مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

التشكيلية الدكتورة منال الرويشد: هذا رأيي في الفن الرقمي

عملت الفنانة التشكيلية الدكتورة منال الرويشد على تطوير تجربتها الشخصية، وتحويلها إلى مسيرة فنية، لخلق لحظات تروي قصصاً لونية، وتفتح نوافذ إلى عوالم وتفاصيل دون حدود. ولقد أبدعت الدكتورة منال الرويشد في ممارسة الفن الرقمي الذي تعتبره مرحلة نمو في تاريخ الفن التشكيلي، وأن احترافه لا يقل عن إنتاج العمل اليدوي، لأنه أيضاً أداء يدوي بمساعدة التقنية. ولدى الرويشد مع الكتب حكاية تتنوع بين التأليف وتصميم الأغلفة، حتى إن أطروحتها العلمية لنيل درجة الدكتوراه تمحورت حول المضامين الفكرية والفلسفية للمفردات الشكلية، ودورها في تصميم غلاف الكتاب الثقافي السعودي.
ترى الرويشد أن مستوى تصميم أغلفة الكتب في المملكة ناجح في الغالب، حيث باتت الأغلفة ذات شخصية تصميمية تكتمل فيها أسس وعناصر التصميم التي تجذب المتلقي، وتبرز مفردة شكلية للصور الفوتوغرافية، وفي الغالب فإن صور اللوحة التشكيلية لها رسائلها البصرية المؤثرة.
مارست الدكتورة منال الرويشد الفن على كل أنواع الخامات وبمختلف الأدوات، تقول عن تلك الفترة: «رسمت على أوراق كراستي الصغيرة، ثم ورق أكبر، ثم على الكانفس بمساحات كبيرة ومقاسات متنوعة، حيث برزت موهبتي في المدرسة، وشاركت في العديد من المعارض المدرسية». وفي مرحلة الدراسة الجامعية تعمّقت الرويشد في دراسة الفنون، ومرّت برحلة ممتعة في معرفة الفنانين التشكيليين والتجارب العالمية ومهارة الأداء للمدارس الفنية، كما تعمّقت في دراسة الفنون الإسلامية والفنون المعاصرة والحديثة، واطّلعت على ثقافات تشكيلية عالمية، كما درست العلاقة بين فنون الحضارات وكذلك بين الفنون والتربية.
البوح للفراغ الأبيض
تصف الرويشد العلاقة الفنية بالمساحة البيضاء بأنها علاقة حوار ونقاش وأفكار ورؤى وأمنيات، وحالات انفعال فرح وحزن.. وغيرها، وتضيف: «لدي أعمال أخطط لرسمها، ولكني في الغالب أبدأ وأنطلق في فضاء اللوحة، إنها حالة لا أعلم كيف أعبّر عنها، لكنها لحظات، لا أشعر خلالها برغبة في الكلام، وإنما أشعر بحاجة للإمساك بالفرشاة والبدء في البوح عن أشياءٍ أجيد الحوار من خلالها على المساحة البيضاء، فأحوّلها إلى مزيج من الجمال». إن الفراغ الأبيض ينقلب إلى ساحة للتعبير عن الأفكار والتجليات الداخلية، فتتحول الأفكار إلى خطوط، والأمنيات إلى ألوان ملهمة؛ تقول الرويشد عن تلك اللحظة: «بعد الانتهاء أشعر بأنني قلت كل شيء للوحتي، ثم أحتار في تسميتها، وأحياناً أشعر بأن لديّ الكثير لم أقله بعد، أشعر بأن اللوحة تنتظرني وتدعوني لإكمالها»
ومن ناحية الحجم، فالتعامل مع اللوحات الصغيرة، من وجهة نظر الرويشد؛ يشكل تحدياً ممتعاً وفرصة لاستكشاف الجوانب الفنية الدقيقة، وهو السهل الممتنع؛ لأنها عملية تتطلب جهداً ومهارة وإتقاناً وتركيزاً حتى تنتج اللوحات، وتكتمل فيها عناصر التكوين ومهارة الأداء.
معوقات وتحديات
تعد الدكتورة منال الرويشد أول امرأة تتولى رئاسة مجلس إدارة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت)، حيث عملت في هذه المؤسسة التي ترعى الفنون مع فريق تغلب على عدد من التحديات والمعوقات؛ منها: عدم وجود ميزانية ومخصص مالي للإنفاق والصرف، فالمال يعد عصب الحياة، وكانت إشكالية كبيرة عدم توافر الميزانية بقدرٍ كافٍ للعمل والصرف على إيجار المقر ورواتب أو مكافآت الموظفين، وتنفيذ البرامج والمشاريع والنثريات اليومية. وتغلبت الرويشد وفريق عملها على هذا التحدي، إذ عملت على تعزيز دور المسؤولية المجتمعية، ودشّنت مبادرات ونفذت مشاريع وبرامج، مما أكسبها مع فريق جسفت ثقة كبيرة في قدرة الجمعية على الحضور في الساحة الثقافية، وإدارة دورها الفاعل لخدمة الفن التشكيلي وفنانيه. يُضاف إلى التحديات؛ مرحلة التطوير والتغيير في الأنظمة الوزارية، بإنشاء وزارة الثقافة، وفصلها عن الإعلام، وهذا كان له تأثيره المرتبط بالقرارات والإجراءات الإدارية وبالمكاتبات والموافقات والدعم الإداري للمشاريع والبرامج، فالإجراءات النظامية لعمل الجمعية بعد التغييرات جعلها تمرّ بعدد من التحديات للمواءمة مع وزارات وهيئات وأنظمة عديدة، منها ما هو متعلق بالمركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، وتنظيمات وزارة الثقافة؛ لكون الجمعية مؤسسة ثقافية تتبع لها، وتمنّت الرويشد أن تتجاوز الجمعية كل التحديات التي تواجهها من أجل الاستمرار في أداء رسالتها السامية في خدمة الفن التشكيلي.
غياب النقد الفني
ترى الدكتورة منال الرويشد أن الوسط الفني بحاجة إلى تفعيل الدور المهم والفاعل للنقد التشكيلي وتذوق الفنون، وذلك من أجل إبراز تجربة الفنانين التشكيليين برؤية معاصرة أو ممتدة بعراقة الماضي، وتؤكد: «لا أزال أردد أننا بحاجة إلى عين ترى وتقرأ بواطن الجمال، ومساعدة المتأمل والمتذوق على الاستمتاع بالدلالات التعبيرية وجماليات الإنتاج الفني». وتأسف الرويشد لعدم تلقيها أي نقد فني خاص بأعمالها، ولذلك فهي من تحاول قراءة تجربتها، وتتحاور مع أعمالها بالعودة إلى تجاربها السابقة بمقارنتها وتحليلها والاستدلال بها، وفي بعض المرات تصف وتحلل ما يرتبط بكل مرحلة، وتقرأ مستوى مهاراتها وخبراتها العملية والثقافية.
لغة العصر
ترى الرويشد أن ممارسة الفن الرقمي في الفن التشكيلي أسلوب للتعبير، ومرحلة من مراحل الإبداع التي يتم الإنتاج من خلالها عند رغبة الفنان، والفارق يكمن في أن الفن الرقمي فن نظيف؛ فالمرسم يظل نظيفاً، وكذلك الفنان.
وترى الفنانة منال الرويشد أن الفن الرقمي يعدّ لغة العصر، فهو جانبٌ معاصر في الثقافة والفنون البصرية. تتذكر بداياتها في هذا الميدان الفني فتقول: «بدأته في مرحلة مبكرة، حيث لم يكن معروفاً بعد، ولذلك فلم يتم التجاوب معه بسهولة، لا في التعليم ولا في الوسط الثقافي، وبذلتُ جهداً كبيراً لتذليل التحديات، وكوّنت المجموعة مع عدد من الفنانات الرائدات للفن الرقمي في المملكة، فكانت أول مجموعة للفن الرقمي على مستوى الوطن العربي». وقد مارست الرويشد الأداء التشكيلي الذي ينتهي بإنتاج فني مطبوع على أي خامة.
بين الحرف واللون
يُذكر أن معرض الرويشد الرقمي (وجد بين الحرف واللون) الذي أُقيم في صالة داما آرت بجدة 1435هـ؛ تضمن أكثر من أربعين عملاً رقمياً، وهو محاولة للتعبير الفني التشكيلي الرقمي، تفردت من خلاله الرويشد بالجمع بين مجالات الإبداع من خلال اختيار نصوص بعض الشعراء، والتي لامست الإحساس والمشاعر؛ فتشكلت باتجاه فني للمعنى والتعبيرات في تدفق العاطفة من خلال الشعر.
فقد جمعتِ الرويشد بين قصائد عدد من الشعراء، منهم: الأمراء خالد الفيصل ومحمد العبدالله الفيصل وبدر بن عبدالمحسن، حيث قاربت بين مضامين القصائد ولونيتها والتكوين الشكلي لكل منها، كما استطاعت التعبير عنها من خلال اللوحة التشكيلية الرقمية بما تحمله من دلالات في الصنعة الشكلية، من ناحية الجمع بين فنين في منجز فكري وفني في وقت واحد، وكذلك من خلال الجمع بين وجدانيات لهواجس وأفكار وأخيلة وتجارب كل المبدعين لمزيج معاصر قد يرتضيه المتلقي بوجدانه أيضاً، وبذلك تمكّن هذا المنجز من تشكيل اتجاه وجداني مشترك للمبدعين (الفنان التشكيلي والشاعر).
مع الكتابة
إلى جانب الرسم، فللرويشد اتصالها الإعلامي مع الكتابة، فهي عضو في هيئة الصحفيين السعوديين، ولها مؤلفات منشورة، مثل: كتاب (التعليم المرئي)، وكتاب (لائحة تنظيم المعارض المدرسية للنشاط غير الصفي)، فهي تنظر إلى علاقتها بالكتابة على أنها رئة ثالثة لمن يجيد التعبير من خلالها.
هذا فضلاً عن أن الرويشد تولّت -كما ذكرنا سابقاً- رئاسة مجلس إدارة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت)، حيث طورت سير العمل، وتغلبت على العديد من التحديات، رغم التغير المستمر في الأنظمة؛ لتخلق قصة نجاح مهنية، لا تقلّ عما حققته من نجاح فني وإبداعي.

ذو صلة