مجلة شهرية - العدد (588)  | سبتمبر 2025 م- ربيع الأول 1447 هـ

التذكار

بينما كان يمشي ساهم البال، يبحر بعينيه في تدرّجات الغروب، نظر إلى هاتفه كما يفعل كل دقيقة، عادةٌ كوّنتها متلازمة العمل عن بُعد والتواجد الرقمي في واقعٍ معزول.
وصلته رسالتها:
(أهلاً، اتصل بي اليوم لأمر مهم).
ضغط على اسمها ورفع الهاتف باستعجال. عبر الأثير جاء صوتها، هادئاً كعادته، يوقظ الانتباه.
بعد السؤال المعتاد عن الحال والأحوال، قالت:
- (أثق بك، ولهذا أستأمنك على أمر. ذات يوم، أهداني زوجي طقماً غالياً، معنوياً ومادياً، كان تذكار محبة من زيارته إلى الهند.
أدرك تماماً أني بحاجة للاحتفاظ بهذه الذكرى، لكنها لحظة اضطرار. أحتاج لسيولة عاجلة، وأريد منك أن تتوسط لبيعه في محلات الذهب. أعلم أنك قادر على مساعدتي دون ذلك، لكن هذه رغبتي.. فهل تستطيع؟).
كان ردّه مؤكداً، بل سعيداً بفرصة تمنحه شعوراً جديداً بالجدوى.
اتفقا على موعد، وفي يوم الاثنين، عرف طريقه المعتاد إلى سوق الذهب.
أوقف سيارته وهو يفكّر: أين يخبّئ هذا الكنز الثقيل؟ اختار الجيب الأيمن، حيث يمكنه الإمساك بأيادٍ آثمة. شدّ خيوط حذائه الرياضي، لعلّه يحتاج إلى جولة مطاردة. تلفّت حوله، لا أحد يهتم به، لا أحد يراه، كما توقّع.
دخل أول متجر، وضع الكيس القماشي على الطاولة، وقال بهدوء:
- (أود بيع هذا، إذا سمحت).
نظر البائع إليه، ثم وضع نظارته، وقلب محتوى الكيس، بينما يقرّب الميزان..
صمت، ثم قال بفتور:
- (هذا لؤلؤ هندي.. لا يباع).
رفع رأسه مستنكراً، وكأنما يشكك في وعي الرجل الذي أمامه.
- (لا يُباع، ولا يُشترى.. اعتبره اكسسواراً قديماً!).
تحولت دهشة الرجل إلى غضب مكبوت، لكنه صمت.
أكمل البائع، كمن يُجهز على ما تبقّى من أمل:
- (بإمكانك سؤال المحلات الأخرى، لكن صدقني.. لا يساوي شيئاً).
ثم أخرج من أسفل الطاولة عقداً من اللؤلؤ البحريني، وقال:
- (هذا طبيعي، هو ما يساوي الكثير.. أتود أن تشتري منه؟).
أجابه باقتضاب:
- (لا، شكراً).
جمع فتات أمله وأمانته، أعاد الطقم إلى جيبه دون الكيس، كما تلقى المفاتيح والأشياء المنسية. خرج من المتجر، ورفع هاتفه ليجد اتصالاً منها، تود أن تطمئن عليه، تخاف عليه، من العيون الطامعة في الرزم النقدية التي ظنّت أنه يحملها.
ردّ عليها، وقد قرر العودة إلى سيارته بدلاً من التردد على المحال الأخرى.
- (بشّرني، هل بعته؟).
- (أنا أعود إلى السيارة الآن، سأتجه إليك، سأتصل فور وصولي).
- (فقط أخبرني.. هل وصل إلى المبلغ (......)؟ ﻷن جمعية الأيتام يتّصلون، ولا يمكنني الرد حتى أطمئن أن المبلغ كافٍ).
- (بالضبط، أحمل هذا المبلغ تحديداً.. يا للغرابة).
سكتت للحظة، ثم قالت بدهشة:
- (حقاً؟).
أجابها وهو يهرب من التفاصيل، ويحلل تأثير المبلغ على مصاريفه:
- (دعيني أتصل حين وصولي، سأسلم المبلغ إليك، وأعود إلى منزلي..).

ذو صلة