحضر في عام 1395هـ، حفل افتتاح المعرض الجديد لقزاز، الذي افتتحه سليمان الصالح، وكيل أمانة الرياض، نيابة عن أميرها، ويقع المعرض في تقاطع شارع الملك مع شارع الخزان.
وفي عام 1400هـ، أُنشئت في المعهد وحدة صحية متكاملة تخدم 3500 طالباً، وتضم عيادات مختصة في الأسنان، والعيون، والعظام، والقلب. وقد قامت هذه الوحدة بفتح (سجل طبي) لكل طالب من دخوله الروضة وحتى تخرجه من الثانوية، ويزوّد الطالب بنسخة منه بعد تخرجه، ليستفيد من سجله الطبي في أي جهة يذهب إليها.
وحينما طُبّق نظام اليوم الكامل على بعض المدارس في مدينة الرياض، كان لصالح البكر رأيه المعارض لذلك، فقد ذكر في عام 1400هـ أن التطبيق لفكرة اليوم الدراسي الكامل متعثّر، وأن كل ما عملته المدارس هو زيادة ساعة خُصصت لبعض الأنشطة، وأن اليوم الكامل بمفهومه الصحيح يختلف كلياً عمّا يُنفذ الآن في مدارس الرياض. ويُضيف قائلاً: ( لقد فكرتُ في إيجاد اليوم المدرسي الكامل في المعهد منذ عشر سنوات، ولديَّ قناعة تامة من جدواه بشرط توفير الإمكانات اللازمة).

أحد الخبراء البريطانيين يزور المعهد

في الفن التشكيلي
من أهم الأعمال والأفكار الجليلة التي نهض بها صالح البكر أثناء إدارته للمعهد إنشاؤه صالة الفنون التشكيلية، التي لاتزال شامخة إلى اليوم على طريق المعذر (الملك سعود)، وكان ذلك في عام 1406هـ، وقد عُرفت هذه الصالة باسم (صالة الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز للفنون التشكيلية)، بدءاً من عام 1417هـ، تقديراً لما بذله الأمير فيصل بن فهد من جهود كبيرة في مجال الثقافة والفنون. ولعل الكاتب والناقد المختص بالفنون التشكيلية محمد المنيف خير من يُعّلق على جهود صالح البكر ودوره في تأسيس هذه الصالة. يقول المنيف: (كان الشيخ صالح البكر مستمتعاً بالحديث عن الصالة الأولى على مستوى المملكة. المبادرة الوطنية من معهد العاصمة، ممثلة في هذا الرجل الوطني والمربي الفاضل الذي يرى في تأسيس هذه الصالة رافداً تربوياً وتعليمياً.. كان يرى المستقبل فيها للفنون والأنشطة بشكل يسبق الزمن، وكان سعيداً جداً بها وبالدور الذي سينفرد به المعهد لخدمة المجتمع وثقافته والمبدعين بالفنون البصرية. وبالفعل أصبحت الصالة معلماً تشكيلياً على مدى سنوات طويلة، وقت إقامة الرئاسة العامة لرعاية الشباب معارضها المتنوعة واستضافة معارض عربية وخليجية ومسابقات دولية كانت وقتها تعيش عصرها الذهبي).
وبعد عودة الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز من رحلته الفضائية، أقام المعهد له حفلة تكريمية ولزملائه الذين شاركوه الرحلة، وقد زاروا المملكة بدعوة منه. وعلّق الشيخ عثمان الصالح الذي حضر الحفلة، وبما عُرف عنه من روح إيجابية، عبر مقالة في جريدة الجزيرة، قائلاً: (..ولن أنسى ونحن نلبي دعوة المربي الفاضل صالح البكر لحضور حفلة يستقبل فيها الأمير سلطان بن سلمان، الرائد الأول الفضائي ومعه زملاء الرحلة الذين هم أيضاً دُعوا من لدن الأمير سلطان ليروا هذه البلاد ويطلعوا على معالمها.. رأى الرواد معهداً حافلاً بالنشاط يحكي نهضة علمية باهرة، استطاع مديرها البكر أن يصل به إلى مستوى مشرّف، حيث أصبح بحدائقه الغناء وأشجاره العالية ونخيله السامقة مزاراً وملتقى لكل وافد، ومجتمعاً لكل منتدى علمي..).
ولأن الذين زاروا المعهد من الرؤساء والأمراء والمسؤولين والمشاهير من الكثرة بمكان، فقد أصدر المعهد سجلا بعنوان (المعهد والمسؤول) وذلك عام 1407هـ، قدّم له صالح البكر، وضم بين دفتيه أسماء أولئك الزوار وصورهم. وقد واصل صالح البكر مسيرة إصدار مجلة المعهد، التي صدرت قبلُ باسم (الناصرية) ثم باسم (مجلة معهد العاصمة النموذجي).


في رحلة طلابية مع عدد من طلبة المعهد
وطيلة عمل صالح البكر مديراً لمعهد العاصمة النموذجي حدثت له مواقف وطرائف مع عدد من الطلبة، وسأورد هنا مثالين يعكسان جانبين: الأول حزم إدارة المعهد مع من يتغيّب أو يحاول الخروج دون إذن مبرّر، والثاني في المقابل اهتمام رب الأُسرة بمتابعة أبنائه ومدى انتظام دراستهم.
يذكر صالح البكر في حوار في جريدة الجزيرة أن الأمير خالد بن فهد بن عبدالعزيز خرج من المعهد قبل انتهاء اليوم الدراسي، فأخبره أحد المراقبين بذلك، فاستاء البكر لذلك، عطفاً على ما يتمتع به الطالب من أدب، فاتصل بالأمير فيصل بن فهد، وكان وقتها رئيساً لرعاية الشباب، ولكونه هو المسؤول عن أخيه في المعهد، وعلى الفور حضر الأمير فيصل بن فهد إلى مكتب صالح البكر، وأجرى اتصالاً هاتفياً مع القصر، وأبلغهم بأن على الأمير خالد العودة حالاً إلى المعهد، وبالفعل لم تمضِ دقائق حتى حضر الطالب، وقدّم اعتذاره لمدير المعهد وللمراقب ولأخيه الكبير الأمير فيصل. والموقف الثاني مع الأمير أحمد بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي هو الآخر خرج من المعهد دون إذن، فاتصل مدير المعهد بوالده، الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وأبلغه بخروج ابنه دون إذن، وعلى الفور وجّه الأمير سلمان حارس القصر بمنع ابنه من الدخول وعليه الاتصال بوالده في الإمارة. ولما وصل الأمير أحمد إلى بوابة القصر منعوه من الدخول، فأراد معرفة السبب، فقيل له إن صالح البكر هو الذي يقف وراء الموضوع. فعاد الأمير أحمد إلى المعهد سريعاً، وقدّم اعتذاره للمدير شارحاً له سبب خروجه، وأنه قد اُضطر لذلك. وقد طلب من البكر أن يفعل به ما يشاء مقابل عدم إرساله إلى والده. يقول البكر: (اتصلتُ بالأمير سلمان وأبلغته شكر إدارة المعهد لمتابعته سير دراسة أبنائه، وقلتُ له إن الأمير أحمد كان في الملعب، ولطفتُ الموضوع مع سموه، فقد كان منفعلاً على إثر ذلك).
ومع هذه الجهود الإدارية والتعليمية التي بذلها صالح البكر في مدينة أبها، ثم في مدينة الرياض، في الوزارة، ثم في المعهد؛ لم تغب مدينته ومسقط رأسه حائل عن باله وعن تفكيره، فكان يتعهدها بالزيارة والالتقاء بأعيانها ورفقاء العُمر. وحينما زارها الملك خالد بن عبدالعزيز كان صالح البكر يقف في طليعة مستقبليه مع أعيان حائل وسُراتها، وقد عبّر عن الحب الذي جمع بين الملك والأهالي بمقالة كتبها في صحيفة (الجزيرة)، قال فيها: (حائل مهد طفولتي ومدرج صباي وملعب شبابي. أحبُّها من كل قلبي وأفرح لفرحها وأسعد لسعادتها.. لقد أحسستُ وأنا أتشرف بلقاء جلالة الملك ضمن إخواني أهالي المنطقة بمدى غبطته وسروره بهذا الوفاء العظيم، وذلك الحب الفياض، الذي يكنه الشعب لمليكه وقائده. وكان مما زاد في روعة المشهد وجمال الصورة أن ظهرت في إطار رائع من التلاحم والتجاوب بين الأمير مقرن بن عبدالعزيز أمير منطقة حائل وبين أهالي المنطقة الذين يكبرون فيه نشاطه وحيويته ويقدرون سعيه الدائب للنهوض بالمنطقة..).
هذه محطات من سيرة صالح البكر، لا تُلم بها، وبما قام به من أعمال، لكنها محاولة للتذكير به وبدوره التربوي والتعليمي. وقد توفي عام 1429هـ/2008م، وله من الأبناء: راشد، ومحمد، وخالد، وسعود، وفهد، ووليد، ومن البنات: وداد، وغادة، ومجد، وخلود.

ذو صلة