مجلة شهرية - العدد (588)  | سبتمبر 2025 م- ربيع الأول 1447 هـ

لماذا نقرأ التاريخ؟

اعلم رحمك الله أن الحياة قصيرة، ولا يُطوى غِمارُها بأجل الإنسان، وأن للتاريخ زخماً من الواقع الإنساني ليس كمثله شيء في القصص أو المرئيات، لا رواية خُيِّلت ولا فلماً تَهيأ، فهو كما الحال المُعاش واقعٌ آخر فات. اعلم ألا سبيل لشغوف بعلم الإنسان وإشكالاته، وعلم المجتمع وتشكلاته، وعلم الحياة وتقلباتها، سوى الغوص في تلك الأغوار وتلمس تلكم الأسرار لقصة هذا العابث الإنسان، والخوض في ذلكم السرد الطويل من أفعاله ومكائده وسلوكياته وصفاته. اِعلم هداك الله يا من ترمي نبالك دوماً في الأصالة والتأصيل، وحكم القوي على الضعيف، أن التاريخ - أو بالأحرى التأريخ - هو علم مُحكمٌ حصيف يختبر النسق ويتتبع الدليل ويستقي من التماهي والتمحيص دلالات التثبت واليقين، فيما يلحق الأخبار أو يُتلى كالأسفار من مراجع العلم الغزير. اِعلم أن التاريخ ليس علم الماضي من الزمان بقدر ما هو علمُ جُلّ الأزمان بما فيها من ماض وحاضر ومستقبل. هو قصة لهواة السرد الفائت وعبرة لأهل الزمن القائم وقراءة للقادم الغائب. في التاريخ سمر للبال وحصن للديار وتربية للأخيار وأسرار النهضة للأمام. فيه انجلاء للغرائب وتبد للعجائب وحلٌ لخطوب الأنام وفهمٌ للسياسة، رغم اتساع الدهر وتناءِ الأوطان، لأن الإنسان هو الإنسان. فيا ليت تاريخ الأمم قاطبة والذاكرة الجمعية للبشر كافة تسطَّرُ في المناهج لنشء هذا البلد المبارك، فيظهر لنا جيل عميق الفهم صافي الذهن متين الكيان. ونحن لسنا كسائر الأمم، لنا تاريخ يروقُ النفسَ ويشحذُ الهممَ على الكمال. وفي الاستقطاع منه دون الاستيفاء تلفٌ للفهم ولا سبيل للبيّنة قبل الإتمام.

ذو صلة