إذا كانت الرواية هي ملكوت كاتبها والمتحكم في أشخاصها وأحداثها وأمكنتها وزمانها، فإن الحبكة هي بنية المؤلف لنصه الروائي ومن دونها يصبح سرد الأحداث اعتباطياً لا طعم له ولا رائحة. فالحبكة تنظم الأحداث والتتابع الزمني وفق مبدأ السببية.
تعريف الحبكة
وصفها الروائي الإنجليزي (إي فورستر) بأنها علاقة السبب والنتيجة بين الأحداث في القصة. وهي مجموعة من الأحداث المتتابعة والمتسلسلة التي تتكون منها قصة ما. مع مراعاة تناغم الأحداث مع بعضها البعض من أجل ولادة أثر عاطفي مشوق.
وفي السرد القصصي هي مصطلح نقدي حديث بمثابة الإطار العام للأحداث. وهي معنية بعنصر الزمان في السرد، وترتيب الأحداث داخل القصة وفقاً لعدد من المتطلبات وليس وفقاً للمتطلبات الزمنية الخالصة، وتبرير الانتقال من حدث لآخر وهو ما يسمى بالعلاقة السببية.
فالحبكة الروائية كما يقول (ويليام كيني) أستاذ الأدب الإنجليزي في كتابه (كيف نحلل القصص) ترجمة (ناصر الحجيلان): تجعلنا على دراية بالأحداث ليس لكونها عناصر أو حلقات في السلسلة الزمنية، وإنما لكونها نموذجاً معقداً ومتشابكاً لكل من السبب والنتيجة.
بنية الحبكة
المقدمة: وهي بداية القصة ومهما بلغت من البساطة لابد من امتلاكها القدرة على تطوير الأحداث وإلا تنعدم القصة.
الوسط: وهو الجزء الأوسط من القصة وتسمى العقدة لأن فيها عرض النزاع أو المشكلة التي تواجه الشخصية الرئيسة في القصة أو الرواية. وفي الوسط أيضاً يظهر الصراع الذي يلعب دوراً حاسماً في تطوير الحبكة السردية في الرواية، وهو القوة المشوقة المتوارية في القصة، ويساهم في خلق جو من التوتر والاهتمام والتشويق. حين تبلغ الأحداث ذروتها وتصل التعقيدات أعلى مراحل الشدة، ودون الصراع تفقد الرواية الشغف الناتج عن التوتر اللازم لإبقاء القارئ متشوقاً لمعرفة باقي الأحداث حتى ينتهي الصراع بحل العقدة وتصبح نتيجة القصة حتمية لتنتقل إلى الخاتمة.
الخاتمة: وهي مرحلة حل عقدة الرواية، وتكمن أهمية الخاتمة في الرواية أنها توفر حالة من الانتشاء لدى القارئ بعد أن توفر لديه الشعور باختتام الرواية ومعرفة حل العقدة من ربط أطراف كانت غير مكتملة أثناء مرحلة الصراع ويجيب على أية أسئلة كانت عالقة في ذهنه. وينتاب القارئ شعور بالرضا. في النهاية تمثل الخاتمة عنصراً حاسماً في بنية الحبكة الروائية.
هناك مبادئ أساسية لابد من توافرها في الحبكة الروائية هي:
معقولية الحدث
يجب أن يتوافر في الحبكة عنصر معقولية الحدث حتى أن هذا المبدأ يستخدمه المحامي في الدفع ببراءة موكله من جريمة ما قد تكون ملفقة له ولا يعقل أن يفعلها وهو الدفع بعدم معقولية الحدث.
إذن لكي تكون حبكة الرواية جيدة لابد من توافر المعقولية في أحداثها بمعنى أنها تحتوي على مقومات الإقناع للعقل في تصديق الأحداث. لكن كما يقول (وليام كيني) يجب ألا يخلط بين مطلب المعقولية ومطلب الواقعية فمن حقنا المطالبة بالمعقولية. وقد اتصفت أعظم أعمال الأدب القصصي بالمعقولية ولكن ليس من حقنا أن نطالب القصة بأن تكون واقعية، نظراً لأن الواقعية ما هي إلا لون واحد من الألوان المتعددة للتعبير في القصة والرواية. ويؤكد (كيني) على أن القصة تتصف بالمعقولية إذا كانت متسقة مع نفسها فظهور الشيطان في هيئة شخصية روائية في قصة الشاب (غودمان براون) أمر غير واقعي لكن يجب الإقرار أن اقتحام الشيطان المباشر شؤون الإنسان هو مقدمة منطقية امتازت بالإقناع التام.
المفاجأة
اذا كان مبدأ المعقولية يقتضي صدق القصة مع نفسها مقدمة وخاتمة فإن الرواية التي تخلو من المفاجأة رواية تفتقر إلى عنصر الإثارة وتكون قراءتها مملة.
لكن كيف يمكن لمطلبي عنصر المفاجأة وعنصر المعقولية المتناقضين ظاهرياً أن يتفقا؟
أجاب (وليام كيني) على هذا التساؤل وحل تلك الإشكالية في كتابه بطرح مثال من رواية بوليسية عندما اكتشف هوية القاتل في نهاية الفصل قبل الأخير من رواية للروائية (أجاثا كريستي) فإننا نرغب في أن يكون هناك ما يفاجئنا لأننا إن لم نفاجأ حقاً كان لنا الحق في أن نعد هذا نقطة ضعف أو عيباً في الرواية. لكن عندما نعرف القاتل ننتقل للفصل الأخير لتستكمل الرواية بتفصيل أحداث العملية العقلية المنطقية.
خلاصة القول: جميع أنواع الأدب القصصي الجيد لابد أن يفاجئنا بمفاجأة في السرد. بشرط ألا تنتهك مبدأ معقولية الحدث. فهما مبدآن مكملان لبعضهما.
التشويق
وهو المبدأ الأخير الذي يحكم الحبكة الروائية والتشويق يأتي من الشك في معرفة نتائج القص في الرواية ويؤكد (ويليام كيني): على ألا يقتصر التشويق بمعناه الحق على مجرد التوق إلى معرفة ما ستؤول إليه الأحداث في النهاية، فأنا لا أعلم ما الذي ستؤول إليه الأحداث في النهاية في مئات من القصص التي قرأتها، ولكني شعرت بأنها لا تملك القدرة على تشويقي.
هل مصطلحا الحبكة والعقدة بمعنى واحد؟
رغم أن هناك تشابهاً وخلطاً يقع فيه كثيرون بأن معنى المصطلحين واحد. فإن هذا الخلط بينهما خطأ كبير. لأن الحبكة أعم من العقدة. الحبكة بناء الرواية الأشمل والعقدة جزء منه. فبنية الحبكة كما ذكرنا ثلاثة عناصر: المقدمة والعقدة والخاتمة. إذا كانت العقدة تمثل مرحلة التوتر والتشابك في الأحداث حتى نصل إلى ذروة الأحداث التي تقود القارئ نحو الحل. فإن الحبكة تعد هي المسار العام لترتيب الأحداث من المقدمة مروراً إلى ذروة الصراع وبه العقدة ثم الخاتمة في النهاية وتفكك العقدة.
في النهاية الحبكة ليست عملية ميكانيكية وإنما هي مسار عام تتحكم في مقدمة النص لروائي وعقدته وخاتمته وتنسق بينهم.
تعطي القارئ تصوراً عاماً عن الكيفية التي يريد الروائي من خلالها عرض الأحداث وتسلسلها في روايته. فإذا فهم القارئ حبكة الرواية استطاع تحليل وفهم الرواية بشكل أكثر وأوقع.
لاشك أن للحبكة أهمية كبيرة في بناء الرواية ولعل تعبير أرسطو يقطع الجدل بأهميتها في العمل الدرامي حين يصفها في كتابه (فن الشعر) بأنها (الجوهر الأول في التراجيديا، بل هي في منزلة الروح بالنسبة للجسم الحي).