مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

الضحـك حد البكاء

أعلم أنها تحبني حد العشق، كانت حياتنا جميلة هادئة إلى أن تعرضت لحادث سير أليم، كنت على حافة الموت تعرضت لكسور كثيرة منها كسر بالعمود الفقري وكسر بالقدم وعلمت حين استقرت حالتي أني عانيت من ارتجاج ونزيف بالمخ، ظلت سلمى بجواري ولم تتركني لحظة حتى عدت إلى المنزل وأنا على كرسي متحرك سأظل محبوساً به عاماً كاملاً بأمر الأطباء، تركت سلمى عملها لتقوم على رعايتي بنفسها، رفضت أن تقوم برعايتي أية ممرضة، لكني ضقت بها ذرعا حين بدأت تعاني من مشكلة في أحبالها الصوتية جعلها تتحدث بصوت منخفض أكاد لا أسمعه، وأصبحت لا تتحدث معي إلا إذا اقتربت مني، وإذا تحدثت معي وبيننا مسافة تشير لي بيدها فصرخت في وجهها ذات يوم: لابد وأن تجدي حلاً لمشكلة صوتك يا سلمى أنا مريض ولن أتحمل هذا الوضع كثيراً فما بقي لي إلا أن أتعلم لغة الإشارة كي أتعامل معكِ، كانت فقط تبتسم ورغم أنها ترعاني بحب وتفانٍ إلا أني كنت دائم الصراخ في وجهها واتصلت بوالدتي وطلبت منها المجيء عندنا لأني أحتاج وجودها معي، وما هي إلا ساعات وكانت أمي بالبيت رغم أنها كانت تعيش مع أختي الأصغر في بلد عربي، احتضنتني أمي كثيراً وهى تبكي لما أنا فيه لكنها بثت الأمل بداخلي، وأعطت لي هاتفاً حديثاً وقالت: أعلم أنك لا تحب مواقع التواصل الاجتماعي لكن أنت ستظل سجين البيت وقتاً طويلاً أشغل نفسك به، قلت لها إن مشكلة سلمى تزعجني أكثر من مرضي، أخذت أمي تقبل رأسي وتقول لي إن سلمى نعم الزوجة وإنها تحبني كثيراً، ظلت أمي بجواري وكأني طفل لا تريد أن تتركه لحظة، لكنها بعد أيام سافرت إلى أختي بالخارج، أصبحت الدقائق تطول واليوم يمر كأنه عام، بدأت أتواصل مع أصدقائي عبر النت، وتعرفت على فتاة رائعة الجمال وأصبحنا نتحدث سوياً عبر الرسائل وأرسلت لي صورها وأنا كذلك، شعرت بحبها يخفق في قلبي، تحسنت حالتي المرضية وبدأت أمشي بالبيت بعكاز، كنت أشعر بالسعادة وكانت سلمى سعيدة من أجلي، لكني كنت أبتعد عنها، ما عدت أرى غير حبيبتي سهام.
قال الطبيب في زيارته الأخيرة: إني أصبحت بصحة جيدة ومن الممكن أن أخرج من البيت، ما فكرت في شيء إلا في مقابلة سهام، قالت سهام وما نهاية حبنا، قلت لها دون تردد نهاية حبي لكِ الزواج، طلبت رقم هاتفها واتصلت بها لأول مرة حددت لها المكان والزمان لمقابلتي وأغلقت الهاتف قبل أن ترد على كلامي، في المساء همست سلمى في أذني وقالت: أشعر أن قلبك تحول عني، هل دخلت في حياتك امرأة أخرى؟ تعصبت عليها وقلت لها: يا سلمى أنتِ طالق ما عدت أطيق الحياة معكِ، نظرت لي سلمى نظرة لن أنساها وقالت يا ماجد أنت الآن بخير ولقد تم شفاؤك وما عدت بحاجة لي وخرجت من البيت وهي تبكي، وجلست أفكر في موعد الغد مع حبيبتي، هذه الليلة لم أنم، وما أن أشرقت الشمس قمت من فراشي وأخذت أفكر في لون البدلة ورائحة العطر وشعرت أني أطير في السماء فرحاً، وصلت إلى المكان فوجدتها، سلمت عليها وكأننا نتعانق عشقاً لقد ذابت مشاعرنا سوياً، هي جميلة، تتحدث بهدوء جم وعلى استحياء، صوتها هادئ لا يكاد يسمع من شدة رقته، طلبت منها أن تحدد لي موعداً مع والدها لطلب يدها، انتهى اللقاء وعدت إلى البيت وكأني تركت معها قلبي، اتصلت بها عبر الهاتف وقلت لها: أحبك... أحبك... لكنها صمتت، لم ترد، أعلم أنه الحياء، وفي المساء جاءت منها رسالة قالت فيها: لا أنكر أنك شاب وسيم ولا أنكر أني أحببتك من أول حديث دار بيننا عبر الرسائل، وحين رأيتك اليوم شعرت بالسعادة، لكني فكرت كثيراً ووجدت أن زواجي منك ربما يكون سبب تعاستي، فأنا حين تحدثت معك اليوم كنت لا تسمع نصف كلامي والنصف الآخر لم تسمعه إلا عندما كان صوتي يعلو، أعتذر لك وأرفض عرض الزواج بك.
حاولت الاتصال بها لكنها أغلقت الهاتف وكل مواقع التواصل الخاصة بها، أخذت أفكر في كلامها، ثم أخذت أضحك، نعم أخذت أضحك، نعم ضحكت حد البكاء.

ذو صلة