مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

التشكيلي د. أحمد جابر : الدراسة الأكاديمية تساعد في صقل الموهبة

التشكيلي د. أحمد جابر :  الدراسة الأكاديمية تساعد في صقل الموهبة
حوار: منى حسن: السودان


الدراسة تصقل الموهبة وتنميها، هكذا يرى الفنان التشكيلي والروائي السوداني د. أحمد جابر، الذي تحتفي أعماله الفنية بالمرأة والتراث والإنسان السوداني، جنباً إلى جنب مع الخط العربي الذي وجد مكانه بين فوضى اللون وبياض الورق في لوحاته الفنية هامساً للرائي بحلاوة الانتماء إلى لغة الأسرار العظيمة والجمال اللامحدود.
و د. أحمد عامر جابر فنان تشكيلي سوداني، من مواليد الجزيرة أبا، يصعب اختصار منجزه الفني والأكاديمي والثقافي في مساحة محدودة الحروف، حيث تنوعت اشتغالاته الإبداعية بين الفن التشكيلي، والروائي إضافة لعمله في المجال الأكاديمي والصحفي، والبحوث التربوية والثقافية. أقام الكثير من المعارض الفردية داخلياً وخارجياً. وحاز عدة جوائز محلية، إقليمية وعالمية. وكتب عنه وزير الإعلام السعودي السابق د. عواد العواد في المجلة الثقافية السعودية في لندن عندما كان يعد للدكتوراه مقالاً بعنوان: أحمد عامر جابر، تشكيلي سوداني ينطلق نحو العالمية. له عدة أعمال منشورة بالعربية والإنجليزية إضافة لرواية بعنوان (دوائر الوعي واللاوعي). وهو حائز على ماجستير الفن والتصميم والثقافة البصرية من جامعة لندن جيلدهول/ لندن ميتروبوليتان في 2003، ودكتوراه الفلسفة في الفنون من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا 2016.
التقته (المجلة العربية) في الحوار أدناه عقب معرضه المعنون بـ(الكنداكات: لؤلؤ ولوتس النيل) الذي أقيم في لندن أكتوبر2019 إلى يناير 2020.


هلا منحتنا إضاءة حول الملامح الخاصة التي اتسمت بها تجربتك في معرضك الفني الأخير (الكنداكات: لؤلؤ ولوتس النيل)؟
- في البدء، لابد من توضيح لكلمة (الكنداكات) التي هى جمع (كنداكة). هذه الكلمة التي انتشرت أخيراً وذاعت في الورى إثر قيام ثورة ديسمبر 2018 بفضل مشاركة المرأة الكبيرة فيها ترجع لتسمية المرويين (سكان مملكة مروي القديمة) لشقيقة ملك كوش والملكات النوبيات من بعدها. لقد اشتهرت بعض الملكات بقوتهن وخوضهن الحروب كمقاتلات بجانب حبهن للزينة والجمال كإناث كما تظهر الآثار. فكرة المعرض الاحتفاء بالمرأة عامة والمكافحة خاصة كرمز. لقد افتتح المعرض الذي صاحبته فعاليات مختلفة منها ورشة فنية قدمتها عن دور الخط العربي في أعمالي (ذا هامبل قاليري) في لندن في 4 أكتوبر 2019 واستمر حتى 4 يناير 2020. ضم المعرض ثلاثاً وعشرين لوحة مختلفة الأحجام والمواد تم تنفيذ معظمها في الفترة من 2017 إلى 2019.
هل يمكننا اعتبار أن معرض (الكنداكات: لؤلؤ ولوتس النيل) هو امتداد لمشروعك التربوي لتدريس (الهوية الثقافية)؟
- نعم يمكن قول ذلك. هذا المعرض لا ينفصل عن مشروعي التربوي كمعلم أو أكاديمي ولا كفنان بصري معني بالتعبير عن نفسي وقضايا شعبي وأمتي الثقافية في حوارها الدائم مع الآخر من أجل إعلاء القيم الإنسانية العليا بين البشر. يؤكد هذا القول ما تضمنته الورشة المذكورة.
الروائي والفنان التشكيلي أيهما يختزل الآخر فيك ولماذا؟
- مع أن لكل عباءته أستطيع أن أقول إن الفنين يتحاوران عندي بمستوى متقارب جداً، لأن الأمر يرجع في الحالتين إلى الصورة الذهنية والحالة النفسية أو المزاجية التي ينتج فيها العمل الإبداعي بشكل عام. بمعنى آخر، هنالك صورة ماثلة في الذهن تتنزل أحياناً في شكل كتابة منثورة أو منظومة وأحياناً في هيئة صور بأسود على أبيض أو العكس أو ملونة بألوان أخرى تتدرج لقوس قزح. حينما أرسم تتداعى الأشياء أمامي تماماً كما كانت تتداعى عندما كتبت رواية (دوائر الوعي واللاوعي) قبل سنين. الفرق عندي في شكل المنتج ولكن ليس درجة حضوره في. اللوحة تختزل الرواية لكن التشكيلي لا يختزل الروائي بل هو قرينه إلى حد ما.
ماذا يرى الداخل إلى (دوائر الوعي واللاوعي)؟
- الداخل إليها يرى كيف صارت حروف ما كتبه نقاد مثل الأستاذ الراحل أحمد عبدالمكرم، البروفيسور محمد المهدي بشرى والأستاذ عز الدين ميرغني عنها صوراً. يقول المكرم: (هذه الرواية بمثاقيلها الماضوية تظل عملاً رمزياً بامتياز يحاول أن يخبرنا عن الحاضر، بأكثر مما نظن أنه حديث عن الماضي). ويقول بشرى: (نلاحظ أن الكاتب اختار أسلوباً أقرب ما يكون للسرد الدائري. فالسرد يراوح بين الماضي في الجزيرة أبا والحاضر في عدة أماكن مثل الخرطوم ولندن). ويضيف ميرغني: (هي من الروايات الأولى في السودان التي تحفر في المكان).
ما سر احتفاء كثير من أعمالك بفنون الخط العربي؟
- الحرف العربي هو أول حرف أنطقه وأول حرف أكتبه وأخطه على لوحي الخشبي الصغير كاتباً به في صغري بعض كلام الله. أي عندما كنت أذهب إلى (الخلوة) (مدرسة تقليدية لتدريس القرآن واللغة العربية). هذا الحرف تعلمته على أصوله حينما كنت طالباً بقسم التصميم الإيضاحي بكلية الفنون الجميلة والتطبيقية في السودان ولكني لم أتعامل معه كخطاط متخصص بل استوعبته في أعمالي الفنية لجماله ولأنه أحد عناصر هويتي الثقافية.
دراسة الفن التشكيلي تصقل الموهبة، وتنميها، أم تضع سقوفاً للإبداع حين تؤطره بقوانين ومدارس فنية؟
- الدراسة الأكاديمية تساعد كثيراً في صقل الموهبة وتنميتها. طبعاً يتجه الكثير من الناس لدراسة الفن بحثاً عن الشهادات التي تؤهل لفرص عمل أفضل. بعد الدراسة الأكاديمية الصارمة يتحرر الفنان الحقيقي ويبحث عن أسلوبه الخاص والبعض يفضل الأكاديمية. لاشك أن الالتزام بأسلوب معين يحد من قدرات الفنان، الأفضل أن يكون المبدع منفتحاً ومجدداً دائماً.
قدمت معرضاً بعنوان (المرأة في شعر ت. س. إليوت)، سنة 1992 في المجلس الثقافي البريطاني في الخرطوم، فكيف تصف من تجربتك في العلاقة بين الشعر والفن التشكيلي؟
- في هذا المعرض أيضاً تعاطيت مع المرأة كرمز جدير بالتنويه عنه في كل آن ومكان. فيه تناولت نساء (الأرض الخراب) و(أربعاء الرماد). هاتان القصيدتان تناولتا قضايا الإنسان الحياتية الملحة كما في القصيدة الأولى ومتعلقات أشواقه الروحية العليا كما في الثانية. الشعر عندي هو الوعاء الشفاف الحاوي لكل شفيف ولاسيما الحكيم منه وما أكثره. الشعر والفن صنوان وقولي فيه مثل ما قلته سابقاً عن الرواية. هنا الصورة الشعرية في المخيلة تستضيفها اللوحة بألوانها وما توحي به من أحاسيس مختلفة. موسيقى الشعر وإيقاعاته تقابلها ألوان اللوحة وأشكالها. باختصار، الشعر والفن وجهان لعملة واحدة هي الإبداع.
ما هي رؤيتك للاتجاهات الحداثية في الفن، وبالأخص في الفن التشكيلي؟
- هذا الفن كأي عمل إبداعي آخر في حاجة مستمرة للتحديث والتجديد وهذا من طبع البشر. هذه الاتجاهات ضرورية للبقاء ومواكبة المتطور حولنا من إنجازات في ميادين مختلفة.
تطور التقنيات الإلكترونية الهائل الذي ظهرت من خلاله برامج تصميم ورسم ذات احترافية عالية، هل تخدم في نظرك الفن أم تشوهه وتتغول عليه؟
- عموماً هذا التطور ليس خصماً في كل الأحوال على الإبداع بل هو إبداع آخر يفتح مجالات واسعة للإبداع فيه وفي غيره. طبعاً أنا مصمم بحكم تخصصي لكني آثرت التعامل كفنان تشكيلي ينتج اللوحات ويعرضها. ليس هنالك تشويه أو تغول فلكل مكانه بجانب مبدعيه ومحبيه.
كيف تقيم وضع الفن التشكيلي في المجتمعات العربية في ظل هذه الأوضاع المتأزمة، وهل ترى أنه كان ومازال محط اهتمام النخبة دون البقية؟
- هذا السؤال يتجاوز المجتمعات العربية إلى غيرها. مسألة تأزم الأوضاع والاهتمام بالفن عموماً نسبية. العالم كله في اعتقادي يعاني من أزمات مختلفة وتذوق الفن يختلف من مكان لآخر. لكن يمكن القول إن ثقافة منطقتنا شفاهية في عمومها والفن التشكيلي بمفهومه الغربي (لوحة الحامل والمعارض) جاءنا من الغرب كفن الرواية. هذا الفن وفنون أخرى كالمسرح والموسيقى لم تعرفها مدارسنا أو تدرسها كما ينبغي. إنها فنون الشعب وليست النخب، نحن نحتاج توفير بيئات خاصة وهذا ما يصعب توفره عندنا بشكل خاص وعالمياً بشكل متفاوت.

ذو صلة