مجلة شهرية - العدد (576)  | سبتمبر 2024 م- ربيع الأول 1446 هـ

الافتتاحية

يذهب علم اللهجات نحو إجراءات بحثية ودراسية تصب في مجملها في بحر اللغة، التي تتفرع عنها لهجات محلية متعددة، وهو مجال من مجالات علوم اللغة الرصينة والمهمة دون شك، إلا أننا في ملف (المجلة العربية) لهذا العدد، نستهدف مساراً مغايراً مرتكزه الأساس هو جمال التنوع الثقافي في اللهجات المحلية لدى مختلف أقطار العالم العربي.
اليوم، ومع شيوع وسائل الإعلام خلال القرن المنصرم، ثم مع ذيوع شبكات التواصل الاجتماعي ووسائط الاتصال الرقمية حالياً، يبرز انصهار الكل في مستويات وسيطة ووسطية، يلتقي عندها الجميع، على مستوى اللغة، واللهجة، والتعبير، واللبس، والذائقة المشتركة، وربما القيم العامة البينية ذات الاتفاق العام، وهذا في مجمله ليس إشكالاً، لكنه حين يكون نمطاً عمومياً ومكرساً فهو بالتأكيد أمر يستوجب التوقف والنقاش.
مسألة اللهجات هي إحدى المسائل التي طالها التمييع نحو النمط المشترك حتى تكاد تتلاشى هويات الأصوات اللهجاتية الخاصة بالجهات. ففي السعودية، مثلاً، وهي بمساحتها الشاسعة أشبه ما تكون بقارة، تنعم بالتنوع الفريد على مستويات الثقافة واللبس والمأكولات واللهجات ونحوها، إلا أن السياق العام أوجَد لهجة وسيطة عامة مشتركة، يكاد معها أن نفقد تحديد ملامح اللهجة الخاصة لكل جهة، وربما تجاوز هذا إلى فقدان الجهات للهجاتها الخاصة، حتى حال التواصل فيما بين أفرادها، ما يعني فقدان أحد أشكال التنوع الثقافي والجمالي، التي يجب الحفاظ عليها وحمايتها من الذوبان والتلاشي والانصهار.
وعوداً على علم اللهجات المعني بالغوص في أعماق اللهجة المحلية، واستظهار ما تحويه من كنوز تقود إلى جذور الأصوات واللغات والثقافة، وهذا مكسب غاية في الأهمية، فإن البُعد الجمالي المرتبط بالاستثمار السياحي لن يكتمل إلا بحضور اللهجة المحلية لأماكن جذب السياحة، بوصفها مكوناً ثقافياً وجمالياً للمكان وللإنسان، الأمر الذي يحتم ضرورة التفكير في مشروع عربي يُعنى باللهجات المحلية، فالتنوع الثقافي واللهجاتي ثراء وجمال، وحق طبيعي يجب الحفاظ عليه.

ذو صلة