جمعت بيني وبينه أواصر القبيلة والمولد والنشأة في قرية واحدة، ورعينا الغنم سوية، وهي الحرفة السائدة بين فتيان القرى في مقتبل أعمارهم في الحقب الماضية.
ومع بزوغ فجر النهضة التي بدأت تعم أرجاء البلاد في تلك الفترة؛ بدأ بعض سكان القرى على مختلف الأعمار في الرحيل للمدن الحضرية، إما في طلب العلم أو الرزق أو فيهما معاً؟
لكن رفيقي (علي) ما لبث أن غادر القرية بطلب من والده أحد أفراد الأمن بمنطقة مكة المكرمة والذي قام بإلحاقه بإحدى المدارس الابتدائية، واستمر في الدراسة والتحصيل حتى تخرج في معهد المعلمين الابتدائي 83 / 84. عُين بعد تخرجه معلماً بالمرحلة الابتدائية، كما نال دبلوم مركز الدراسات التكميلية بالطائف 88 / 89هـ.
شغف في مقتبل عمره بالقراءة الحرة في أمهات الكتب وفي الجديد من المعارف والثقافات العربية والعالمية، فصقلت هذه الهواية موهبته الشعرية ووسعت مداركه الفكرية، وكانت سبباً في تكوين مكتبة منزلية لديه حوت العديد من الكتب في شتى العلوم والمعارف. نشر شيئاً من قصائده في بعض الصحف والمجلات، كما شارك في إحدى أمسيات نادي مكة الثقافي.
ومن الرسائل الإخوانية المتبادلة بيني وبينه الرسالة التالية التي عنونها بـ(قصيدة في رسالة) ونصها «أخي علي يسرني أن أبعث إليك بهذه الرسالة والتي تحمل في ثناياها قصيدة جديدة لم تنشر، استوحيتها من قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي (قم للمعلم وفه التبجيلا... كاد المعلم أن يكون رسولاً) والتي عدد فيها محاسن المعلم ودوره في التربية والتعليم والمكانة التي يجب أن يكون عليها بين الأمم، وبما أنني قد أمضيت شطراً من حياتي (معلماً) وتأكيداً لما قاله شوقي في حق المعلم ودوره في تنشئة العقول، فقد أحببت المشاركة بهذه القصيدة وحسبي أنها نابعة من تجربة معلم عاش (حلو التعليم ومره)، فإن أصبت فهو ما أريد وإن واكبها القصور فالكمال لرب العباد، والعذر عند خيار الناس مقبول: أخوكم علي عبدالله القرني».
ولطول القصيدة وبحسب مساحة النشر فإنني أورد فيما يلي بعضاً من أبياتها:
ما بنى المجد غيره
من رأى العلم مغنماً
أينما سار للعلا
يجعل الصعب سلما
كل همٍ يهمه
صار للجرح بلسما
حارب الجهل في الأولى
فغدو بعد أنجما
أوقف العمر دهره
منهلاً يقطع الظما
أرهق الجسم دأبه
ما شكا أو تألما
خاتمة: وفي إحدى زياراته لي، أشعرني بأنه قد جمع قصائده المنشور منها وما لم ينشر وسيصدرها في ديوان يحفظها من التشتت والضياع، وطلب مشاركتي في اختيار الاسم المناسب للديوان، وبعد مداولات استقر الرأي على تسميته بـ(ليل المحبين) وهو اسم أطلق قديماً على ليالي الشتاء باعتبارها طويلة وتعطي للمحبين الوقت الطويل للمسامرة، ولرغبته في أن يظهر الديوان بشكل جاذب؛ فقد عهد به إلى أحد الخطاطين لكتابة القصائد بالخط المناسب ومن ثم طباعته وإصداره عن طريق إحدى مكتبات النشر والتوزيع، وخلال الفترة بين طباعته وصدوره، أصيب الشاعر بمرض أقعده فترة من الزمن انتقل خلالها إلى بارئه الأعلى في أواخر عام 1408ه رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وصدر حلمه المنتظر بعد رحيله دون أن يراه حال حياته، وهكذا ديدن الحياة تجمع وتفرق ولا يدوم على حال لها شأن (إنا لله وإنا إليه راجعون).