مجلة شهرية - العدد (577)  | أكتوبر 2024 م- ربيع الثاني 1446 هـ

تطوير سياسات التعليم والإصلاح الإداري

إن تطوير التعليم ضرورة حتمية تفرضها المستجدات التي تحدث في كافة المجتمعات، ومما لا شك فيه أن الثورات الصناعية المختلفة في الدول المتقدمة تعكس تطور التعليم بها، وأن تطوير التعليم جاء رغبة من الدول في بناء الإنسان الذي يأتي على رأس أولوياتها، لذلك سعت معظم الدول إلى وضع خطط طموحة لتطوير التعليم، حيث تعتمد فلسفة التطوير على بناء الإنسان القادر على بناء الوطن من خلال اعتبار العملية التعليمية منظومة شاملة ومتكاملة في جوانبها العلمية والتربوية والثقافية والرياضية والوصول إلى مرحلة الفهم والابتكار وتنمية الملكات الإبداعية، والتحرر من ثقافة الحفظ والتلقين، والعمل على تمكين الطلاب من الوصول إلى أكبر عدد ممكن من مصادر المعرفة لينتقل من مرحلة متلقٍ للمعلومة إلى مشارك في عملية التعلم، والتحول من عملية التعليم إلى عملية التعلم، الأمر الذي اختلف معه دور المعلم من ملقن للمعلومة إلى ميسر وموجه ومرشد للطلاب من خلال اعتماد بعض إستراتيجيات التعليم المتمركز حول المتعلم؛ كالتعلم النشط والتعلم القائم على المشروعات.. إلخ، وأصبح دور المتعلم هو البحث عن المعلومة وبالتالي أصبح التعلم إيجابياً، وأصبح هناك مؤشرات لقياس أثر التعلم وأثر التدريب في حل مشكلات المجتمع.
في هذا الإطار، فإن تطوير التعليم يتطلب تطوير سياسات التعليم التي تمثل توجهات فكرية منظمة، وتعهدات، ومبادئ عامة توجه التعليم، وفي ضوء هذه التوجهات والمبادئ الإرشادية يتم تبني الإستراتيجيات، ووضع القوانين، والخطط، واتخاذ القرارات، وتصميم البرامج، بما يكفل استخدام الموارد المتاحة بكفاءة وفاعلية في تحقيق الأهداف المنشودة، بحيث تكون هذه السياسة متضمنة في وثائق رسمية، بما يسهم في توضيح المبادئ، وتحديد الأدوار، والمسؤوليات، والمهمات، ومعرفة الإجراءات المتبعة.
وهناك مبادئ حاكمة لنجاح جهود تطوير سياسات التعليم، لعل من أهمها: اعتماد معايير الجودة والتميز في تقديم الخدمات التعليمية، والتوسع في الرقمنة سواء في الجوانب التعليمية أو الإدارية، والشمول مع التدرج والمصارحة والشفافية في جميع مراحل وخطوات التطوير والإصلاح، مع الحفاظ على الاستدامة والاستمرارية في عمليات التطوير، واعتماد الجدارة والكفاءة في التوظيف والترقي للهيئة التدريسية والإدارية، وقياس الرضا الوظيفي وإجراء تقييمات دورية للخدمات التعليمية المقدمة لإعطاء التغذية الراجعة والتعرف على فجوات الأداء والعمل على تحسينه والارتقاء به.
كذلك يتوقف نجاح تطوير السياسة التعليمية بشكل كبير على مدى المواءمة بين إمكانات المجتمع التي يمكن أن يستغلها ويوظفها لصالح العملية التربوية والتعليمية، وبين الأهداف والطموحات التي تسعى إلى تحقيقها التربية والتعليم، فلا جدوى من رسم سياسات تعليمية مثالية (غير قابلة للتطبيق) لا تسهم في تغيير الواقع التربوي.
لذا فلابد من وضع سياسة تعليمية واقعية تحدد وتوجِّه النظام التعليمي في المجتمع لتحقيق التطور المعرفي، والعلمي، والاجتماعي، والاقتصادي للمجتمع، ورسم خططه، ومستقبله الحضاري، ولابد أن يوفر لتنفيذ هذه السياسة كل ما تحتاجه من إمكانيات مادية وبشرية مدربة حتى تفي بكل ما تتطلبه خطط تنمية المجتمع مما ينعكس ذلك على خطة التنمية 2030 لكثير من دول منطقتنا العربية والتي ركزت تطوير خطة التعليم بها على محور طبي ومحور هندسي ومحور تربوي.
ويرتبط تطوير سياسات التعليم ارتباطاً حتمياً بالإصلاح الإداري من منطلق أن كفاءة السياسات التعليمية الرامية للتطوير ترتكز على جودة القرارات التعليمية ذات الأسس العلمية، وكفاءة قدرات الجهاز الإداري بالمؤسسات التربوية، ودرجة تعاونه، وبناء جسور الثقة بين منسوبي المؤسسات التعليمية وجمهورها الداخلي والخارجي والقيادات التعليمية وصناع السياسة التعليمية ومتخذي القرارات.
ويمكن القول: إن السياسة التعليمية تتضمن بعدين مهمين، البعد الأول: يتمثل في كونها موجهات للفكر التربوي، ومبادئ عامة توجه العمل الأكاديمي التربوي، وكذلك كونها تتضمن خيارات أي الاختيار بين البدائل، أما البعد الثاني: يتمثل في الإدارة، أي: كيفية ترجمة هذا الفكر في الواقع، وما يرتبط به من مسؤولية، وتعهد بالتنفيذ، وأخيراً المحاسبة على النتائج في ضوء الأهداف التربوية التي نسعى إلى تحقيقها.
فنحن بحاجة إلى جهاز إداري تعليمي كفء وفعال، يتسم بالمهنية والشفافية والعدالة والانسيابية، يقدم خدمات ذات جودة، ويخضع للمساءلة، يُعلي من رضا المستفيدين من الخدمات التعليمية، ويساهم بقوة في تحقيق الأهداف التنموية للدولة وأهداف السياسة التعليمية، ينظم العملية التعليمية ويحدد المسؤوليات، وذلك عن طريق التخطيط للمراحل التعليمية، وقطاعاتها، وتحديد أهداف واضحة وطموحة لكل مرحلة، وتحديد خطط بجداول زمنية لتحقيق التقدم، وتحقيق الأهداف، وفي تحديد الأطر، والأسس، والمبادئ، والقيم العامة التي تسير على ضوئها العملية التعليمية كلها، وفي تحديد المسؤوليات الإدارية، والفردية، والجماعية عند تنفيذ السياسات والأهداف، مما يسهل تنفيذ السياسة التعليمية المطورة ويحقق التنمية الشاملة التي ينشدها المجتمع وصولاً إلى تحقيق الجودة الشاملة للتعليم.

ذو صلة