مجلة شهرية - العدد (572)  | مايو 2024 م- ذو القعدة 1445 هـ

الحاجة إلى التربية الإعلامية

وصلت البشرية في عصرنا الحالي، إلى مرحلة متطورة لم يسبق لها نظير، ما جعل الإنسان في دوامة رقمية وتكنولوجية، يمكن عبرها التنقل من مكان لآخر في ظرف زمني قصير جداً والتواصل مع أي كان دون حواجز، لذلك يكاد يتحكم الإعلام في حياتنا، فأينما ولينا وجوهنا ثمة إعلام وثمة تواصل، غير أنه ليس بالضرورة هو تواصل إيجابي دائماً، بل إن الكثير من السلبيات طغت في المجتمعات بسببه. إذ يسود الإعلام في كل مكان وله قدرة كبيرة على التأثير فينا، ليصبح من الضروري فهم الإعلام من أجل الحفاظ على قيمنا.
الإعلام وخطورته على الأطفال
خطورة الإعلام باتت تزداد يوماً على صدر يوم، سواء عبر الهاتف المحمول أو الكمبيوتر أو التلفاز. أما الصحف الورقية والكتب فلم تعد كثيراً هواية الناس في هذا الزمن، وهنا تظهر أهمية التربية الإعلامية بوضوح أمام الانعكاسات السلبية التي بدأ النشء والأطفال يعانون منها، فالعديد من وسائل الإعلام، في حاجة لمواكبة الأطفال أثناء استعمالها، أمام ما تقدمه من تسطيح للمفاهيم وتكسير للقيم الأصيلة، فقد (توفر أكثر من دليل على أن التلميذ يشاهد ويستمع عدداً كبيراً من البرامج قبل دخوله المدرسة وفي أثناء حياته المدرسية وبعدها. وأن نسبة ساعات الاستماع والمشاهدة تفوق كثيراً نسبة حضوره الساعات المدرسية، وقد وصف المتعلم الجديد بأنه محصلة أجهزة الاتصال الجديدة، ولهذا التعلم الجديد ينبغي أن يكون فيه نوع جديد من التعليم).
وعقب جائحة كورونا التي ظهرت عام 2020 في مختلف مناطق العالم، أبرز المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري في المغرب كمثال، بأن مخاطر التعرض المفرط لوسائل الإعلام ازدادت وباتت أكثر تعقيداً في سياق الحجر الصحي، لكون الأخبار المتواترة والمسترسلة حول الأزمة الصحية ومجهود التحسيس المبذول من طرف الإذاعات والقنوات التلفزية يمكن أن يكون مصدر قلق وابتئاس لدى الأطفال الجمهور الناشئ بصفة عامة. هذا المعطى يبرز ضرورة توفير إسهامات أخرى تكمل وتؤطر ولوج وتلقي الجمهور الناشئ للأخبار ذات الصلة بالجائحة، خصوصاً عن طريق الحوار والتواصل داخل الأسر.
إن التطور التكنولوجي الحالي خدم الإعلام وزاده قوة، ومنحه قدرة مهمة أثرت على المجتمع وسلوكيات أفراده. إذ لم يعد دور الإعلام إخبارياً أو تثقيفياً فقط، بل تجاوزه إلى مستويات عدة ترفيهاً وصناعة لمفاهيم جديدة في المجتمعات، والطفل أو اليافع من ضحايا الإعلام السلبي، فحسب قدراته التواصلية، لا يستوعب كل ما يقدم في البرامج، ما يجعل هذه الفئة الصغيرة تصبح مسيرة وموجهة ومؤثراً فيها.
في عصر الثورة الرقمية لم يعد الأستاذ ولا الأسرة فقط مصدر معلومات التلميذ، إذ بإمكانه الانفتاح على محيط يغرق في المعلومات والأفكار، بل بإمكان الإعلام الجديد هدم ما يتلقاه التلميذ سواء في المدرسة أو البيت. وبذلك أصبح الإعلام منافساً قوياً للأسرة والمدرسة، لأن وسائل الإعلام (لها جاذبيتها وإبهارها وقدرتها على الوصول للفئات الاجتماعية على اختلاف أعمارها. وعن طريق أجهزة الإعلام أمكن عرض خبرات ذهنية واسعة، وفي الاستطاعة توظيف هذه القدرات. والمساعدة على التأهيل، لا يقف عند حدود التعريف بالقيم الاجتماعية والإعداد للوظيفة، بل إلى ثقافة متنوعة الشكل والاستعمال).
الحاجة إلى التربية الإعلامية
ثمة أهمية إذن لقراءة ماهية الإعلام، وتنشئة الفرد على معرفة إيجابياته وسلبياته لجوءاً للأولى واتقاء للثانية. ما يعني ضرورة الوعي بهذا القطاع الخطير، وهنا دور التربية الإعلامية، أي معرفة طرق تواصل واشتغال وسائل الإعلام مهما كان نوعها، كي يفهم الفرد سياقات بث الأخبار ومضامين الرسائل، ومنهجية تلقي المعلومات وغيرها من البرامج، بطريقة غير استهلاكية.
فالتربية الإعلامية تجمع بين كيفية تلقي التكنولوجيا وبين المحتوى، بطريقة تخدم التعددية، والحوار والحريات والحقوق، ومواجهة خطابات العنف والكراهية والتطرف، حيث أظهرت دراسات، أهمية التعامل مع الإعلام بمنظور تربوي تجاه الأطفال، من خلال غرس قيم وسلوكيات إيجابية حماية لهم، ولتربيتهم على تلقي وسائل الإعلام شكلاً ومضموناً بشكل إيجابي.
وتأتي ضرورة التربية الإعلامية، لما نعيشه حالياً من طفرة إعلامية في مجتمعاتنا كما في العالم، وما يوازي ذلك من إقبال كبير ومثير للشباب والأطفال، في تلقي مختلف الإنتاجات الإعلامية دون إدراك لأهدافها. ثورة رقمية تجعل الطفل بكبسة زر، ينتقل من فضاء إلى آخر بلا رقيب ولا مؤطر، مع ما قد يرافق ذلك من مخاطر اجتماعية أو نفسية أو حتى قانونية.
إن التربية الإعلامية لا تقف عند حماية النشء من السلبيات، بل تصبح أيضاً منهجاً لتطوير الفضاء الإعلامي لصالح الطفولة والشباب، وانخراطه في المنظومة بشكل فعال وصحيح. فهناك فرق بين الإعلام التربوي والتربية الإعلامية، الإعلام التربوي هو المنظور التقليدي كأداة من أدوات التعليم، يستغل الوسائل التواصلية في تقديم خدمات تربوية للمتلقي من قبيل محو الأمية والتوعية وغير ذلك، فيما التربية الإعلامية تتوخى محو الأمية الإعلامية، وإنتاج المضمون من طرف التلاميذ أنفسهم، وتقييمهم للمحتوى الإعلامي.
إن أهمية التعامل مع الإعلام بمنظور تربوي، بتربية الطفل مثلاً على تلقي مضامين وسائل الإعلام شكلاً ومضموناً بشكل إيجابي والابتعاد عن السلبي، يؤدي إلى غرس قيم وسلوكيات إيجابية لحماية النشء. ويتطلب ذلك مناهج تربوية يتعرف عبرها التلميذ على طريقة تلقي المادة الإعلامية بمختلف وسائلها وتقنياتها. ومن هنا ظهرت الحاجة إلى اتخاذ مناهج تحمي الطفولة والشباب من مخاطر الإعلام، بهدف اكتساب مهارات ذلك.
وقد ظهر مفهوم التربية الإعلامية في العالم في ستينات القرن الماضي، حيث ركز (الخبراء على إمكانية استخدام أدوات الاتصال ووسائل الإعلام لتحقيق منافع تربوية ملموسة كوسيلة تعليمية. وفي السنوات الأخيرة تطور مفهوم التربية الإعلامية بحيث لم يعد مشروع دفاع فحسب، بل مشروع تمكين أيضاً. يهدف إلى إعداد الشباب لفهم الثقافة الإعلامية التي تحيط بهم. وحسن الانتقاء والتعامل معها، والمشاركة فيها بصورة فعالة ومؤثرة).
ويقوم النظام التعليمي بدور كبير في التربية الإعلامية، عبر إدخال مواد دراسية تمكن التلميذ من تقنيات معرفة وسائل الإعلام ومضمونها. ولا تتوخى التربية الإعلامية تكوين خبراء في المجال الصحافي، بقدر ما تستهدف من التلاميذ وعيهم بالرسائل المبثوثة وحسن استعمال مختلف وسائل الإعلام.
التربية الإعلامية من زاوية أخرى، تعمل على تعليم التلميذ أو الطفل كيفية قراءة المنتوج الإعلامي وفهمه وتحليله، ومن ثم انتقاده، كيفما كانت وسيلة الإعلام. وتتضمن اتفاقية حقوق الطفل العالمية، عناصر مهمة تجعل التربية الإعلامية موضوعاً ذا قيمة كبيرة في كل دولة، إذ أوصت بتشجيع وسائط الإعلام على نشر المعلومات والمواد ذات المنفعة الاجتماعية والثقافية للطفل وفقاً لروح المادة، ومن أجل ذلك كله، تأتي أهمية وضرورة (تعلم الطفل كيف يتعامل مع التلفزة وغيرها من وسائل الاتصال الجماهيرية، وتبصرته بكيفية تحليل أنماطها وقواعدها وأساليبها. والمدرسة هي المؤهلة للاستجابة لهذه الضرورة بأن تتسع ميادينها لتعليم نقد الرموز وتحليل الخطاب، الذي توظفه وسائل الاتصال الجماهيري).

ذو صلة