مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

كتب وقراءات

الكتـــــاب: إعادة التفكير في التنمية الثقافية
المؤلف: د.محمد محمود عبدالعال حسن
الناشـــــر: مكتبة العبيكان، الرياض، 2023
يهدف الكتاب إلى إبراز الدور الجوهري لتفاعل كل من: المؤسسات والأخلاق والاستعدادات الفردية والجماعية والسياسات المبنية على الثقافة لأجل تنمية حقيقية لا تنمية عقيمة أو منقوصة. وسوف نناقش ثلاث إشكاليات رئيسة: الأولى: استسهال التقليد وتحدي الآفاق الإبداعية في التعامل مع (محتويات) و(مجالات) المفاهيم، وذلك عبر دراسة مفهومي (التنمية) و(الثقافة) كعملة رائجة في فضائنا المعرفي العربي. وتجادل هذه الأطروحة حاجتنا للنظر إلى التنمية كتمثُلات وشفرات لكيفية إدارة الشأن العام وكنمط للتبصر، بحيث تؤطر التنمية في سياقات أوسع. إن الركيزة الرئيسة التي ينطلق منها الكتاب مفادها أن الشرط الثقافي للتنمية وحده يُوقعنا في عمى الاختزال وخطيئة الاستقطاب، ولا يمدنا برؤية تفسيرية، ولأجل ذلك ليس في وسعنا إغفال الأسباب الموضوعية لانسدادات التنمية، فبعض العوامل الثقافية ليست جواهر ثابتة مُفارقة، فهي ليست مسؤولة وحدها عن إنتاج هذا الواقع وترديه أو ازدهاره، فالتنمية في توالفات حاضرة ومستمرة ومُركبة وخلَّاقة، كما نحاول أن نبحث إمكانية مساهمة علوم الإدارة في استئناف فعالية المؤسسات والسياسات والقيم.



الكتــــــاب: ما وراء النقد الثقافي
المؤلف: مجموعة مؤلفين
ترجمــــــة: د.عقيل مهدي يوسف
الناشـــــر: دار الفنون والآداب، البصرة، 2023
احتوتْ المباحث المترجمة إلى العربية على مهيمنات تأريخية تخصّ نظرية الأدب، والفن، وأخرى تتجاوز البعد التأريخي والتأرخة، أو الأرشفة بمعناها الثقافي، لتتصل بمفهومات علم الجمال أو حقول الجماليات التي تضم عنوانات تنظيرية وأخرى تطبيقية، أو تقف عند عتبات بعينها شكّلتْ مفصلاً إبداعياً مهماً في مسيرة الفكر ماوراء الثقافي لتحكّمها في صياغة مادته، وتصميمها لموضوعاتها وفق نظرات محدثة هاجسها ربط مصفوفات المسرح، والسينما، والأدب، والموسيقى والإنثروبولوجيا والأسطورة، في جملة مجتمعية تتساقط منها قطرات ثقافية تتدفق في مسارات أشمل، وأكثر غنى من التلقي المألوف.



الكتــــــاب: الإيواء وإعادة الإعمار بعد النزاعات والكوارث
المؤلف: د.سلطان بركات
الناشـــــر: دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، الدوحة، 2023
يطرح هذا الكتاب موضوع إعادة الإعمار كمرحلة أساسية للتعافي عند الدول التي مرت بنزاعات عنيفة وكوارث طبيعية قاسية، وذلك بالتركيز على الجانب الخاص بإعادة إعمار المساكن تحديداً، لكونها ضرورة جوهرية لضمان حياة إنسانية كريمة، وباعتبارها حاجة مُهِمَّة لا رفاهية مؤجلة.
ويعد الكتاب محاولة مهمة لسد ثغرة واضحة في هذا المجال من خلال استناده إلى أُسُس وضوابط علمية أكاديمية واضحة، وتوفيره إطاراً نظريّاً من المفاهيم لدراسة مرحلة إعادة إعمار المساكن ضمن سياق دراسة الأزمات والتعافي منها، وتوفيره رؤية إستراتيجية وسياساتية للخروج منها، عبر طرحه مجموعة واسعة من الخبرات السابقة، وفق النهج الثلاثي: الإنسانية، والتنمية، والسلام.
وأخيراً، فالكتاب يمثل مساهمة علمية قيمة في الأدبيات العربية، ويثري البحوث في مجال إعادة الإعمار لما بعد الأزمات والكوارث، ويساهم في تكوين قاعدة معرفية واسعة تغذيها نماذج واقعية في فَهْم الخيارات والدروس والتحديات.



الكتــــــــــــاب: الإنسان المتمرد
المؤلــــــف: ألبير كامو
المترجمة: يارا شعاع
الناشـــــــــــر: دار نينوى، دمشق، 2023
الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يرفض أن يكون ما هو عليه.
تكمن المشكلة في معرفة ما إذا كان هذا الرفض لا يؤدّي إلا إلى تدمير نفسه والآخرين، وما إذا كان يجب أن ينتهي كلّ تمرّد بتبرير القتل العام، أو على العكس من ذلك، دون أن يطمح إلى براءة مستحيلة!
تحاول صفحات هذا الكتاب تقديم بيانات تاريخية معينة عن مفهوم التمرد، دون أن اعتمادها كفرضية وحيدة، بل يُحاول المؤلف أن يفسِّر، ولو بشكل جزئيّ، الاتجاه الذي يسير فيه عصرنا.



انتصار العقيل.. صائدة فيروس الحب
(كنت تلقائية منذ أيام دراستي، خصبة الخيال، تعبيري تلقائي، لا يخضع لقانون ولا نظام، لم أتأثر بأي مدرسة، بدأت الكتابة في الخامسة عشرة في (رسالة إلى زوج) كنت أتحدث فيها عن الخيانة، خيانة المرأة للرجل، كنت أقول فيها: ستعود، ستعود. ستجدني امرأة في ذاك الكوخ، تغزل الصوف بين أصابعها وترقب من خلف النافذة، فأنا ياحبيبي أنتظرك. ثم منعت عن الكتابة لمدة عقدين، عدت بعدها من خلال مجلة سيدتي في زاوية (بلا أشواك) تحت إمضاء زهرة، وكنت أطرب كثيراً لما تقوله صديقاتي عن هذه الزاوية وعن زهرة، حتى جمعت هذه المقالات في كتابي (فيروس الحب)، وكنت أحتار في كتاباتي هذه لا أعلم كيف أقيمها أو أين تقع؟! هل هي وجدانيات لها رنة موسيقية، أم شعر؟ لا أعلم ماذا؟! المهم بدأت أكتب في مجلة اليقظة والشرق الأوسط في زاوية (موانئ بلا أرصفة) التي أصدرتها فيما بعد في كتاب يحمل الاسم نفسه. كذلك بدأت أصدر إصداراتي التي ختمت حالياً بكتاب (هجرة القوارير) الذي فسحت له وزارة الإعلام مؤخراً، وكتاب (تحت الرماد) الذي مازال ينتظر الفسح. فالكاتب يحرص على ما يقدمه حرصاً على ذاته قبل المجتمع، وأنا أقدم ما يشرفني ويظهرني بالصورة الحسنة أمام قرائي).
هذا حديث انتصار عن نفسها.
انتصار منصور ناصر العقيل، لوالد من القصيم ووالدة حجازية من مكة. مواليد ديسمبر 1949م، حصلت على شهادة الثانوية العامة من بيروت عام 1967م، وهي متزوجة، أم لأربعة أبناء، وجدة لخمسة أحفاد. عملت في جمعية النهضة النسائية، وأسست دار الانتصار (1988).
بدأت الكتابة في مجلة سيدتي باسم مستعار وهو (زهرة) في زاوية (بلا أشواك) سنة 1407هـ (1987م) لمدة ستة أشهر، ثم باسمها الصريح في صحيفة الشرق الأوسط باسم الزاوية نفسه (بلا أشواك)، التي كانت متن كتابها الأول (فيروس الحب)، وكتبت في مجلة اليقظة مقالاً شهرياً في زاوية بعنوان (مواني بلا أرصفة) عام 1988م، ثم نشرت بكتاب يحمل العنوان نفسه، وكتبت في مجلة كل الناس زاوية (أنا والحمد لله) عام 1990م، و(من تحت الرماد) عام 1992م، و(قلمي وأنا)، و(أنسنة الإنسان) 2003م. وفي عام 1994م كتبت المقال الصحفي في صحيفة عكاظ تحت عنوان (قد نختلف) لمدة 8 أشهر، انتقلت بعدها إلى صحيفة الجزيرة مواصلة الكتابة المقالية باسم الزاوية نفسه، جمعت تلك المقالات، وأصدرتها في كتاب بعنوان (قد نختلف). وفي صحيفة الاقتصادية المصرية كتبت عدة مقالات تحت زاوية (عالم اليوم)، وأصدرت هذه المقالات في كتاب بعنوان (خمسة حرية) عام 1997م، كما أنها كتبت مقالات متعددة في صحف محلية متنوعة كصحيفة البلاد. كرمت من إثنينية عبدالمقصود خوجة (2017)، وجائزة الآداب والثقافة (2018).
الأعمال الفكرية: فيروس الحب (1988)، موانئ بلا أرصفة (1989)، أنا والحمدلله (1994)، من تحت الرماد (1993)، هجرة القوارير (1993)، دفء البوح (1994)، التسكع في حجرات القلب (1997)، قد نختلف (1996)، خمسة حرية (2000)، أحبك حتى الثمالة (2003)، حرملك الحادي والعشرين (2001)، أنسنة الإنسان (2005)، الهجرة للوطن (2003)، حب على الهواء (2008).
الأعمال الأدبية: شروخ في بؤبؤ العين - قصص (2001)، حين تهطل السماء دموعاً - رواية (2009)، أشجان الأفراح - رواية (2009)، سيمازا - رواية (2013)، مولوية عشق - رواية (2022).



قربان سعيد (1905 - 1942)
جزء من التاريخ والثقافة صيغت مادة أدبية، يتتبع كتاب المستشرق لتوم ريس حياة ليف نوسيمباوم، وهو يهودي حول نفسه إلى أمير مسلم وأصبح كاتباً ذائع الصيت في ألمانيا النازية.
وُلد ليف عام 1905 لعائلة ثرية في مدينة باكو المزدهرة بالنفط، على أطراف الإمبراطورية القيصرية، ونجا من الثورة الروسية في قافلة جمال. وجد ملاذاً في ألمانيا، حيث كتب تحت أسماء أسعد بك وقربان سعيد، كتبه الرائعة عن الإسلام، ومغامرات الصحراء، والثورة العالمية، التي اشتهرت في جميع أنحاء أوروبا الفاشية. تحفته الروائية الدائمة (علي ونينو) -قصة حب عبر الحدود العرقية والدينية، نُشرت عشية الهولوكوست- لا تزال تُطبع حتى اليوم.
لكن حياة ليف أصبحت أكثر وحشية من أعنف قصصه. تزوج من وريثة دولية لم تكن لديها أي فكرة عن هويته الحقيقية حتى طلقته في فضيحة شعبية. قبض على أقرب صديق له في نيويورك، جورج سيلفستر فيريك -وهو أيضاً صديق لكل من فرويد وآينشتاين- باعتباره العميل النازي الرائد في الولايات المتحدة. تمت دعوة ليف ليكون كاتب السيرة الذاتية الرسمي لموسوليني حتى اكتشف الفاشيون هويته (الحقيقية)، فوضع تحت الإقامة الجبرية في بلدة بوسيتانو على جرف أمالفي. كتب ليف كتابه الأخير الذي اكتشفه في ستة دفاتر لم يقرأها أي شخص من قبل بمساعدة مضيفة صالون غامضة نصف ألمانية ومهرب أسلحة جزائري والشاعر عزرا جنيه.
قضى توم ريس خمس سنوات في تعقب سجلات الشرطة السرية ورسائل الحب والمذكرات ودفاتر فراش الموت. بدءاً من تحقيق استمر لمدة عام في (The New Yorker). تابع قصة ليف عبر عشر دول ووجد نفسه محاصراً في مواجهات درامية وخارقة، وأحياناً مفجعة، مثل حياة موضوعه. سعي ريس للحقيقة يحميه من شخصية غريبة واحدة إلى التالي: من آخر وريث العرش العثماني إلى بارونة مؤلفة أوبرا لموسيقى الروك في قلعة نمساوية، إلى نجيمة عجوز في بيت صغير بهوليوود مليء بالقطط والسلاحف.
بينما يتتبع أجزاء من حياة ليف نوسيمباوم المحجوبة عمداً، يكتشف ريس سلسلة من العوالم الغامضة -من الإسلاميين الأوروبيين، والقتلة العدميين، ومهربي الكتب المناهضين للنازية، وأباطرة النفط في باكو، والمستشرقين اليهود- التي تم نسيانها أيضاً، والنتيجة هي صورة غير متوقعة تماماً للقرن العشرين، لأصول أفكارنا حول العرق وتعريف الذات الديني، وجذور التعصب والإرهاب الحديثين.
في أذربيجان، حيث تدور أحداث رواية (علي ونينو)، تُلفظ (قربان). أصل الكلمة ذات منشأ في اللغات السامية، وتشير ضمناً إلى (التضحية)، بعض الناس، بمن فيهم أورخان فازيروف (1928-2010)، ابن يوسف ووزير شامانزامينلي (ربما مؤلف علي ونينو)، مقتنعون بأن الاسم المستعار الأصلي هو على الأرجح (قربان سيد) أو ربما (سيد قربان). تشير كلمة (سيد) إلى شخص معروف بأنه من سلالة محمد، أي شخص من سلالة مقدسة. وبالتالي، فإن (سيد قربان) سينقل بشكل أكثر دقة معنى (شخص من أصل مقدس تمت التضحية به)، وهو بالضبط موضوع رواية علي ونينو. ترجمت روايتاه إلى العربية.



الكتــــــاب: نظريات القراءة: الأجساد والكتب والشغف بها
المؤلـف: كارين ليتلو
المترجم: محمود أحمد عبدالله
الناشــــــر: دار شهريار، البصرة، 2023
يتكون الكتاب من المقدمة: تشريح القراءة. (الكتب، الببليومانيا، الهيئات)، والفصول السبعة المتوالية:
1 - تاريخ القراءة: (من القراءة الجهرية إلى القراءة الصامتة، من القراءة الرهبانية إلى القراءة المدرسية، من القراءة في العزلة، من القراءة المكثفة إلى القراءة الموسعة).
2 - الشروط المادية للقراءة: (الوظيفة التعبيرية للطباعة، عدم استقرار الكائن النصي، تاريخ نقل النص، من المخطوطة إلى الثقافة المطبعية، من الطباعة إلى ثقافة الوسائط الفائقة).
3 - فيسيولوجيا الاستهلاك: (الآثار الجانبية للقراءة، حمى القراءة، إدمان القراءة، الحداثة والاعتداء على الحواس، إجهاد العين وجوعها، حمى السينما، إبهار الجمهور، الدوار في الفضاء الفائق، (ديس) المتجسد في الفضاء الإلكتروني السلبي، المستهلكون).
4 - القارئ في الخيال: (مخاطر القراءة، القارئ الدامع، القارئ الخائف، القارئ الشغوف، أمراض القراءة، ألعاب القراءة، خطر مستقبل بلا كتب، الوسائط المتعددة الحواس).
5 - دور التأثير في النقد الأدبي: (القراءة مع/خارج الرثاء، Docere-Delectare-Movere، من القارئ إلى المؤلف إلى النص، القراءة النزيهة والتأملية، القراءة الفاحصة، القراءة من أجل المعنى بدلاً من الإحساس).
6 - القارئ في النظرية: (عدم قابلية القراءة، الشروط المسبقة للقراءة، التحكم في استجابات القراء، توقعات القراءة، أعراف القراءة، المجتمعات التفسيرية، الفشل في القراءة، القراءة الخاطئة، القارئ كاتباً، سياسة الاختلاف).
7 - السياسة الجنسية للقراءة. (القارئ المقاوم، القراء النساء السود، الجماهير التجريبية، المستهلكون النشطون، القراءة (منخفضة/متوسطة/عالية)، القراءة المجسدة، القراءة كامرأة، تأنيث القارئ). ثم تنتهي بالخاتمة: القراءات المادية.
لماذا ينظر المنظرون الأدبيون إلى القراءة باعتبارها عملاً من أعمال التحليل النصي النزيه وإنتاج المعنى، في حين تظهر الأدلة التاريخية أن القراء كثيراً ما قرؤوا بشكل مفرط، وهوسي، ومن أجل التحفيز الحسي؟ بطرح هذه الأسئلة وغيرها، يعد هذا العمل الرئيس الأول الذي يقدم رؤى من تاريخ الكتاب للتأثير على التاريخ والنظرية الأدبية. وبذلك، يرسم الكتاب تاريخاً مقنعاً ومبتكراً لنظريات القراءة.
وبينما ساهم المنظرون الأدبيون بشكل كبير في فهمنا للعلاقة بين النص والقارئ، إلا أنهم نادراً ما أخذوا في الاعتبار أن العلاقة بين الكتاب والقارئ هي أيضاً علاقة بين جسدين: أحدهما مصنوع من الورق والحبر، والآخر مصنوع من لحم ودم. لهذا السبب، تقول كارين ليتاو، نحتاج إلى النظر إلى ما هو أبعد من الكلمات الموجودة على الصفحة، والاهتمام بالابتكارات التقنية في الشكل المادي للكتاب. عندها فقط سيكون من الممكن أن نفهم بشكل أكمل كيف غيرت تكنولوجيا وسائل الإعلام تجربتنا في القراءة، ولماذا يمثل تاريخ وسائل الإعلام تحدياً لمفاهيمنا حول ماهية القراءة.
يضع كل فصل القارئ في سياقات تأديبية وتاريخية محددة: الأدب، والنقد، والفلسفة، والتاريخ الثقافي، والببليوغرافيا، والأفلام، ووسائل الإعلام الجديدة. بشكل عام، يشير التاريخ الذي يسرده هذا الكتاب إلى الانقسام بين الدراسة الأدبية الحديثة التي تعتبر القراءة نشاطاً عقلياً قابلاً للاختزال، والتقليد الذي يعود إلى العصور القديمة والذي افترض أن القراءة لا تتعلق فقط بصنع المعنى، بل تتعلق أيضاً بالإحساس.



الكتـــــاب: الإسلام والسببية والحرية.. من العصر الوسيط حتى العصر الحديث
المؤلف: أوزغور كوجا
ترجمـــــــة: إياس حسن وأحمد م. أحمد
الناشــــــر: منشورات نادي الكتاب، الرياض، 2023
نجح أوزغور كوجا، في تقديم تحليل عميق لطرح المفكرين المسلمين الكبار حول السببية، من حيث علاقتها بـ(الله والإنسان والطبيعة)، في الفترة الممتدة من منتصف القرن الثامن إلى منتصف القرن العشرين الميلادي. فبعد دراسته لطرحِ متكلمي المعتزلة والأشاعرة الأوائل، ركز كوجا على أحد عشر عالماً: فيلسوفين: ابن سينا (980 - 1037م) وأبي الوليد ابن رشد (1126 - 1198م)، وثلاثة متكلمين أشاعرة: أبي حامد الغزالي (1058 - 1111م)، فخر الدين الرازي (1150 - 1209م)، والجرجاني (ت: 1413)، وستة علماء متصوفة: السهروردي (ت: 1191م)، وابن عربي (1165 - 1240م)، والقونوي (1209 - 1274م)، والقَيْصَري (ت: 1350م)، وملا صدرا الشيرازي (1572 - 1640م)، وسعيد النورسي (1876 - 1960م).
حظي المتكلمون المعتزلة بتأثيرات متباينة، ولكنها مهمة في العالم الإسلامي، منذ منتصف القرن الثامن الميلادي إلى منتصف القرن الحادي عشر، حيث شددوا على وحدانية الله وعدله، وجادلوا بأنه (من اللازم أن يفعل الله ما هو أمثل ليكون كاملاً أخلاقياً)، بالنسبة للمعتزلة (الله لا يختار ولا يمكنه الاختيار أن يكون شريراً أو قبيحاً، يختار الله بالضرورة الخير ويرتبط به، للحفاظ على العدل).
يشرح كوجا مع شيء من التفصيل كيف اختلف بشدة المتكلمون الأشاعرة (الذين ظهروا في أوائل القرن العاشر ميلادي)، مع المدرسة الاعتزالية في علم الكلام. بالنسبة إلى الأشاعرة، فهم يرون وجود ضرورةٍ أخلاقيةٍ هو ما يُفضي إلى (تقويضٍ للإرادة الإلهية والحرية)، لأنه (لا ينبغي على المرء أن يبحث عن سبب أو هدف أو حتى حكمة في أفعال الله)، كما شدد الأشاعرة على مسألة أن (لله مطلق الحرية في تنزيل مشيئته).
بينما جاء ظهور الأشاعرة الأوائل ردّ فعل على المُتكلمين المعتزلة، فقد طور بعد ذلك اثنان من أرباب المتكلمين الأشاعرة، وهما الغزالي والرازي؛ طرحهما العلمي في رد على طرح الفلسفة الإسلامية، وبخاصة ما جاء به ابن سينا. يشرح كوجا كيف جعل الفلاسفة المسلمون مفاهيم أرسطو عن (الطبيعة) و(الضرورة) ركائز مهمة لفلسفتهم الميتافيزيقية. بالنسبة لهم، للأشياء طبيعة تحدد سلوكياتها، رفضَ الأشاعرة فكرة (الضرورة) باعتبارها تضعُ حداً مرفوضاً لحرية الله ولمشيئة تصرفه، كان هذا الرفض أساس (علم كونيات جديد للأشاعرة، مفادهُ استبدال فكرة الضرورة بفكرة الاحتمال)، في تحديد العلاقة بين (قوة الله في الخلق) و(قوة البشر المكتسبة)، يدعو الأشاعرة إلى (مبدأ العرضية) (occasionalist)، لأنهم يدافعون عن الطرح الرامي إلى أن (إرادة الله وقوته تخلق كل الأشياء)، و(كسب) الإنسان يغدو عرضاً (لفعلِ الخلاقِ الإلهي).
سيطر المنظور الأشعري على الفكر الإسلامي منذ منتصف القرن الحادي عشر ميلادي، وفي هذا الصدد لدى كوجا انتقادان محوريان لهذه المدرسة الكلامية الإسلامية التي يُمكنُ اعتبارها الأكثر تأثيراً في العالم الإسلامي: أولاً: تكاد الأشعرية تنفي إرادة الإنسان الحرة، ثانياً: تظل الأشعرية حسب كوجا عاجزة عن تقديم إجابات قوية لسؤال الثيودسي (نظرية العدالة الإلهية) (ص: 254,260). في الواقع، يمكننا الجمع بين الإشكالين في سؤال واحد مفاده: إذا كان الله يخلق كل شيء، بما في ذلك إرادة البشر؛ فكيف يمكن للإنسان أن يتحمل مسؤولية أعماله الشريرة؟
في الواقع، يبدو أن اختيار العلماء الذين تمت دراستهم في الكتاب؛ يدعم ضمنياً مثل هذا الترابط، فمن أصل أحد عشر مفكراً، عاش سبعة منهم خلال الفترة الممتدة بين القرنين العاشر والثالث عشر، فيما عاش اثنان في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، وعاش اثنان فقط في القرون الخمسة الأخيرة.



قراءة في كتاب (هوامش العميد: ملامح التجربة المعرفية عند طه حسين)
منير عتيبة: مصر
تأتي هذا العام ذكرى مرور خمسين عاماً على وفاة عميد الأدب العربي د.طه حسين، فيزيد اهتمام الباحثين بالرجل الذي لم يفتر الاهتمام به منذ اشتبك بالحياة الثقافية شاباً طامحاً لتغيير مجتمعه وثقافته حتى الآن، لكن ماذا يمكن أن يقال عنه بعد كل ما قيل من مصريين وعرب وأجانب؟ هذا هو السؤال/المأزق الذي استشعره الباحث والناقد المصري د.أيمن بكر وهو يعيد النظر في تراث طه حسين، فلفته جانب طريف لم يوله الباحثون اهتماماً كبيراً، وهو على طرافته يمكن بالتحليل المتأني أن يقدم ملامح من فكر طه حسين وتجربته المعرفية الثرية المليئة بالعمل والفكر والارتباك والتناقض والإنجاز والطموح. وفي هذا الكتاب (هوامش العميد. ملامح التجربة المعرفية عند طه حسين- الهيئة المصرية العامة للكتاب2022م) يحلل بكر هذه الهوامش، ويرسم من خلالها خطوطاً لملامح التجربة المعرفية عند طه حسين.
ويعرف بكر الهوامش التي يقصدها بأنها (مقدمات الكتب وخواتيمها، والمقالات الصحفية القصيرة، والمقابلات، وإهداءات الكتب، وما كتبه حسين بالفرنسية، أي تلك الكتابات التي يُنظر إليها عادة بوصفها حاشية على متن، أو بوصفها، في أحسن الأحوال، مداخل يمكن المرور فوقها سريعاً). أما التجربة المعرفية التي يجعلها مدار بحثه فهي (تلك القواعد التي تحكم توجه حسين نحو المعرفة، أي أسس تعامله معها، وطرائق تكون المعرفة وإنتاجها، ومدى تفاعلها داخل عقله، ومدى الشغف الذي يتصف به التوجه نحو اكتساب المعرفة، بما ينعكس كله على مواقف حسين وآرائه واختياراته المنهجية، وأخيراً مدى وعي العميد بتلك التجربة).
يتكون الكتاب من مقدمة وأربعة فصول هي: طه حسين.. التجربة المعرفية - طه حسين.. شيخ العامود- مستقبل الثقافة ومشكلات القراءة- شذرات العميد.
يتناول الفصل الأول تحليل مقدمة وخاتمة كتاب طه حسين (مع المتنبي)، المقدمة عنوانها (قبل البدء)، والخاتمة بعنوان (بعد الفراغ). بتحليلهما يتوصل الباحث إلى عدة أمور مهمة منها الصراع الداخلي بين (الكا) و(البا) اللذين يكونان النفس الإنسانية، إحداهما تريد الهدوء والراحة والكسل، والثانية ترغب في العمل المضني المنتج الجاد، ويؤكد بكر أن طه حسين كان في كل الأحوال يغلب العمل على الراحة، ويجهد نفسه ليأتي بالجديد الذي يمكن أن يطور الفكر والمجتمع معاً. كذلك يتضح وعي طه حسين بتجربته المعرفية، والطريقة التي يعمل بها عقله في إنتاج المعرفة، ومراجعته الدائمة لآرائه وعدم الركون إليها أو الاعتقاد بصحتها التامة، وهو ما جعل فكره دائم التجدد والتطور، ونفى عنه الجمود، وهو ما أدى إلى أن تكون لطه حسين قدرة استشرافية حتى على المستوى المنهجي، فقد اقترب من تخوم الكثير من النظريات ما بعد الحداثية بأفكاره، مثل نظرية التلقي ونقد استجابة القارئ، وموت المؤلف، والمؤلف الضمني في السرد، والذات الشاعرة في الشعر، ويؤكد بكر: (لقد اقترب حسين بصورة لافتة من فكرة موت المؤلف، لكنه لم يستطع تتبعها، وربما لم تسمح له لحظته التاريخية/المعرفية بذلك).
ويشير الفصل الثاني إلى آثار العقلية الشفوية في إنتاج المعرفة لديه، مؤكداً أنه: (لعل عقلية حسين أقرب للكتابية منها للشفوية، لكن شيئاً عميقاً من هذا التقليد الشفوي بالتحديد، أعني توثيق المادة المعرفية عبر موثوقية الشخص نفسه، بقي قابعاً في عملية إنتاج المعرفة لدى حسين). ويؤكد خطورة الأمر الذي تبدو آثاره في الثقافة العربية عموماً، وهو (من أهم أسباب ضعف الحضور العربي في المشهد البحثي/الفكري العالمي).
وفي الفصل الثالث ينبه إلى مشكلات قراءة العقلية العربية للمشاريع الكبرى وأهمها الاختزالية التي تتسم بإطلاق الأحكام القطعية الإقصائية، والاستخدام السياسي لهذه الاختزالية، ويعيد قراءة مشروع (مستقبل الثقافة في مصر) ليس بوصفه مشروعاً لتطوير التعليم كما يختزله البعض، فيسعى إلى (إثبات أن هم طه حسين كان مناقشة دور الثقافة ككل، في لحظة تاريخية حرجة، وأن التعليم لم يكن سوى مثال تطبيقي).
أما الفصل الأخير فيسعى إلى تناول (كتابات طه حسين في مقالاته الصحفية وبعض مقدمات كتبه، ومنتجه الفكري بالفرنسية، بهدف تأمل شذرات الفكر التي بثها طه حسين في كتاباته القصيرة تلك).
هذا الكتاب مهم في قدرته على مناقشة علمية موضوعية جادة لهوامش العميد الذي سيظل بحاجة إلى مزيد من الدرس، والأهم الاستفادة من تجربته المعرفية في واقعنا الثقافي.



من هو ساعي البريد الذي يدق الباب دوماً مرتين؟
ابتهال عبدالحميد: مصر
رواية (ساعي البريد يدق الباب دوماً مرتين) للكاتب جيمس مولاهان كين، ترجمة أحمد حسن المعيني عن دار المدى.
الكاتب هو جيمس مولاهان كين كاتب أمريكي (1892 - 1977م) تخرج في كلية واشنطن، تشيسترتاون، ميريلاند، في عام 1910 وقام بتحرير صحيفة عسكرية أثناء خدمته خلال الحرب العالمية الأولى. بعد عودته إلى كلية واشنطن للحصول على درجة الماجستير، عمل كصحفي في بالتيمور في أمريكان ثم في ذا صن، كان أستاذاً للصحافة في كلية سانت جون، أنابوليس، من عام 1923 إلى عام 1924، وكاتباً افتتاحياً عن العالم في مدينة نيويورك من عام 1924 إلى عام 1931. ولفترة قصيرة كان مدير تحرير مجلة نيويوركر، عن دائرة المعارف البريطانية.
تم تصنيفه كأحد أساتذة الكتابة المسلوقة التي ازدهرت في الولايات المتحدة في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين والتي تميزت بالميلودراما العنيفة والمهووسة جنسيًا والمتسارعة بلا هوادة.
حققت رواية كاين الأولى -والتي نحن بصددها اليوم- ساعي البريد الذي يدق الباب دوماً مرتين، والتي نشرت عندما كان عمره 42 عاماً، نجاحاً مذهلاً، رغم أنها كانت صادمة للمجتمع الأمريكي المحافظ في ذلك الوقت في ثلاثينات القرن الماضي. كما اختيرت ضمن قائمة المكتبة الحديثة لأفضل 100 رواية. وتم تحويلها للعديد من الأعمال السينمائية والتليفزيونية والمسرحية والإذاعية وكذلك إلى أوبرا.
هذه الرواية ترجمها لنا الدكتور أحمد حسن المعيني (وهو مترجم عماني حاصل على دكتوراه في الترجمة، ويحاضر في جامعة صحار)، قدم لها مشيراً إلى أن الكاتب تميز باستخدام اللغة اليومية الدارجة وقيامه بتطعيم النص المترجم ببعض المفردات العامية القريبة من الفصحى، وقد لمستُ في ذلك دقة في الترجمة وحفاظا على روح الرواية الأصلية، ولما كنت قد سبق لي قراءة الرواية بنسختها الإنجليزية فإنني أشهد بدقة ترجمته حتى الإتقان، رغم تحفظي على حيلته للإيحاء بعجمة لهجة اليوناني.
ونعود للبحث عن ساعي البريد في الرواية التي صدرت عام 1934، وصنفت أنها رواية جريمة قائمة على حبكة سيكولوجية، وهي من الروايات السوداوية التي تقوم حبكتها الدرامية على خليط من العنف وعلاقة حب جامحة محرمة أو مرفوضة اجتماعياً، مما يقود شخصية أو أكثر في الرواية إلى القيام بجريمة بشكل ما.
وصف الكاتب الطريق الجبلي المار بشاطئ ماليبو باحتوائه على منحنيات حادة كل خمسين قدم، وأرى أن ذلك الوصف ينطبق على أحداث الرواية فهي كثيرة المنحنيات والانحرافات فلا يفلح معها التوقع في غالب الأحيان. كما وصف تقاطع طرق في نفس الطريق بأنه الأسوأ في لوس أنجلوس وأرى أن هذا الوصف أيضاً ينطبق على تقاطع طرق الأبطال والتقائهم، فلولا التقاء فرانك بالزوجين لعاشا هانئين كما كانا قبله.
فرانك ذلك المشرد الهارب من المكسيك في شاحنة قش ألقاه أصحابها منها قرب مطعم صغير، يدخله ليتحايل للحصول على وجبة دون مقابل، فيتعرف على صاحبه ويعرض عليه البقاء للعمل معه، ثم يتعرف على زوجته الحسناء كورا فيقعا في حب بعضهما البعض، ويتظاهر كل منهما بالإخلاص لذك الزوج اليوناني، بينما يتآمرن عليه لقتله ويحبكان التخطيط والتنفيذ لتحقيق هدفهما للاستيلاء على أمواله.
وهنا نتساءل عن المحرك الحقيقي لأحداث الرواية، هل هو حقاً الحب الذي جمع بين كورا وفرانك وحملهما للتضحية بأي شيء ليبقيا معاً، أم أنه الطمع والجشع الذي حملهما لفعل أي شيء للاستيلاء على الثروة؟ وهل كانت كورا فعلاً غير سعيدة مع زوجها اليوناني، أم أنها تميل بطبعها للجموح والخيانة فاستسلمت لذلك الشيطان المشرد الذي قذفته إليهم شاحنة القش؟ ويظهر لنا مدى أنانية كل منهما وإيثاره لنفسه حين شعوره بالخطر وتضحيته بالآخر بسهولة فينقلبان على بعضهما البعض، هل كان ذلك غريزياً أم اختياراً لكل منهما؟
النتيجة في جميع الأحوال واحدة كما تسرد لنا الرواية، وهي نتيجة سوداوية لتنتهي الرواية بموت الجميع مع اختلاف طريقة الموت.وفي رحلتنا للبحث عن ساعي البريد نتحير، هل كان المقصود بساعي البريد هنا هو الموت؟ أم المؤامرة؟ أم الخيانة؟ أم الشيطان فرانك؟ أم كان الكاتب يقصد الشرور جميعاً؟.

ذو صلة