تبرز الحرف اليدوية في هذا العصر، الذي لا يكاد ينجو شيء من أن يكون صناعياً ومصنوعاً، ضمن خطوط الإنتاج الصناعية التي تمثلها المصانع العملاقة في مختلف بلدان العالم، وهو ملمح يمثل أحد تجليات التطور الإنساني الذي يستهدف تيسير حياة الناس والارتقاء بجودة الحياة، فنجد أحدث المنتجات وأدقها وأكثرها متانة وجودة أينما يممنا النظر، إلا أن ثمة فاقداً شعورياً، إن صح التعبير، لا نجده إلا في تلك المنتجات والمصنوعات التي امتزجت بيد الإنسان، فمنحتها فرادتها وقيمتها الرمزية والمادية التي لا تتوافر في سواها.
من الناحية المادية تقفز قيمة المنتجات المصنوعة يدوياً إلى أضعاف قيمة المنتجات الصناعية، وهنا يبرز الجانب الاقتصادي الذي يستثمر في خط إنتاج يدوي يستهدف منتجات نوعية بقيمة مادية عالية لشرائح خاصة. أما رمزياً فيذهب نحو الهوية الثقافية لشعب أو جهة أو ربما شخص بعينه. والأجمل حينما يجتمع البعدان، المادي والرمزي فيتحقق العائد المالي والرمزية الثقافة، مثلما نراه مثلاً شرقي السعودية في صناعة البشت (المشلح) الذي بات صناعة يدوية فاخرة وثمينة وذات رمزية ثقافية للمكان والمكون الأحسائي العريق، وكذلك صناعة الجنبية (السلاح الأبيض) جنوبي السعودية، وأشهرها نجران.
على هذه الثنائية تحضر الحرف أو الصناعات اليدوية اليوم، فهي استثمار في الثقافة لا مجرد حالة حنين للماضي، مع اليقين أن ارتباطها بالتراث المادي للإنسان والمكان يعد إحدى دعائم ما اكتسبته من أهمية، فهي أحد رواة التاريخ عن نضال الأجداد نحو توفير ما يمكِّنهم من الحياة وييسر لهم مطالبها ولو بالحد الأدنى، لذا تغدو الحرف اليدوية مكتسباً ثقافياً رمزياً مهماً.
في هذا السياق قررت السعودية تسمية العام الحالي 2025م بعام الحرف اليدوية، تأكيداً على أهمية هذا البُعد الثقافي ضمن نسيجنا العربي الرمزي، مذكرة الأجيال بمعاني السالف من حكايا الأجداد وصبرهم وإبداعهم وأثرهم وتراثهم، كما تمضي نحو استحثاث جذوة التفكير في الاتجاه نحو تعظيم الاستثمار في الثقافة عبر أحد مواردها المميزة وهي الحرف اليدوية.