مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

عبدالله الفضل

عبدالله الفضل إدارة وسفارة لثلاثة عقود

د. عبدالكريم إبراهيم السمك:الرياض

برقية من إبراهيم الفضل في بومباي إلى الملك عبدالعزيز وفيها يخبره بما ألم بالأمير فيصل من مرض وهو في طريقه إلى لندن لحضور مؤتمر السلام

 

عندما قدَّم الشيخ فوزان السابق الفوزان اعتذاره للملك عبدالعزيز رحمه الله، في مسألة اعتزاله العمل سفيراً لبلاده في مصر، بسبب تردي صحته، قَبِل منه الملك قبولاً مشروطاً على أن يأتي للسفارة ببديل عنه يماثله في العمل والمكانة، فرشح له الشيخ عبدالله إبراهيم الفضل، وذلك سنة 1948م ليحل محله، وقَبِل الملك ترشيح الشيخ عبدالله، كما قَبِل اعتزال الشيخ فوزان العمل، بقصد عدم قدرته على إدارة السفارة بعد أن تردّت صحته.

وفي هذا الموقف والصورة تتجلّى لنا مكانة الشيخ عبدالله إبراهيم الفضل عند الملك عبدالعزيز، فقد عمل في إدارة الملك عبدالعزيز للدولة، في إدارات ومراكز متنوعة طيلة ثلاثة عقود، قدم في هذه السنوات للملك والدولة عظيم الولاء والوفاء، وتوجها بعمله سفيراً لبلاده في القاهرة حتى وفاته سنة 1376هـ - 1956م.

لمع اسم أسرة آل الفضل بين مجموعة الأسر النجدية التي عملت بالتجارة خارج نجد، وفي مناطق متعددة من الجزيرة العربية وبخاصة جدة ومكة والمدينة المنورة، وفي خارج الجزيرة العربية في الهند والبحرين. وكان صالح وإبراهيم ابنا عبدالله الفضل، من الذين لمع اسمهم في بومباي الهند، فهما بخلاف غيرهما من أبناء نجد (العقيلات) الذين مارسوا تجارة المواشي بين نجد والشام والعراق ومصر، فقد كانت تجارتهم تجارة سلع بتنوع مسمياتها، منها الأغذية ومنها غير ذلك، وكان منزل آل الفضل في بومباي مقصداً لأبناء نجد عندما يقصدون الهند، وقد جاء استقرارهم في بومباي هم وغيرهم من تجار نجد، من أمثال عبدالله الفوزان وغيره، لأهمية بومباي كصلة وصل بين أقاليم الخليج ونجد، مع صلة بومباي بأوروبا، فجميع قاصدي أوروبا يتجهون إلى بومباي، ومن هنا جاءت أهميتها كقاعدة صلة وتواصل، وحتى القادم إلى الخليج والعراق من خارج أقاليم الجزيرة يجب أن يكون وصوله للخليج عبر بومباي.

فعلى واقع استرداد الرياض من قبل الملك عبدالعزيز سنة (1319هـ - 1902م)، بارك هؤلاء التجار للملك عبدالعزيز استعادة حكم آل سعود للرياض، ومضوا في التواصل مع الملك عبدالعزيز، وكان منهم الشيخ فوزان السابق الفوزان والشيخ عبدالله الفوزان في بومباي، وكذلك ابنا عبدالله الفضل صالح وأخوه إبراهيم، ولهذا فلا عجب أن نجد ابني عبدالله الفضل كانا خلال تواجدهما في الهند بمثابة وكلاء للملك هناك، ويصدّق ذلك الكتب المرسلة لهما من الملك عبدالعزيز، وردهما عليها ببرقية شكر لعبدالعزيز، وإفادته بوصول ابنه الفيصل إلى بومباي، وكان قد ألمّت به وعكة صحية خلال سفره، وكان بمعيته الشيخ عبدالله الثنيان وعبدالله بن حسن القصيبي ومرافقوهم من الخدم.

وجاءت رحلة الفيصل هذه بقصد تمثيل والده في مؤتمر فرساي للسلام، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة (1919م). وكانت مجموعة الدول القائمة على المؤتمر قد وجهت الدعوة للملك عبدالعزيز للمشاركة فيه، فأناب عنه ابنه الفيصل، وكان عمره ثلاث عشرة سنة يرحمه الله.

فجاءت هذه المسألة كبداية لتواصل أسرة الفضل مع الملك عبدالعزيز والتعاون معه للإسهام في دعم سياسته لتوطيد حكمه بعد توحيد البلاد والنهضة فيها.

المولد

ولد صاحب الترجمة في مدينة بريدة، سنة (1282هـ - 1865م)، وكما جرت العادة في تعليم الأولاد في القصيم ومدنها، كان نظام تعليم الكتاب هو النظام السائد في المنطقة، وفي ظل هذا النظام اكتسب علومه الأولية، على يد علماء ذلك العصر من أصحاب الكتاتيب، ولما صلب عوده قصد الهند حيث يوجد أبوه وعمه صالح، وهو سميّ جده لأبيه عبدالله بن إبراهيم، وكانوا من كبار تجار بومباي في الهند، وفي الهند مارس التجارة مع أبيه وعمه، ولا يُستبعد أن يكون قد درس فيها حيث أتقن اللغتين الأردية والإنجليزية وقليلاً من الفارسية؛ وبعد أن أتقن العمل التجاري، قصد جدة ليفتح مركزاً تجارياً، يتواصل فيه مع مكتبهم في الهند، وقد سادت لآل الفضل أسواق الحجاز في مكة وجدة والمدينة، وذلك قبل وحدة الحجاز بنجد، حيث كانوا أصحاب سمعة كريمة في الحجاز.

ولهذا كان الشيخ عبدالله عند استلام الملك عبدالعزيز جدة، واحداً من خمسة وجهاء من أهل جدة التقوا الملك عبدالعزيز على أنه من أهل جدة، وفي اللقاء تشرف بمعرفة الملك عبدالعزيز، وسرعان ما لمس فيه الملك عبدالعزيز، انفراده بشخصية اجتماعية وأهلية علمية وفهم إداري وسياسي، ما يصلح لأن يكون واحداً من رجالات دولته، وقد تحقق للملك حسن ظنه واجتهاده فيه، وإذا ما تم لنا حساب سنوات عمله في خدمة الدولة وحكومتها وشعبها، نجد أن سنوات عمله كانت ما يقارب الثلاثة عقود. فقد بدأت سنة 1926م وانتهت بوفاته وهو على رأس عمله سفيراً لبلاده في مصر، وكان ذلك أواخر شهر رمضان سنة 1376هـ - 1956م.

أما عن وفاته فقد نزلت فيه نازلة مرضية، قصد سويسرا للعلاج، وفيها لقي وجه ربه.

وقد نعاه الديوان الملكي والحكومة السعودية والملك سعود الذي قدّرَ للفقيد، مآثره الكريمة في الإخلاص والولاء والوفاء لمليكه ووطنه وشعبه، فقدم العزاء لأنجاله وأسرته.

كما نعته الصحافة ومنها مجلة المنهل ومحررها الفاضل عبدالقدوس الأنصاري، فأثنى على الفقيد فيما عرفه فيه، وبما اتصفت به شخصيته من مكارم الأخلاق والفضائل والمثالية في الإخلاص لحكومته وبلاده، فقد كان كريماً حليماً، متواضعاً يأنس إليه جليسه، عطوفاً على الفقراء والبؤساء، محباً لفعل الخير.

 

الشيخ عبدالله إبراهيم الفضل وخلفه الشيخ محمد هزازي

 

المهام والقضايا التي تم تكليفه بها من قبل الملك عبدالعزيز

1 - المشاركة مع كل من فؤاد وحمزة ويوسف ياسين وعبدالله السليمان الحمدان بالنيابة عن حكومة جلالة الملك، بالتوقيع على المحضر المتمم لاتفاقية مكة المتفق عليها في (14/ ربيع الآخر/ 1345هـ - 21/ أكتوبر/ 1926م) بين الملك عبدالعزيز والسيد الحسن الإدريسي، الخاصة بالحماية السعودية للمقاطعة الإدريسية. وقد جاء في سبع مواد، صدَّق ووقَّع عليها وفد الملك عبدالعزيز المكلف، ومن الجانب الآخر وفد الإدريسي.

وعن هذا الاتفاق: انظر كتاب قاسم بن خلف الرويس. البلاغات الرسمية المنشورة في جريدة أم القرى منشورات دار جداول. المجلد الأول الصفحة (233) رقم البلاغ في الكتاب (127).

2 - تكليفه بمرافقة الأمير فيصل في زيارته الثانية لأوروبا، لتقديم الشكر لمجموعة الدول الأوروبية التي اعترفت بسيادة وتوحيد الحجاز بنجد، جريدة أم القرى س 2 / ص 3/ ع90 تاريخ 5/ 2 / 1325هـ 3 / 9/ 1926م. التصنيف الرقمي في فهرس أم القرى الصادر عن الدارة هو (859).

3 - مشاركته الأمير محمد بن عبدالعزيز في حملة المدينة المنورة.

4 - تعيينه في مجلس الشورى. أم القرى س2/ ع 73/ تاريخ 16 / 11/ 1344هـ - 28 / 5 / 1926م الرقم المتسلسل في فهرس أم القرى –الدارة- (715). ص3، وكان معه سليمان قابل ليكونا مندوبين عن المجلس في مجلس الشورى العام في مكة المكرمة.

5 - مشاركته في المؤتمر الإسلامي عن الحجاز، الرئيس الشريف شرف عدنان وعضوية الشريف هزاع أبو البطين والشريف علي بن حسن الحارثي وعبدالله الشيبي وسليمان قابل. أم القرى س 2/ ع 74/ وتاريخ 23 / 11/ 1344هـ - 4 / 6 / 1926م.

6 - أمر ملكي بنقل عبدالله إبراهيم الفضل من مديرية مالية جدة إلى عضوية مجلس الوكلاء. أم القرى س15- العدد (757)- 28 / 4 / 1358هـ - 16 / 6/ 1939م رقم التسلسل في فهرس الدارة (5549) ص 4 أمر سامٍ.

7 - تعيين الشيخ عبدالله الإبراهيم الفضل عضواً في مجلس الوكلاء. أمر سامٍ – أم القرى ص 4- س 22 العدد (1096)- 28 / 3 / 1365هـ - 1/ 3 / 1946م. رقم التسلسل في الفهرس (7298) المجلد الثاني.

8 - بلاغ رسمي أم القرى ص (4) – س 23/ ع 1116/ ت 20 / 8 / 1365هـ - 19 / 7 / 1946م. تعيين الشيخ عبدالله البراهيم الفضل قنصلاً عاماً للمملكة في مصر، وتعيين الشيخ جمال سنبل نائباً للفضل، والشيخ حسين فطاني كاتباً للديوان. فهرس أم القرى – الرقم (7401) المجلد الثاني.

9 - خبر ص 2/ أم القرى س 24/ ع 1170/ ت 14 / 9 / 1366هـ - 1 / 8 / 1947م. حفل كبير بمفوضية المملكة في القاهرة لانتقالها إلى مبناها الجديد. ألقى فيها فؤاد شاكر قصيدة بهذه المناسبة.رقم التسلسل في فهرس أم القرى المجلد الثاني (7819).

10 - خبر ص 4/ أم القرى س 39/ ع 1404/ ت 18 / 6 / 1371هـ - 14 /3 / 1952م. عودة الشيخ عبدالله الفضل إلى القاهرة بعد زيارته للرياض. رقم التسلسل في فهرسة أم القرى- الدارة (9735).

11 - خبر ص 2/ رفع المفوضية السعودية في مصر إلى سفارة.قدم الشيخ عبدالله البراهيم الفضل أوراق اعتماده سفيراً لبلاده. أم القرى س 39 / ع 1431/ ت 7 / 1 / 1372هـ - 26 / 9 / 1952م.

رقم فهرسة المادة في فهرس الدارة (10050) مجلد2.

وهناك العديد من القضايا التي أغفل ذكرها عن نشاطه، ومنها قضية إعادة العلاقات الرسمية مع إيران، ومرافقته للأمير فيصل سأتكلم عنها بتوسع لأهمية الزيارة في تاريخ العلاقات السياسية السعودية مع دول العالم الغربي.

توقيع معاهدة الصداقة مع إيران

كان لمجلة الشرق الأدنى للمرحوم أمين سعيد السبق في وسائط الإعلام خارج حدود مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، فقد فتحت أبواب صفحاتها في تناول أخبار المملكة والدفاع عنها في أكبر وسط إعلامي عربي، كانت القاهرة أرضه، ومما حملته المجلة قضية مناهضة كل من مصر وإيران سياسة الملك عبدالعزيز في الحجاز وتوحيده بنجد، وقد تم قطع العلاقات الرسمية من الدولتين للمملكة، لكن سياسة الملك عبدالعزيز استوعبت هذا الموقف، بسياسة التسامح وسعة الصدر، فقد قصد الحج أعداد كبيرة من الإيرانيين دون موافقة حكومتهم، وقد وجد الحجاج الإيرانيون سعة الصدر والاحترام لهم والعناية بهم في حجهم، ما أحرج حكومة إيران أمام مواطنيها، وكانت حكومة إيران قد تذرعت بأعمال التخريب للقبور والقبب التي عليها، وكان شاه إيران قد انتدب كلاً من (ميرزا حبيب الملك وعين الله خان) للسفر إلى الحجاز والاطلاع بشكل مباشر على حال الآثار التي كانت قائمة على القبور، وعادوا إلى مراكز عملهم ورفعوا تقاريرهم إلى حكومتهم.

واستمرت اللقاءات بين شدٍ وجذب، انفردت إيران عن مصر في التفاوض مع مملكة الحجاز ونجد، وقد حمل خبر العلاقات الإيرانية الحجازية النجدية، العدد/ 36 / من مجلة الشرق الأدنى الصادر في يوم الأربعاء (16 محرم 1347هـ - 4 يوليو 1928م)، تحت عنوان (بين إيران والحجاز).

كما أن الحديث عن العلاقات الإيرانية مع الحجاز ونجد، لم يقتصر على هذا العدد، بل هناك أعداد كثيرة تناولت واقع العلاقات بين البلدين، وتوج هذه العلاقات إعادة العلاقات الرسمية بين البلدين، وقد كلف الملك عبدالعزيز الشيخ عبدالله إبراهيم الفضل نائباً عنه في التوقيع على الاتفاقية، بصفته ناظراً للشؤون الخارجية، وكان برفقته عيد الرواف، وتم التوقيع على الاتفاقية في طهران في 18 ربيع أول 1348هـ مطلع شهر نوفمبر 1929م، وقد جاءت مواد الاتفاقية في أربعة بنود، جميعها في مضمونها توثق إعادة العلاقات الرسمية بين البلدين. وفي 25 من نوفمبر عاد الشيخ عبدالله ورفيق مهمته عيد الرواف للمملكة عبر بغداد - البصرة، وقد تناولت المجلة المذكورة بنود الاتفاق، وكذلك كتاب تاريخ الدولة السعودية، المجلد الثاني (عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل) لمؤلفه أمين سعيد، تحت عنوان (معاهدة صداقة مع إيران).

مرافقته للأمير فيصل في رحلته الثانية إلى أوروبا

لم يمض وقت على تحرير الحجاز من الحكم الهاشمي والتوحيد بنجد، تحت اسم مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، حتى سارعت العديد من الدول الأوروبية في الاعتراف بدولة ابن سعود، وكانت أول دولة اعترفت هي دولة الاتحاد السوفياتي، ثم تتالى اعتراف الدول، وأمام هذا وجد الملك عبدالعزيز ضرورة الانفتاح على العالم الخارجي، وذلك من خلال تكليف ابنه الفيصل بالسفر لأوروبا وتقديم الشكر للدول التي اعترفت بمملكته، وكانت تسع دول، وبسبب حلول الشتاء لم يتمكن الفيصل من زيارة موسكو، ولأهمية هذه الزيارة في العلاقات السياسة الدولية بالنسبة للملك عبدالعزيز، فقد اختار لابنه المرافقين بنفسه، وكانوا على الشكل التالي:

الشيخ عبدالله إبراهيم الفضل، حيث كان يجيد الحديث باللغة الإنجليزية، والشيخ إبراهيم بن معمر، الذي سبق له أن زار أوروبا سفيراً متجولاً للملك عبدالعزيز قبل توحيد الحجاز بنجد، وعبدالله الدملوجي مدير الخارجية الحجازية النجدية، وعبدالله موصلي قائد شرطة جدة، وديلكاتا – Delicata المدير الفني، وحملت خبر الزيارة وثائق القنصلية الفرنسية في جدة بتاريخها، وكان وكيلها إبراهيم (بوي) في جدة، والدول التي زارها هي: (بريطانيا- فرنسا- هولندا- إيطاليا- ألمانيا- سويسرا- بلجيكا). وتعذرت عليه زيارة تركيا وإيران وموسكو، وكانت فرنسا آخر محطاته التي زارها، ففي يوم 19 /10 / 1926 حل ضيفاً فيها، وبعد انتهاء الزيارة شكر فرنسا على اعترافها الرسمي بالمملكة الحجازية النجدية، وقصد مرسيليا ومنها أبحر إلى مصر ثم بورسودان ثم جدة، وخير من تكلم عن هذه الرحلة إعلامياً هو أمين سعيد في مجلة الشرق الأدنى في عددها (25) الصادر في السنة الأولى، يوم الأربعاء 13 شوال 1346هـ - 4 أبريل 1928.

ذو صلة