مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

منى السليمية: المجاملة تفقد الجوائز موضوعيتها

حوار/ عبدالرحمن الخضيري: مسقط


تأملت خطواتها وهي تصعد منصة التكريم، سافرت بي الذكريات إلى ضفاف اللقاء الأول، النظرات الأولى، حيث لامست فيها شيئاً عميقاً حقيقياً، رغم حداثة تجربتها في الساحة النقدية إلا أنها صنعت لها اسماً مستقلاً لامعاً في المشهد الثقافي العماني والعربي، توجت على إثره مؤخراً الباحثة الناقدة الدكتورة منى بنت حبراس السليمية بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والأدب في دورتها التاسعة لعام 2022م بفرع الأدب في مجال (المقال) وكان لنا معها هذا الحوار.

بداية نبارك لك حصولك على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في مجال المقال عن فرع الآداب.. ثم ماذا لدى الدكتورة منى بعد ذلك؟
- شكراً لـ(المجلة العربية) على التهنئة وعلى هذه النافذة الحوارية. أما سؤال ماذا بعد؟ فلطالما كان هناك جديد أعكف عليه، ولكن الوقت لم يكن مهيأ في الفترة الماضية لنشره بسبب انشغالي بالدراسة، ولكن منذ السنة الماضية وأنا أحضّر مجموعة إصدارات للنشر، وبحول الله سيكون لي كتاب جديد في معرض مسقط الدولي للكتاب القادم في أواخر فبراير 2023 بعنوان (ظِلٌّ يَسقطُ على الجدار)، وهو كتاب يضم نصوصاً أدبية. بالإضافة إلى كتب أخرى أحضّرها للنشر بعضها أدبية وأخرى نقدية أرجو أن ترى النور تباعاً.
بالتأكيد وصلتك الآراء التي تناولت حصولك على الجائزة وتحفظها على محدودية تجربتك الكتابية الزمانكية فما تعليقك؟
- قد تكون هناك تحفظات لا أعرف عنها، وربما لدى أصحابها مبررات من قبيل حداثة تجربتي الكتابية مقارنة بأسماء أخرى من المرجح أنها شاركت في الجائزة أيضاً. ولكن الدورة العمانية في جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب تختلف عن الدورة العربية (التقديرية) التي تقيّم مجمل تجربة المشارك ونتاجه الأدبي والثقافي، بينما في الدورة العمانية فيجري تقييم العمل الواحد المقدم بصرف النظر عن اعتبارات طول التجربة أو قصرها، وبغض النظر كذلك عن أعمال المشارك الأخرى خارج دائرة التقييم المحددة بالمقالات العشرة (كما في مجال المقالة في هذه الدورة). وأحسب أن لجنة التحكيم كانت معنية بالنظر في المقالات العشرة المقدمة فقط من كل مشارك كما نصت الشروط، بصرف النظر عن أعماله الأخرى وعمره الكتابي. وكما أقول دائماً: لا يعني فوزي بهذه الجائزة (الأهم عمانياً) أني أفضل المشاركين، ولكن لربما كان لاختياري المقالات العشرة دور في هذا التتويج، كما كان لرؤية لجنة التحكيم دور كذلك في هذه النتيجة. وفي كل الأحوال أنا سعيدة جداً بالنتيجة وبالآراء كلها، وحتى المتحفظة منها إن وجدت، لأنها حالة صحية تصحب الجوائز الكبرى عادة.
رُوي لي أنك مازلت تحتفظين بدفاترك في حصة التعبير أيام الدراسة حتى اليوم، فما سرها؟
- هذا صحيح. لدي الكثير من الدفاتر التي كنتُ أحتفظ بها في صندوق كبير، قبل أن أنقلها إلى خزانة خاصة بها. تلك الكتابات وإن كانت تبدو مضحكة وأنا أطالعها الآن، غير أن لها مكانة خاصة في نفسي، فهي تذكّرني كيف كنت أفكر، وأي مستوى كنت عليه، وتجعلني أندهش أحياناً من قاموسي الذي كنت أستخدمه في التعبير عن أفكاري، وحتى تركيبي للجمل. معظم تلك النصوص تعود إلى المرحلة الإعدادية والمرحلة الثانوية، وهي مكتوبة كلها في دفاتر التعبير. أحياناً تحدّثني نفسي بالتخلص من تلك الدفاتر خشية أن يأتي بعد وفاتي من يعتقد أنه يحسن صنعاً فيقوم بنشرها! المفارقة أني أحتفظ إلى جوار دفاتر التعبير بدفاتر مادة الرياضيات والقصاصات التي كنت أحل فيها المسائل الرياضية. في المدرسة كنت أحب مادة الرياضيات كثيراً بسبب المعلمة التي حبّبت إليّ المادة، وكنت أحلم أن أكون معلمة رياضيات، وبسبب هذا الحلم اخترتُ القسم العلمي في الثانوية، ولكن ما لبث شغفي بالأدب أن أعادني إلى المسار المقدر لي عندما قررت التحويل من كلية الزراعة والعلوم البحرية، بعد مضي فصل واحد فقط من دراستي الجامعية، لألتحق بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس.
آخر لقاء جمعني بك برفقة فنجان قهوة على شاطئ القرم العمانية ذكرتِ لي ثلاث صور تناولتِ بها الراحل السلطان قابوس فهل تأذنين لترويها للقارئ السعودي والعربي؟
- تلك كانت ثلاثة مواقف كنتُ فيها أمام السلطان قابوس، رحمة الله عليه، من مسافة قريبة، من غير وسيط من شاشة متلفزة أو صورة مبروزة. أولها عندما كنت في الثامنة من عمري في عام 1992، والثاني عندما كنت في الصف الثالث الإعدادي في عام 1999، وآخرها بينما كنت أنهي متطلبات الفصل الأخير من دراستي للماجستير في عام 2010. كتبتُ عن هذه المواقف بالتفصيل في نص حمل عنوان (ثلاث صور من مسافة قريبة) ونُشر في جريدة عمان في الذكرى الأولى لوفاته -يرحمه الله- بتاريخ العاشر من يناير 2021م، وسيكون هذا النص ضمن كتابي القادم الذي أشرتُ إليه في معرض الكتاب القادم. هذه المواقف محفورة في ذاكرتي، وأحسبها من أجمل الذكريات التي مرت في حياتي، فالسلطان قابوس شخصية استثنائية ومحبوبة بشدة، وحاولتُ من خلال هذا النص أن أكتب عنه بشكل مغاير عما يُكتب عادة في هذه المواقف، منطلقة من التجربة الشخصية في الحديث عن سلطان بحجم مكانته الراسخة لدى العمانيين.
أين مكامن الخطورة على المبدع من الجوائز المتناثرة في كل قطر عربي؟
- أحسب أن الخطورة ليست في كثرة الجوائز، لأنها ضرورية لما تخلقه من حالة ثقافية تنعش المشهد العربي، ولكن الخطورة عندما تُصدّر هذه الجوائز أعمالاً لاعتبارات غير أدبية، كمجاملة الأسماء الكبيرة، أو الوقوع في فخ المناطقية، أو اعتماد نظام المحاصصة بين الدول التي ينتمي إليها المشاركون. وإذا كان هناك ما يجب الحرص عليه فهو أن تعمل هذه الجوائز على ضمان موضوعية لجان التحكيم، وحياديتها، وأهليتها لتقييم الأعمال المرشحة.
تعيش الصحافة، وتحديداً في منطقتنا، منعطفاً وجودياً -في ظل المنصات الرقمية وتنامي منصات التواصل الاجتماعي- وبصفتها الحاضن (الصحافة) الرئيس للمقال طوال عقود، فكيف تستشرفين مستقبل المقال وقيمته وتأثيره؟
- لحسن الحظ، المقال لا يشترط منصة بمواصفات ثابتة لكتابته، فكما تتسع له الصحافة الورقية، تتسع له كذلك المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي. ولا أحسب أن المقال الصحفي يعاني من تراجع الصحافة الورقية وتنامي منصات التواصل الاجتماعي، بل على العكس، زادت هذه من وتيرة تداوله وانتشاره. وفي ظني أن المقالات لو بقيت رهينة الصحافة الورقية لما لاقت الرواج الذي تحققه لها الآن وسائل النشر الإلكتروني. رابط صغير أو نص مكتوب على صفحة واتساب أو فيسبوك يكفل وصوله لشريحة أعرض على امتداد الجغرافيا الأكبر. أظن أن الصحافة برمتها أمام فرصة ثمينة لتتكيف مع العصر، وأن تسجل حضورها في الفضاء الرقمي لأنه لغة عالم اليوم، ولا سبيل للتراجع عن هذا الواقع أو رفضه، بل الرابح هو من يعرف كيف يوجد لنفسه موطئ قدم في الفضاء المفتوح. في حوار أجريته مع رئيس تحرير جريدة عمان في منتصف ديسمبر 2022، أخبرني أن الإحصائيات التي أجرتها وزارة الإعلام العمانية أظهرت أن عدد قراء الصحيفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية يفوق أعداد قرائها ورقية، ويقول إن الجريدة تعمل على استثمار هذا والاستفادة منه. وما دام العالم برمته يتجه في هذا الاتجاه فليكن، فليس الشكل أو الوسيلة الحاوية هو القضية، بل المحتوى هو الأساس.

ذو صلة