مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

عبدالله السلايمة: هنالك تغييب وتهميش للأصوات المتميزة

حوار/ عذاب الركابي: مصر

المبدع عبدالله السلايمة والكتابة - الحياة رسالة صاخبة الحروف، ضاجة بالمستحيل، يحملها الكاتب رغم مسؤوليتها المرعبة، ولكنها في الأخير خلاصه، وهو رسول مجتمعه ووحيه في اللاوقت!
وعبدالله السلايمة الكاتب والروائي المصري، وأحد أبناء سيناء الخارج من ثوب البداوة المفروض إلى ثوب الحضارة والحداثة الرؤية والاختيار؛ وجد نفسه في واقع سياسي ومجتمعي شديد الغموض، صوتاً وسنداً لأهله وشعبه في التعبير عن همومهم، وتقريب أحلامهم.
الإبداع بمجموعه لديه تجربة وتجريب، والشكل خلالها هو من يفرض نفسه على المبدع، وليس أمامه إلا أن يعطي الكلمات حرية المبادرة، كما قال الشاعر الفرنسي (مالارميه)، وهو لا يرى الإبداع إلا كباقة ورد يسكره عطرها وألوانها وشكلها.
برصيد ثماني روايات، ومجموعتين قصصيتين.. لماذا كل هذا الانحياز للرواية؟ أهي التي تقول ما تعجز عنه القصة القصيرة وباقي فنون الكتابة فعلاً؟ أم أنها الطريق المضيء إلى دور النشر.. وإلى الجوائز؟ أم ماذا؟
- ليس انحيازاً للرواية، فالتجربة هي التي تفرض شكلها إما قصة أو رواية. هذا أولاً، أما ثانياً فمقاربة الرواية أمر ليس سهلاً كما يتصور البعض، ولم أفكر في القفز إلى بحرها الواسع إلا بعد أن حظيت بعض نصوصي القصصية بالاعتراف، وهو الأمر الذي شجعني على التفكير في خوض تجربة كتابة الرواية التي وجدت فيها مساحة أكبر من الحرية لرصد ما يحدث حولي بشكل أكثر راحة.
وعندما بدأت كتابة باكورة أعمالي الروائية (بركان الصمت)، لم أكن أفكر في أن أكون كاتباً، أو أن أصبح مشهوراً، أو أن أتربح منها، بل كان همي الأوحد رصد بعض هموم أهلي وقضاياهم وإيصال صوتهم للآخر الذي كان سبباً لها، لعله يهتدي ويرد لهم ما سلبه منهم.
مجموعتان قصصيتان فقط.. أهي الفن الأصعب كما يرى جل كتاب العالم؟ ما الفرق بين القصة القصيرة والرواية برأيك؟ أليست هناك قصص عديدة حولها كبار الكتاب إلى روايات؟
- لا شك في أن القصة القصيرة فن صعب وشديد الخصوصية، ولا يحتمل وجود أخطاء فنية بسبب طبيعتها المكثفة على عكس الرواية التي يمكن أن تحتمل بعض الهنات بسبب كبر حجمها. وهناك فوارق جوهرية بين القصة القصيرة، مثل: المفهوم، الطول، الشخصيات، الأحداث، القضايا.
نعم، هناك قصص حولها الكتاب إلى روايات ولاقت نجاحاً، وهناك قصص قصيرة أراد كتابها تحويلها إلى روايات وفشلت.
وفق الكتابة (اللاتحديد)، و(اللا قواعد)، وتداخل الأجناس، وسيادة مفهوم النص، لا شكل للإبداع، لا شكل للقصيدة، لا شكل للقصة، لا شكل للرواية، ما مدى انشغالك كمبدع بالشكل الفني؟
- العمل الفني في جميع صوره وحدة مترابطة لا تنفصل إلى شكل ومضمون، فلا نستطيع أن نقسم العمل الفني مثلاً إلى مضمون وشكل درامي مجرد من هذا المضمون. وفي حال اندماجهما يستعصي مناقشة أحدهما دون التعرض للآخر.
والشكل والمضمون هما وجهان للعمل الفني، ومضمون العمل الفني يستمد جدته من الشكل الفني، والشكل الفني يعكس نجاح الفنان في استيعاب مضمون العمل الفكري، وإخضاعه للمقومات الدرامية التي تعتمد على الأدوات الفنية، مثل: الحوار والشخصية والموقف والحدث.. إلخ عند الأديب.
يطمح عدد من الكتاب والمبدعين المصريين والعرب إلى التفرغ للكتابة ما رأيك؟ بقراءة الواقع الحياتي والمجتمعي والثقافي، هل يستطيع الكاتب التعيش من الكتابة؟ قل لي هل تمنحك دور النشر والدوريات الثقافية حقك؟
- لا أعتقد أن هناك كاتباً عربياً لا يطمح إلى التفرغ للكتابة، ولا أعتقد أن من بينهم القادر على اتخاذ مثل هذا القرار من دون حاجته إلى وظيفة وراتب منتظم، ينفق منه على أسرته. قد يحدث ذلك في الغرب. أن ينشر أحد الكتاب رواية مثلاً وتلقى انتشاراً واسعاً بين القراء ويباع منها ملايين النسخ ويتفرغ للكتابة، لكن ذلك لا يحدث في عالمنا العربي، الذي تتمدد فيه ثقافة الجهل، وتعاني معظم بلدانه تدهوراً سياسياً، لذا يموت طموح الكاتب في التفرغ للكتابة في مهده.
كإعلامي وصحفي كيف تقيم صحافتنا الثقافية؟ البعض يراها صحافة علاقات وتبادل مصالح ومنافع، وآخر يراها مرآة مهشمة؟ ماذا تقترح لصحافة جادة وفاعلة؟
- من واقع تعاملي ككاتب مع الصحافة الثقافية، أقول آسفاً: إن واقع الصحافة الثقافية في العالم العربي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمستقبل الصحافة بصفة عامة التي شهدت في الفترات الأخيرة تدهوراً ملموساً وصل إلى إغلاق بعض الصحف والمؤسسات الصحفية العربية، وبطبيعة الحال تم إغلاق الصفحات الثقافية التابعة لها، إلا أن هناك بعض هذه الصفحات مازالت مستمرة، لكن باتت تحكمها (الشللية)، وتكرس لأسماء بعينها للأسف، مع تغييب وتهميش الأصوات المتميزة، وكذا الجديدة. الأمر الذي جعل الكتاب يعزفون عنها ويتوجهون نحو بعض المواقع الإلكترونية الجادة، والمجلات التي تقدم رؤى خارج السياق، مثل مجلة (ميريت) الإلكترونية. واكتفى البعض الآخر بنشر كتاباته على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة به.
يقول (نجيب محفوظ): (أموت إذا ما منعت من الكتابة).. هل الكتابة الموازي للحياة؟ كيف تجد نفسك ووقتك من دون كتابة؟
- المبدع كائن هش لا يمكنه تحمل قسوة هذا العالم البشع والمحمل بالخيبات التي تزيد من اتساع جراحه وآلامه كل يوم. ولا يجد له ملاذاً سوى الهروب إلى الكتابة، التي تمده بطاقة الأمل المراوغ، وتمنحه القوة الكافية لتجاوز جراحه فيعيش في عالمها، أي عالم الكتابة، عالم مواز حذفت منه ملذات الحياة الطبيعية التي ينعم بها من لم يصب بداء الكتابة، ويمضي المبدع جل وقته يبحث في عالمه الموازي يبحث عن إجابات عميقة لأسئلة تحتل رأسه وتقلق مضجعه، ويبقي في عراك دائم مع ذاته.
وسط هذا التفجر الإبداعي العربي (شعر - قصة - رواية) أي دور للنقد؟ هل لدينا حركة نقدية مواكبة وجادة؟ كمبدع هل أنصفك النقد؟ من ناقدك الأمثل مصرياً وعربيا؟
- لا يمكننا تجاهل حقيقة غياب النقد في المشهد الثقافي العربي، وأنه لم يعد لدينا للأسف جيل من النقاد الأوائل ممن كانت لهم إسهامات بارزة، مثل: علي الراعي، ورجاء النقاش. وتلك، لمن يعي ويدرك، إشكالية خطرة تفقد الإبداع بريقه، وقد تهدد مسيرته ذاتها. كيف لا، وقد غاب النقد الجاد الذي يعتمد على أسس ودراسات منهجية وأكاديمية، وتركت الساحة لغير المتخصصين في النقد، الذين يعتمدون في (دراساتهم) على الرياء أو المجاملة أو المصلحة، تلك أمور تخدع الأديب، وتفسد العمل الإبداعي والنقد في آن.
أما بالنسبة لسؤالكم: هل أنصفني النقد؟ أقول: لم ينصفني للأسف، مثلي مثل الكثيرين الذين لا ينتمون (لشلة) ما، ويدينون (الشللية) ويرونها مفسدة للأدب. لكن ذلك لا يعني أن هناك بعض النقاد المبدعين والمتميزين قد تناولوا أعمالي، منهم، على سبيل المثال لا الحصر: يوسف الشاروني، سيد الوكيل، د. هويدا صالح، د. رشا الفوال، أحمد أبو خنيجر، منير عتيبة، د. محمد سليم شوشة، أحمد المريخي، وحاتم عبدالهادي السيد.
ونهاية: لا أريد في هذا المقام أن أفضل أحداً من النقاد على آخر، حتى لا أقع في دائرة الحرج، وأرجو أن تعذرني في ذلك.

ذو صلة