مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

أنا والحرف.. وصراع البقاء

أصدقاء كنا ومازلنا!
فمنذ وقت بعيد طرق بابي، كان حرفاً رشيقاً وقلماً مطواعاً قلما يعاندني، منحني شرف الاستخدام، وساعدني كثيراً في البوح عما يعتمل في صدري ودواخلي، ورسم صورة لحال مجتمعنا وما يعانيه ومازال!
لكنه الآن تغير حاله، فهو يتعرض لحالة وهن وعدم قدرة على الصمود إزاء محاولات التفتت والتهميش.
أراه يستجيب حيناً، وآخر يعلن الاعتذار.. يلتمس عفواً وخلاصاً من سطوة واقع يصعب عليه أن يبقى هادئاً إزاءه، ومن تهديد صور الشر التي تكاد تقضي عليه.
والحرف الذي كنت أسلم له قيادي يعجز عن مجاراة ما يرى، ويقول لي سراً: أنا لولا حمايتك لم أكن لأعيش، وأقول له في سرٍ مماثل: وما عساني أفعل وكيف لي الحياة دون مساندتك!
وأحاول تحفيزه في صراع البقاء الذي نعيش، وأقول له: انهض.. إن القوم يأتمرون بك ليضعفوك ويسكتوك، وأحاول أن أوقد فيه نار الصمود لتتوهج الكلمات، وعلى الرغم من تكاتفنا والتزامنا الأبدي والمصيري، تراني بالكاد أقاوم الاحتراق ونبضه المسكين يخبو شيئاً فشيئاً!
ومازلت بين شد وجذب، أنام وأصحو، والهم يؤرقني، فالحديث واللسان معقود بألف قيد والأغلال تحيط بي! ولعل متلازمة الشقاء هذه لا تنتهي، والصراع الدائر بين القلم الحر ومرتزقة الخطاب يبني ألف سجن وسور للحقيقة، ويفسح المجال.. كل المجال لقول الزور وهشاشة الكلام!
في كل ليلة تهبط علينا، لا أجد سبيلاً للفهم، بل ولا للراحة إلا حين أحاور تلك الحروف العجيبة، أسألها وأنا في قمة الحيرة، فتتشكل كما تريد دون انسلاخ عن واقعها، ولكنها تظهر كأزهى ما يكون الشكل، وأجمل ما تكون العبارة، وكأن مختصاً بالنفوس صاغها!
ثم أعود وقد ازددت حيرة من يملك من؟ وهل أنا أسير تلك الحروف والكلمات ولا أستطيع منها فكاكاً أم أنها يدي وعيني وعقلي الذي أفكر فيه، فمنذ أن أبصرت العيون هذا الكون وللكلمة وقعها ولها ركن أساس في العقل والروح، مثلما أنها عنوان انتماء ورسالة موقف وشهادة حياة!
لذا، فمهما كانت العقبات، لن أتنازل عن هذا الحرف الذي يحيطني، إذ لم أجد مثله وفياً وأنا أناشده أن يكون عنوان الصمود ورفض الانهزام.. وهو الذي سيكون بعدما كان!

ذو صلة