كنت في حيرة أفكر لمن أوجه هذه الرسالة؟! من باستطاعته أن يقرأني دون أن يعطف عليّ؟ فأنا مازلت بالصورة القوية التي رسمتها من أجلك ومن أجل أن أحافظ عليك، لذلك هذه الرسالة لك يا صغيري.. لأني أعلم أنك لن تقرأها ولن تستوعب سبب دموعي المُنهمرة فوق جراح أوراقها.
لقد مرت حتى الآن خمس ساعات منذ حواري مع والدك، لم أعِ ماذا حدث ولا قدرة لعقلي على تفكيك شفرة والدك وفهم كلماته، لم أفعل شيئاً كبقية النساء اللاتي يرغبن الانفصال، لم أشتمه، لم أبكِ، لم أصرخ ولم أطلب.
ابتلعت كل رغباتي ومشاعري وابتلعت سوء ثلاثة أعوام كاملة في حوار امتد فقط سبع دقائق، لم يتطلب الموضوع دقائق أكثر لينهي مجرى حياة أسرة كاملة، دقائق فقط كانت كفيلة بأن يبث سمّه من خلالها كعادته، ابتلعت غضبي، انكساري، تقصيره وخيانته، ثم لفني ذهول الصدمة كما يلف ليلُ أليل أفق صحراء لا حد لوحشتها.
مضيت أنا لأكمل دراستي وكنتُ قد وعدتك ألا أتأخر.. فهذا آخر امتحان يشغلني عنك، ذهبت وأنا أحملك على عاتقي، أحملك وأحمل عبء الحياة، المنزل، دراستي، مرضي.
لم أشعر بشيء، كأن شيئاً لم يكن، حرصت ألا أتأخر في الدراسة حتى أفي بوعدي لك.. حتى يكون أحد والديك وفيّ بالوعود.
وجدتك غارقاً بالنوم جداً، والمنزل باردٌ جداً، وفي صدري يكمن ألم قوي جداً، درجة الحرارة تشير إلى العاشرة، بل العاشرة تحت الصفر بالنسبةِ لي، ضَعُفَ إحساسي بأطرافي وأصبح الكون بأكمله بارد جداً وموحش أكثر.
هذا المكان لا يشبهني يا حبيبي، ولا يعرفني أيضاً، ولم يبذل أي مجهود حتى يحتفظ ولو ببصمات أصابعي، لم أبكِ يا صغيري، وها أنا أبكي الآن، لم أرد البكاء، كنت قد حاولت الاتصال بندى، مستنجدة بصوتها، باعتقادي أنني حينما أسمعه سوف أبكي وأرتاح، ولم تجبني هيَ أيضاً، كأن الكون كان يريدني أن أبكي لوحدي، حتى يهيئني أن أكمل هذه الحياة لوحدي.
أنا الآن لستُ حزينة يا صغيري، فقد كنتُ على أتم استعداد لمواجهة هذا اليوم، لكن هذا اليوم جاء باكراً، وكلانا صغير لم نكبُر بعد، وهذه الحياة يا حبيبي كبيرة جداً، ونحن مازلنا صغاراً ولم نكبر بعد.