هو ذا يُلوّح للبعيد
يَزُمّ أشرعة النهار
ويقتفي ظِلاً إلى البحر
الصَّموتِ عُبابهُ
ويَمُد لَحناً كالأجيج
يُخاطب المرسى
لعل الرمل يرجعُ تائباً
عمّا جَناه يَبابُهُ
يَنأى فتدنو
الناعسات من النجوم
وينحني قمرٌ عليه
ألا حنين يستفيق تُرابه؟
لم ينتخب وجهاً
ولم يحرث فماً
وسَرَت برِجليه الخطى
مُؤتَمةً بالريح
يا للريح.. تلك ثيابه
وتَراه من فرطِ المدامع
سالَ بالظل الرَّخيم
يَلُمُّه ثمِلاً
فلا تدري
هو المُنداح في حُزن المدى
أم أن ذاك سرابهُ
أوحى إلى الأشياء
سَورةَ شِعره
فتنزَّلت بالوجد
ثم تشجَّر المعنى وحيداً
لم يزل في الخَصْف
يُبديه التشابك بالأسى
فلعلّه خلف المعاوِل
قد غفا حطَّابه
المستحيل من الخيال
خَيالهُ
والمستفيض على الحضور
غيابهُ
وهو الذي لو شاء
بَلَّ هجيرَهُ بالمُثقلات
ونَزَّ كُثبان الحقيقة
في السُّرى
لكنه الظمأُ المُهيب
وسِرُّ هذا المُستهام
إذا رأتهُ سحابهُ
فوضوحهُ كُفْرٌ
وإيماءاتهُ قَبَسٌ من الزُّلفى
تُقيم مآذناً تشدو
فتُسْبَحُ بالعروج قِبابهُ
وهو الذي لم يقترف
إلا التوجُّسَ من غدٍ مُتأرجحٍ
أيامهُ وَثَبَت عليه
وإن تداعت في اليدين
الذكريات
بكى الصدى،
شُدَّتْ على ريح الصبا أطنابهُ
لم يبتسم إلا على هذيانه
عجباً
ويُعرف بالبكاء صوابهُ
أسماؤه تلك الحَماماتُ التي
انتبذَتْ وراءَ النخل تحرسُ أهلها
فهو الذي يرعى الدروب مُحدقاً
وهو الوقوف المَحضُ
في جَرَيانه
نهرٌ تمطَّى في الذهاب إيابهُ
العابراتُ
نفَخْن في صلصاله
روح الصبابةِ
والجَوَى المحموم
ثم صلبْن في أحشائه
قلباً توقَّد بالحنين ثِقابهُ
وأدرنَهُ كأساً
بمُعترك النُّدامى
يستريح بِزِنْدهنَّ مُسهَّداً
وهناك في عُرس الغواية
والخلاليل التي قَرَعت
دُفوف القلب
أضحت حينها أنخابُهُ
فأدرنَهُ وأدارهُنَّ
قصائداً
عيناه نافذتان
تنضح بالسّنا
وجميع أبواب الهوى أبوابهُ
فإذا انثنى القُربان عند شفاهِهِنَّ
رَمينهُ
وأَبين إلا أن يكون
ربيب جُبٍّ ثاكلٍ
إذْ لم تكن سيارةٌ تحنو عليه
وَهُنَّ هُنَّ ذئابُهُ
حتى تنزَّل
في الغياهب وَحيهُ:
لا تحتجب!
يشتاقك الوطن الأخير
ووجه عامٍ آخرٍ
لُذْ بالقصيدة واغتسل بالشِعر
طابَ رِضابُها.. وشَرابهُ
واركض بقلبك للسماء
هناك روح باردٌ
وهناك تحلُمُ بالحقيقة
ثَمَّ لا رُوحٌ تموتُ
وثَمَّ ربٌّ ليس يُغلق بابهُ