مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

آن الصافي: السودان كوكب لكل كاتب فيه قارة تخصه

منى حسن: السودان


ترى الروائية والكاتبة السودانية آن الصافي أن ثقافة إنسان اليوم تستوعب آلية التواصل عبر التطبيقات المتاحة في الشبكة العنكبوتية، وبالتالي تمكنه من تسخيرها في تقديم أعمال أدبية تشرك الكاتب مع القارئ. وآن الصافي روائية وشاعرة سودانية، حاصلة على بكالوريوس هندسة الحاسوب، وهي إعلامية ومحاضرة في مجال الإدارة.
تكتب آن الصافي انطلاقاً من رؤاها الخاصة في محاولة لهدم الواقع ومحاولة بنائه من جديد. ويمتاز أسلوبها بالفنية العالية والسرد المشوق، وتوظيف الموروث الثقافي واللغوي والاجتماعي بصورة احترافية.
صدرت لها عدة روايات، أبرزها: (فُلك الغواية)، (جميل نادوند)، (توالي)، (قافية الراوي)، (كما روح)، (إنه هو)، (مرهاة)، (خبز الغجر). إضافة لكتاب فكري ثقافي بعنوان (الكتابة للمستقبل).
التقتها (المجلة العربية) في الحوار أدناه حول تجربتها الكتابية، وقضايا ذات صلة.
لمن قرأت آن الصافي من الروائيين السودانيين، وما الذي يميز الرواية السودانية عن غيرها؟
- قرأت في عدة مجالات لكتّاب من السودان، في القصة والرواية والشعر والثقافة والمقالات بتنوعها. أما ما يميز الأدب السوداني مجملاً، فهو التنوع الثقافي في السودان، المتماهي مع معطيات الطبيعة التي تشكل البيئة السودانية المتنوعة. إضافة إلى موروث الحضارات العريقة التي قامت على أرض النيلين. كلها عوامل أثرت وأضفت جماليات تميز الإبداع الذي يقدمه أبناء السودان في شتى المجالات، فلا يقدم الأدباء أعمالاً متشابهة، فكل يكتب حسب ثقافته وموروثاته ورؤاه، والنتاج يتفاوت بشكل يعكس التنوع الثقافي، وكأن السودان كوكب به لكل كاتب قارة تخصه. وهذا بالطبع أمر جيد ويدل على خصوبة المعروض وتميزه أيضاً. قال لي الدكتور نجم كاظم رحمه الله إنه وجد في النصوص الروائية لكتاب من السودان ميزة، وهي أنها تقدم عوالم تشمل الروح والمتخيل والأسطورة معاً. ربما لأن الرواية السودانية تتميز بثقافة عالية ومواهب فذة.
بما أنك كاتبة سودانية مقيمة بالخارج؛ هل تتفقين معي أن للجغرافيا دوراً كبيراً في شهرة وظهور اسم الكاتب؟
- نحن في مطلع العقد الثالث من الألفية الثالثة، ومنذ عقود نحن في عصر المعلومة والصورة وعصر الإعلام الجديد والتقنيات الذكية، وحين أتت جائحة COVIT19 تأكد كل من كان لديه شك في قيمة أدوات التواصل الحديثة ودورها المهم في الحياة. من ناحية أخرى في عصرنا الحالي التنقل من مكان إلى آخر أصبح متاحاً وأكثر سهولة ويسراً مما سبق. ولكن هل يجب أن يتم تسليع المبدع وتسليع منتوجه الإبداعي؟ هل يجب أن يشتهر النص الإبداعي أم كاتبه أم كلاهما؟ من ناحية أخرى ما دور الجوائز الأدبية والدراسات والمؤتمرات والمعارض في شهرة النص وفكر ومواقف كاتب النص وشخص الكاتب؟ هذه ليست بأسئلة تنتظر الإجابة؛ بل ربما تفكير بصوت عالٍ.
لا توجد معادلة ثابتة أو حتى مؤكدة، فقط هناك محاولات نجحت ومحاولات ربما تتطلب مجهوداً أكبر لتنجح، سواء أكان الكاتب داخل أم خارج حدود الوطن.
هل استطاعت الرواية بالفعل سحب الأضواء من الشعر لتصبح ديوان العرب في العصر الحديث؟
- الشعر له رونق يخصه ومكانة سامية في ثقافات شعوبنا، بل هو جينة أصيلة لهذه الثقافات ترثها أجيالاً تلو أجيال. من ناحية أخرى من الجيد أن يكون هناك عدد كبير من النصوص السردية وتحديداً الروائية، على أن تتسم بجماليات تضفي جودة على هذه الأعمال، ففي كل الأحوال البقاء للأصلح. أيضاً فإن الرواية تحمل في طيها سمات المجتمع وقضاياه وأفكاره وتفاصيل الثقافة التي يحملها هذا المجتمع. ربما الشعر يقوم بذات الدور، ولكن السرد يتيح مساحة أكبر للإسهاب ووضع التفاصيل إن جاز التعبير. وقد تقدم أبيات قلة من الشعر ما قد يحمله عدد من الروايات، وفي الحالين نجد الإبداع عبر اللغة والمستفيد هو المتلقي والمجتمع بحفظ تفاصيله في قوالب متنوعة. لكن من الجيد أن يعبر كل من الشاعر والروائي عن إبداعهما بالحرف، وأن تتوافر مساحات متنوعة للمتلقين، بما يوافق ذائقة كل منهم وثقافته.
إلى أي مدى قلّصت الرقابة الذاتية حريّة الإبداع لدى المرأة العربية، وقللت بالتالي من اتساع شريحة قرّائها؟
- المجتمعات الذكورية تقصي المرأة وفكرها وإبداعها بشكل مباشر وغير مباشر أيضاً، ولكن إلى متى؟! بعض الكاتبات تجاوزن الأسوار الشائكة وقدمن أعمالهن بعقول إبداعية، إذ استوقفتهن قضايا وكتبن عنها بكل وضوح. الحقيقة نحن في عصر أصبح متاحاً للكل أن يكتب ما يشاء وكيفما يشاء من ناحية، ومن ناحية أخرى لدينا رائدات في الكتابة الإبداعية، فتحنَ مسارات واعدة وناجحة في المشهد الثقافي مما شجع الأجيال بعدهن للمواصلة. الوضع مجملاً يتطلب ثورة ثقافية لتصحيح المفاهيم التي تنصف الإنسان رجلاً كان أم امرأة حيال الإبداع، وفهم قيمته وأهميته للفرد والمجتمع. ولا تعني الكتابة بحرية أبداً الإساءة لأي طرف، بل الحرية المقصودة هنا هي التطرق إلى القضايا التي تهم إنسان اليوم والغد، وقد تضيء مسار المجتمعات وتسهم في تقديم نصوص تحسب لكاتبها ومجتمعه، سواء كان العمل المنجز من كاتب أو كاتبة.
تقولين عن مشروعك الكتابة للمستقبل: (إذا لم نكتب للأجيال الحالية والأجيال القادمة لم نكتب إذن؟) فما أهم ملامح المشروع وأهدافه؟
- الكتابة للمستقبل مشروع فكري ثقافي قدمته عبر أوراق ومقالات تشرح مبادئه وسماته. والأعمال الأدبية التي أقدم ليست إلا تطبيقات لذلك. تتمحور ملامحه في فهم الحاضر عبر دراسة ما قدم في الماضي، وهذا يسهم في تشريح ما نحن عليه، من هنا نستطيع أن نجتهد ونسهم في تقديم ما قد يصحح المسار نحو الغد لوضع أرضية صلبة لأجيال المستقبل لمواكبة عصرهم، أي أن نأخذ بعين الاعتبار أدوات العصر وأثرها في فكر الفرد ومسار المجتمعات ومستجدات القضايا التي تهم إنسان اليوم بشكل يواكب متغيرات حياته. الكتابة للمستقبل مسار جديد في الكتابة يهتم بتقديم أعمال تتسم بالأصالة ما أمكن، وطرح قضايا في محاور إنسانية تهم الفرد والمجتمع وتهتم بالطبيعة والبيئة والاستدامة والفلسفة والعلم، والتركيز على جماليات الثقافات مثل التسامح والسلام.
خلق الإنترنت عوالم جديدة أنتجت ما يسمى بالأدب التفاعلي، وكنت ممن خاضوا هذا التجريب الكتابي، فكيف تصفين التجربة؟
- الكتابة التفاعلية تُعنى بأدوات العصر وما تقدمه للفرد والمجتمع، وثقافة إنسان اليوم تستوعب آلية التواصل عبر التطبيقات المتاحة في الشبكة العنكبوتية، وبالتالي من الممكن تسخير ذلك في تقديم أعمال أدبية تشرك الكتاب مع القراء. هذا ما حدث معي أنا والزميل الأستاذ عبدالواحد ستيتو الذي يعتبر من الرواد في هذا المجال، ونجح في تقديم تجارب فردية سابقة. اتفقنا على تقديم عمل مشترك عبر تطبيق فيسبوك، بتخصيص صفحة لكتابة فصول الرواية، كل له فصل بالتوالي. في تواصلنا اتفقنا على فكرة العمل واسمه (في حضرتهم)، وترك كل منا للآخر أن يأخذ النص عبر كتابة فصله كيف يشاء، وينتظر الآخر أن يقرأه مع المتلقين في الصفحة، ومن ثم يقوم بكتابة الفصل الذي يخصه.. وهكذا. هناك مساحة جيدة للمتلقي أن يعلق على كل فصل كما يشاء، ولنا ككتاب أن نأخذ بوجهة نظر المتلقين أو لا، أو تحديد مسار لا يوافق ما ورد من توقعات وتكهنات لتحقيق مبدأ الدهشة بشكل يخدم النص. الحقيقة التجربة وجدناها مثمرة مما يشجع على وضع أجزاء من هذه الرواية وليست رواية واحدة فقط. كما هو نهجي وضعت في النص السردي المتخيل العلمي والاهتمام بقضايا البيئة والطبيعة والثقافات الأصيلة والكثير من المفاجآت. بمشيئة الله ستطبع الرواية ورقياً، وستكون متاحة للقراء أيضاً عبر صفحتها المخصصة في تطبيق فيسبوك.
ماذا عن آن الشاعرة؟
- الشعر هو أكسجين الحرف في عوالم الإبداع، فلا غنى عنه. من منا لا تستميله اللوحات الفنية التي يبدعها الشعر. في هذه المرحلة أفضل كتابة الرواية والتي قد يتداخل معها الشعر، فهذا أمر مباح طالما أنه سيخدم الغرض المراد في الحبكة الروائية. من حين لآخر تنشر لي بعض النصوص في الصحف والمواقع المتخصصة، وربما لاحقاً أصدر دواوين وربما لا. لم أقرر بعد.

ذو صلة