مجلة شهرية - العدد (572)  | مايو 2024 م- ذو القعدة 1445 هـ

فهد الفيصل

الأمير الأمين فهد الفيصل رجل سبق عصره


سليمان الحديثي: الرياض

 

قرار تعيينه وزير دولة

 

وسام الأرز

 

من يتابع الصحف السعودية في الفترة من عام 1374 - 1383هـ سيلفت نظره اسم الأمير فهد الفيصل؛ لأنه يتكرر آلاف المرات، مصحوباً بثناء عطر وإعجاب كبير. وهذه المقالة تلخص بشكل سريع وغير كامل سر وقصة هذا الرجل، مع تركيزي على الجوانب الثقافية التي تناسب ميول هذه المجلة وقرائها.


ولادته ونشأته
ولد الأمير فهد الفيصل الفرحان آل سعود في مدينة الرياض في التاسع من شهر صفر عام 1330هـ، بعد مقتل والده بأسابيع قليلة، وتكفلت بحضانته ورعايته مع شقيقه الأكبر الأمير عبدالله والدتهما، وقد أولتهما كل الاهتمام والرعاية حتى تعوضهما عن فقد الأب، فكانت خير أم، وخير مربية، فعلمتهما منذ طفولتهما الصلاة، ومبادئ العلوم الدينية، وحفظتهما بعض سور القرآن، ثم بعثتهما بعد ذلك إلى الكتاتيب كي يواصلا دراستهما. وقد عاش طفولته في بيت طيني صغير في حلّة الأجناب وسط الرياض، في حالة من الفقر وشظف العيش.
درس الأمير فهد وهو في السادسة أو السابعة من عمره في كتّاب عبدالعزيز الخَيَّال لمدة ثلاث سنوات، وقد أحب الدراسة كثيراً، وكان نبيهاً، سريع الفهم، مولعاً بالاطلاع والمعرفة، كما أتقن القراءة والكتابة سريعاً، وكان حسن الخط والإملاء، وهذا ما تدل عليه النماذج المتوافرة من خطه. ولم يتوقف بعد الكتاتيب عن طلب العلم والدراسة، وإنما ثَقَّفَ نفسه بنفسه عن طريق القراءة والاطلاع، والاختلاط بأهل العلم والمعرفة ومناقشتهم، وقد قرأ في الكتب الدينية، لكن ولعه كان منصباً على قراءة كتب التاريخ والأدب ودواوين الشعر، ولمست خلال استماعي مذكراته الصوتية كثرة استشهاده بالأشعار الفصيحة، مع سلامة النطق، وكذلك الاستشهاد بآراء بعض المؤرخين.
كانت نفسه طموحة منذ الصغر إلى إثبات الذات، تَوَّاقة إلى معالي الأمور، فلم يكتف بالتفوق في دراسته، بل حرص على أن يفعل أموراً يقوم بها غالباً من هم أكبر منه سناً، ومنذ كان في العاشرة من عمره، وبرغبة ذاتية، وتشجيع من والدته التي تحثه دوماً على الرجولة والشجاعة، بدأ يركب الخيل، ويتدرب على الفروسية، وكذلك يركب الإبل، ولم تكن تتوافر له، إذ لم يكن يملكها لقلّة ذات اليد، فكان يطلب ممن يملكونها أن يسمحوا له بركوبها ليتدرب عليها. ويذكر الأمير فهد في مذكراته أنه وهو في هذا العمر أو أكبر بسنة مشى مسافة أربعين كيلاً على أقدامه حافياً دون أن يتضجر أو يشعر بتعب، كما رافق وهو في الخامسة عشرة من عمره القوافل في السفر إلى الحجاز والقصيم والأحساء على ظهور الإبل، وأنه وأمثاله كانوا لا يشتكون من جوع أو عطش، حتى يظهروا بمظهر الرجال الذين يتحملون المتاعب والمشاق، وأيضاً كانوا في أغلب هذه الرحلات حفاة، يمشون على أقدامهم حيناً، ويركبون الإبل حيناً آخر. وقد تدرب وهو في سن الفتوة على الرماية حتى غدا ماهراً فيها. ومن الهوايات التي أحبها في بدايات شبابه الصيد بالصقور والكلاب السلوقية.
وكان يتردد وهو في تلك السن على زيارة الإمام عبدالرحمن الفيصل، والملك عبدالعزيز، ليستفيد من مجالسهما وخبرتهما. وقد حرص الملك عبدالعزيز عليه وأخيه لِيُتْمِهما، فكان يجمعهما كل خميس مع أولاده، خصوصاً القريبين منهما في السن، كالأميرين محمد وخالد (الملك). ومن الواضح أن الملك عبدالعزيز قد تَفَرَّس فيه الرجولة، وحسن التدبير مبكراً، لذلك ولاّه عدداً من المناصب بعد أن شب. وشارك فهد الفيصل في معارك الملك عبدالعزيز الأخيرة، كمعركة السبلة، وحرب اليمن، وكاد يموت في الأخيرة.
لم يقف اليُتْمُ معوقاً في طريق الأمير فهد، بل كان دافعاً له إلى التفوق، ولا شك أن الفضل بعد الله في ذلك يعود إلى التربية الرائعة التي حظي بها من والدته، وإلى شخصيته العصامية الطموحة.

فهد الفيصل وهو يستمع لتوجيهات الملك سعود

فهد الفيصل مع عمدة موسكو

في مصانع مرسيدس بألمانيا


ثقافته
لم يواصل فهد الفيصل تعليمه على المشايخ والعلماء، لكنه طوّر معرفته بنفسه من خلال القراءة التي كان مغرماً بها، فقد كان يملك مكتبة جيدة، فيها كتب منوعة في معارف متعددة: دينية، ولغوية، وأدبية، وتاريخية، وجغرافية، وإدارية، وفلسفية. وكان ولعه منصباً على قراءة كتب التاريخ والأدب ودواوين الشعر. وفي فتوته ومراهقته كان يزور الإمام عبدالرحمن الفيصل والملك عبدالعزيز، وكانت مجالسهما زاخرة بالأحاديث المفيدة في شتى المجالات، فأفاد منها. كما كان يكثر من مجالسة أهل العلم والمعرفة، ويحرص على مناقشتهم والاستفادة منهم، وكان محبّاً وداعماً لهم وللمشاريع التعليمية والثقافية، وقد أشاد بدوره في ذلك بعض العلماء كالشيخ حمد الجاسر، والشيخ صالح العمري. وعندما سافر إلى القاهرة عام 1356هـ زار متاحفها ومكتباتها كمتحف الفراعنة، ومتحف الآثار العربية، ودار الكتب، رغبة منه في المعرفة.
ولقد وعى الأمير فهد الفيصل أهمية تعلّم اللغة الإنجليزية، وخلال فترة عمله في القصيم وكيلاً لأميرها (1358 - 1366هـ)، اتفق مع أستاذ سوداني الجنسية يتقن الإنجليزية وبعض العلوم، وحضر هذا الأستاذ السوداني من جدة إلى القصيم، وأقام فيها مدة يُدَرّس الأمير فهد اللغة الإنجليزية، فعَرَف منها ما يُمَكّنه من التخاطب مع أهلها، والكتابة بحروفها، لكنه لم يتقنها، كما ساهم هذا الأستاذ في تعليمه علوماً أخرى كالجغرافيا.
لم يكن فهد الفيصل متماشياً مع التوجه السائد لدى كثير من العلماء وطلبة العلم آنذاك، الذين ينبذون دراسة وتدريس اللغة الإنجليزية أو بعض العلوم الحديثة، بكل كان مُتَطَلِّعَاً إلى المعرفة فيها، وسبب له ذلك بعض الحرج مع أصحاب التوجه المتشدد، وهذا ما تبلور بوضوح من ناحية مشابهة عندما بدأ بتطبيق بعض أفكاره الرائدة خلال عمله أميناً لمدينة الرياض.
ومن الوسائل التي اكتسب منها المعرفة، الراديو أو المذياع، فقد حرص على اقتنائه في فترة مبكرة، كان فيها الجمهور ينبذون استخدامه، بل هناك من حَرَّم استخدامه واعتبره نوعاً من أنواع السحر. وقد امتلك أول راديو عندما كان في القصيم، أهداه له أحد أمراء القصيم، وكان يستمع له سراً، حتى لا يدري به الناس، بل حتى عن بعض أقاربه يخفيه، وقد حصلت له مشكلة عندما تنامى إلى سمع بعض الناس خبر هذا الراديو، واعترض عليه بعض أهل بريدة، وقدّموا شكوى إلى أخيه عبدالله، أمير القصيم، الذي أيدهم، لكن الأمير فهد استطاع أن يتعامل مع الموقف بحكمة، فاجتمع بأحد كبار علماء بريدة، وهو الشيخ عمر بن سليم (ت 1362هـ)، وأخذ يشرح له ماهيّة الراديو، وبيّن له أنه ليس سحراً، فاقتنع هذا العالم، مما أدى بعد ذلك إلى تغيّر النظرة.
لم يكن فهد الفيصل مثقفاً فحسب، وإنما كان حريصاً على انتشار العلم والمعرفة بين الناس، ويقدم في سبيل ذلك الدعم المعنوي والمادي، وبخاصة خلال فترة عمله في الدولة. وخلال عمله أميراً على الظفير بذل جهوداً كبيرة لتوعية الناس في تلك المنطقة دينياً وثقافياً، وحين كان وكيلاً لأمير القصيم، وهو أخوه عبدالله، دَعَمَا المسيرة التعليمية. يقول الشيخ صالح العمري، وهو من روّاد التعليم في منطقة القصيم، ثم أصبح معتمداً للمعارف في القصيم، عند حديثه عن مدرسة بريدة السعودية: «كان لسمو الأمير عبدالله بن فيصل بن فرحان، ووكيله وشقيقه سمو الأمير فهد بن فيصل همّة عالية، ورغبة أكيدة، في تشجيع المدرسة وطلابها وأساتذتها ومساندتهم وتشجيعهم». وذكر أن الأمير أقام وليمة كبيرة لجميع الأساتذة والطلبة بمناسبة ختم أحد الطلبة القرآن، وأن الأمير ووكيله استقبلا الطلاب في القصر، فألقوا الأناشيد والخطب أمامهما، ثم ذكر أن الأمير فهد الفيصل أعطاه جائزة ثمينة.
وقد أوقف صاحب السيرة بعض الكتب على مكتبة بريدة عند تأسيسها. وازدادت جهوده وتنوعت في هذا المجال أثناء فترة عمله أميناً لمدينة الرياض بسبب الصلاحيات التي مُنِحَت له، فنَظَّم المحاضرات الثقافية ليستفيد منها الناس، وكانت تُعقد كل جمعة في ميدان دار الأمانة، وهذا اللقاء مفتوح للجميع، يبدأ بعد صلاة العصر مباشرة، ويحضره الأمير فهد الفيصل باستمرار، كما يحضره المثقفون والأعيان وعامة الناس. وذكر الشيخ عبدالله بن إدريس عنه أنه «خير من يشجع الأدباء والكتاب على رفع عقيرتهم بالنقد البناء الهادف، ويرحب بالتوجيهات والملاحظات الإصلاحية الإيجابية». كما كان أحد الداعمين لتأسيس جريدة اليمامة، وشركة الطباعة والنشر الوطنية، وهما أول جريدة ومطبعة في منطقة نجد، وقَدّم له الشيخ حمد الجاسر، الذي كان رئيس تحرير الجريدة، ورئيس مجلس إدارة المطبعة شكراً؛ لأنه «الذي تعهد هذا المشروع بضروب من العناية والعون في كل مناسبة». ومن جهوده في هذا المجال أنه كلّف بعض الموظفين معه في أمانة الرياض، وبالتنسيق مع الإذاعة بإعداد مسابقات ثقافية وعلمية تطرح على الناس في الإذاعة، وتقدم أمانة الرياض جوائز للفائزين. أما الدور الكبير والرائد فهو تأسيسه لدار الكتب السعودية، التي افتتحها الملك سعود يوم الخميس 2 جمادى الأولى 1378هـ، وقد جلب الأمير فهد المخطوطات والكتب المطبوعة من داخل السعودية وخارجها.


أخلاقه وشخصيته
ألمس في كلام أغلب الذين كتبوا أو تحدثوا عن فهد الفيصل في حياته أو بعد وفاته، خلال فترة عمله أو بعد تركه للعمل، محبة قوية، وتقديراً كبيراً. ومن المؤكد أن لإنجازاته الكبيرة أثناء عمله في المناصب التي تولاها دوراً في ذلك، لكن لا شك أن لصفاته الشخصية وأخلاقه دوراً آخر. إذ اجتمعت فيه صفات لا تجتمع إلا في كملة الرجال، ويكاد يتفق عارفوه ومن كتب عنه على وصفه بالحزم والأمانة والإخلاص والجد في العمل. ومما اتصف به أيضاً الجرأة وحب المغامرة. وأحد أبرز الأدلة على جرأته وحبه للمغامرة أنه أول شخص سعودي يركب الطائرة من مصر إلى السعودية عام 1356هـ، في وقت كان كثير من الناس يخاف من السيارة ولم يركبها قط، بل إن بعض أهل نجد لما رأى أول مرة الطائرة تطير عام 1361هـ ظن أنها صيحة القيامة.

المفتي يستقبل الفيصل في سمرقند عام1962م خلال رحلته إلى الاتحاد السوفيتي

في معرض دمشق الدولي عام1956م ويظهر عن يمينه الشيخ محمد العبدالله الجميح


العمل الإداري
عينه الملك عبدالعزيز وكيلاً لأمير القصيم عام 1354هـ، ثم نقله عام 1356هـ أميراً على منطقة الباحة، وكانت تسمى آنذاك الظفير. وفي فترة إمارته بالظفير التي استمرت سنة وشهرين حقق عدداً من الإنجازات من أبرزها نظام المدارك، وكانت له شهرة كبيرة ودور رئيس في حل كثير من المشاكل التي كانت تحدث في المنطقة، وحاز على رضا سكان المنطقة، وتلاشت جرائم القتل بعد تطبيقه، وقد أعجب الملك عبدالعزيز بهذا النظام، وسمّاه بتعليمات فهد الفيصل، وأمر بتعميمه في مناطق أخرى. وفي بداية عام 1358هـ نقله الملك عبدالعزيز نائباً لأمير القصيم، وظل في عمله هذا حتى عام 1366هـ. وفي عام 1373هـ عينه الملك سعود رئيساً لبلدية الرياض بصلاحيات مطلقة، ثم أميناً لمدينة الرياض، وهو أول من عين في منصب الأمانة، وظل في منصبه هذا حتى عام 1386هـ. كما منحه الملك سعود لقب وزير دولة أواخر عام 1374هـ.


بناء مدينة
وإذا كان النجاح حليفه في أعماله السابقة، فإن ما صنعه خلال عمله بالأمانة شيئاً أذهل الناس، حتى وصفه بعض الكتاب بالمعجزة، ولا يلامون في ذلك لأن إنجازاته خلال هذه الفترة مما يصعب حصره، وبخاصة إذا علمنا أن هذا كله تم في زمن كانت فيه الإمكانات محدودة والميزانية قليلة. وكل ذلك كان بتوجيهات الملك سعود، وبعمل فريق ضخم مؤهل اختاره فهد الفيصل ليعمل معه في أمانة الرياض.
بدأ العمل على قدم وساق منذ تسلم منصب رئيس البلدية، والذي تحول عام 1375هـ إلى منصب أمين مدينة الرياض. وتدل الإنجازات التي قامت بها البلدية ثم الأمانة على أن العمل فيها كان يتم بالطاقة القصوى، وزار الدكتور عبدالعزيز الخويطر البلدية حينها ووصفها بأنها خلية نحل. وهذا ما جعل البناء مستمراً، والإنجازات التي أذهلت الناس بروعتها وسرعتها متوالية، حتى أصبح فهد الفيصل وأمانة الرياض حديث الناس ليس في مدينة الرياض فحسب، بل في السعودية وخارجها، وكتبت عشرات المقالات في الثناء عليه وعلى أعماله.
بنى عشرات المساجد في مدينة الرياض وغيرها، ولم يكن في الرياض شارع واسع ولا مسفلت، وما هي إلا سنوات معدودة وعشرات الشوارع الواسعة المسفلتة والمرصوفة والمنارة تربط مدينة الرياض ببعضها. يقول العالم الشهير الدكتور أحمد زكي، رئيس تحرير مجلة العربي الكويتية، واصفاً شوارع مدينة الرياض بعد أن زارها عام 1379هـ: «في شوارعها جمال وطول... هي شوارع كأحسن ما تجد في أيٍّ ما شئت من بلاد»، ويخص شارع المطار بالحديث فيقول: «شارع طويل مسفلت، فيه الشجر يزينه على طوله، إنه شارع المطار، من خير شوارع الرياض، بل هو خيرها». وبعده بشهور قليلة زار المؤرخ أمين سعيد الرياض، فكتب عام 1380هـ عن شارع المطار: «شارع فسيح من أجمل ما تقع عليه العيون، لا في قلب نجد، ولا في قلب جزيرة العرب، بل في أوروبا وأمريكا». ثم يذكر أن هذا الشارع وشوارع أخرى في الرياض «في داخله الزهور والرياحين وأشجار النخيل، وقامت على جانبيه أشجار الأثل»، أما الإضاءة في الشارع فيقول إنها «آية في الجمال والبهاء، وتكاد تحول الليل نهاراً». ويصف أمين سعيد الرياض بجوهرة جزيرة العرب، «التي ينطق كل ما فيها بأنها وليدة عقل مبدع جبار». ومن شوارع الرياض الرائعة التي بناها: شارع الستين، وشارع الأحساء، وشارع الجامعة، وهي في حي الملز، وشارع البطحاء، وشارع الكباري. أما الحدائق والمتنزهات فقد غطت أحياء الرياض، ومنها على سبيل المثال: حديقة الرياض الجديدة، وحديقة ميدان الملك سعود، وحديقة الفوطة، وحديقة المربع، وحديقة الأمانة، وحديقة ميدان الشميسي، وحديقة الحيوانات، وهي الأولى من نوعها في الخليج العربي. ووضع نوافير في هذه الحدائق.
كانت المياه كبرى المشاكل التي تواجه مدينة الرياض المتنامية، فبذل جهوداً جبارة لحلها، وبنى سد وادي لبن في فترة قياسية لم تتجاوز ثمانية أشهر، وبنى سد وادي نمار، وجلب المياه من الحائر فملأ خزانات الرياض، مع أن كثيراً من العارفين كانوا يستبعدون نجاح هذه الخطوة، وحفر مئات الآبار في مدينة الرياض، وربط المدينة بشبكة مياه.
رأى الغاز يحرق في آبار البترول بالمنطقة الشرقية، فانبثقت لديه فكرة الاستفادة منه، وأسس شركة الغاز، وما هي إلا فترة في عمر الإنجاز قصيرة والغاز يدخل بيوت الرياض.
نقل الملك سعود الوزارات إلى الرياض، فأشرف على بناء الوزارات، وجاء الموظفون فنشأت أزمة الإسكان، فبنى فهد الفيصل عدداً من العمائر لحلها، وبنى مدينة الموظفين ومدينة الرياض الجديدة التي عرفت بحي الملز، كما بنى حيّاً للبادية.
بنى أول مبنى لجامعة الملك سعود، ودار الكتب السعودية، أول مكتبة منوعة في المملكة، وبنى بهو الأمانة الذي تقام فيه كبرى المناسبات والاحتفالات. وبنى مقر إدارة الشرطة العامة في الرياض، و12 مركزاً للشرطة داخل الرياض وخارجها، وقصر الحكم.
كان سكان الرياض يعانون من الخبز الذي يبيعه الخبازون لأنه ملوث بالسوس والديدان، فأنشأ شركة التموين الأهلية وبنى أول مخبز آلي في السعودية، وربما في العالم العربي.
وعى أهمية الرياضة في وقت كان المحافظون ينظرون لها نظرة ريبة، فدعمها وشجعها، وبنى عدة منشآت رياضية منها النادي الرياضي، والمدرج الشعبي.
وأنشأ مشروع المجاري العامة، ومجاري السيول. واهتم بنظافة المدينة، ثم أسس مصنعاً لتدوير النفايات، يحولها إلى سماد يستخدم للزراعة. وفي مذكراته الصوتية يتحدث فهد الفيصل عن هذا المصنع، وأنه الأول من نوعه في الشرق الأوسط، وأنه كان ينتج سماداً عضوياً ممتازاً، وأنه أسهم في حماية البيئة. ويتألم ويعتب لأن المصنع أُهْمِل بعده، وتوقف عن العمل.
هذا بعض ما عمله فهد الفيصل وأمانته في سنوات قليلة، ولا تزال كثير من هذه المنشآت قائمة حتى اليوم، وقد تجاوز عمرها ستين عاماً، شاهدة على رجل سبق عصره، وفكّر بالمستقبل.

فهد الفيصل حاملاً مفتاح لوس أنجلوس


أوسمة
حصل فهد الفيصل خلال حياته على عدد من الأوسمة وشهادات التقدير، فقد منحه رئيس جمهورية لبنان كميل شمعون، ورئيس وزرائها سامي الصلح الوشاح الأكبر من وسام الأرز الوطني في 15 أبريل 1957م (16 رمضان 1376هـ). كما قلده شاه إيران محمد رضا بهلوي في يوم الخميس 12 شعبان 1376هـ وساماً من أرفع الأوسمة الإيرانية، عند زيارته للرياض، كما قدم له عمدة لوس أنجلوس مفتاح المدينة تقديراً له.
وأقامت صحيفة عكاظ حفلاً عام 1417هـ، كَرَّمت فيه عدداً من الرواد ومنهم فهد الفيصل، ولفت نظر الحضور والمشاهدين عندما أعلن اسم الأمير فهد الفيصل كي يتقدم إلى المنصة ويتسلم درع التكريم من الأمير سلمان (الملك)، وتثاقل فهد الفيصل عن القيام لكبر سنه، والتفت إلى ولده كي يتسلم الدرع نيابة عنه، ففطن لذلك الأمير سلمان، وكانت لفتة نبيلة منه حين نزل من المنصة حاملاً بيده شهادة التكريم، وذهب إلى فهد الفيصل وسلمها له، وسط تصفيق حار من الحضور.

ذو صلة