مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

صديق منذ الطفولة

حين أقيم معرض الكتاب والقراءة في الدمام العام المنصرم كان أحد ضيوفه المدعوين الصديق الروائي عواض العصيمي الذي زارنا في الشرقية ملبياً دعوة هيئة الأدب والنشر والترجمة، ومرة كنت أصطحبه في سيارتي باتجاه الخبر، فاتصلت بي ابنتي لين تطلب إلي اصطحابها إلى المعرض لشراء قائمتها وقائمة الابن زياد من هناك، سمع عواض المكالمة عبر بلوتوث السيارة، وبعد أن أنهت ابنتي مكالمتها معي قرر عواض فوراً دون مراجعتي أن موعدنا غداً سيصبح موعداً لشراء قائمة الأبناء من المعرض، وأننا سنلتقي بعد شراء القائمة مساء، وهذا ما حدث بالفعل. ذهبنا في اليوم التالي، وكانت القائمة متنوعة وانتقاءاتها جميلة في الواقع قياساً إلى أعمارهم، وعند نهاية الجولة في المعرض مررنا بالصديق مجد حيدر ناشر دار ورد الذي بدأ مناقشة صغيرة عن القراءة مع ابنتي لين تمخضت عن إهدائها مجموعة من إصدارات الدار أسعدتها كثيراً.
حقيقة العلاقة مع الكتاب تبدأ منذ الصغر، حين يصبح الكتاب جزءاً من البيت، والقراءة جزءاً من المشهد الذي يصبح مع الوقت مشهداً معتاداً ومتكرراً، وهذا ما حدث معي شخصياً، إذ لم أقرر أن أجبر الأبناء على القراءة، ولم أنوِ توجيه مساراتهم في جوانب معينة، لأنني أرى أن الأوجب أن تترك هذه العادة لتواصل نموها بحرية، ومن ثم سيجد الأبناء طريقهم التي يبحثون عنها عبر سراديب القراءة التي ستقودهم إلى آفاق الوعي والثقافة والمعرفة وسيستظلون بظلها.
نعم حين تكون القراءة مشهداً معتاداً في البيت ستأخذ طريقها إلى لاوعي الطفل عبر بصره ومشاهداته اليومية، وهذا ما يسمى بالبيان العملي في التربية، هذه المشاهدة ستخلق سؤالاً كبيراً في نفسه يكبر معه كلما تقدمت بتجربته الأيام، حينها فقط ستكون القراءة والبحث هما سبيل الإجابة عن هذا التساؤل الذي سيصبح أسئلة في رحلة القراءة الممتعة.
مرة كنت خارجاً من عملي مستعجلاً، قطعت ضفة الشارع باتجاه سيارتي المركونة في الظل هروباً من شمس حارقة تشعل منتصف النهار.
وبعد أن قطعت الشارع المكتظ بالسيارات العابرة والازدحام الكثيف منعطفاً باتجاه سيارتي وإذا بي أرى شاباً صغيراً غارقاً في صفحات كتاب يقرؤه، تجاوزته مسرعاً وتنبهت وعدت إليه مرة أخرى، سألته:
- هل تقرأ؟
- رفع رأسه باتجاهي واضعاً يده عل الصفحة وأجابني: نعم
- ماذا تقرأ؟
- قلب صفحة الكتاب وقرأت عنوانه.
- هل تحب القراءة؟
- أقرأ دائماً في وقت فراغي.
- لفتت نظري حقيبته المدرسية فسألته:
- أين تدرس؟
أشار إلى مدرسته المتوسطة الواقعة على ضفة الشارع الأخرى.
- سجلت معلوماته المدرسية واسمه واستأذنته أن أقدم له هدية من مكتبتي المنزلية، قبل ذلك، ومضيت على هذا الوعد.
حقيقة قرحت كثيراً بطلب ابنتي في المرة الأولى، وفرحت أيضاً بمشهد هذا الشاب الذي يستظل بكتاب في انتظار والده الذي سيصحبه من المدرسة إلى البيت.
عظيم جداً ومبشر جداً أن يعرف أبناؤنا في هذا الجيل قيمة الوقت، ويقدروا صحبة الكتاب في هذا الزمن المتسارع، هذا الزمن الذي كما يصفه البردوني (زمان بلا نوعية).

ذو صلة