مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

الافتتاحية

ما هي الحدود الفاصلة بين الحقوق الخاصة والمتاحات العامة؟ هل فعلاً استطاع الإنسان أن يُحدد الأطر التي من شأنها الفصل الحاسم بين منتج خاص امتلك حقوقه الفكرية، ومُعطى عام ومتاح لا يحق لي أن أنسبه إلى نفسي؟ وإلى أي مدى يمكن أن تؤدي ضوابط حقوق الملكية الفكرية إلى الحد من تنامي الأفكار وتطورها بدلاً من دعمها وتحفيزها؟
أحد الأسئلة التي تمضي نحو جدل الحق والمتاح يستند إلى فكرة التراكم، من إنسان إلى إنسان، ومن جيل إلى جيل، ومن ثقافة إلى ثقافة، في صورة تقودنا إلى أن لا حق خاصاً وخالصاً قائماً بذاته دون أن يكون له أوردة تغذيها شرايين كبرى من مصادر أخرى، وما هذا الذي أخرج الفكرة سوى المرحلة الأخيرة التي تبلورت فيها صورة هذا المنتج أو ذاك.
إن الأسئلة التي تتصدى لها مؤسسات الملكية الفكرية في العالم تعود في جذورها إلى ممارسات بعيدة، عنيت بحفظ الحقوق وحماية أصحابها من الساطين عليها، وليس أدل من المقولة الشهيرة: (وقع الحافر على الحافر)، و(توارد الخواطر)، وغيرهما. الأهم أن في هاتين المقولتين ما يسعى لتبرير ما يمكن أن يندرج اليوم ضمن ملف الملكية الفكرية، لكن سنتفق جميعاً على أن مقتضيات التنظيم المؤسسي تحتم علينا أن نمضي إلى ضبط تفاعلات الناس والحياة، بما يضمن توفير سياق إنساني منتظم ومقنن ومحكوم.
اليوم وحيث يمضي العالم نحو سباق التنافس والريادة في مختلف المجالات، فإن الحاجة تبدو ملحة أكثر مما سبق، نحو أهمية تصميم إستراتيجيات وطنية في مختلف الدول العربية، وتطويرها وتحديثها دورياً، للعناية بحقل الملكية الفكرية في الدول العربية، انطلاقاً من كونها أداة لتحفيز الابتكار والإبداع وتحقيق النهوض بالمجتمعات علمياً واقتصادياً.
الأهم في هذا السياق هو أن تصبح ثقافة الملكية الفكرية لدى الأفراد والشعوب، ثقافة حياة ونظام أداء يومي، تبدأ مع الأجيال الناشئة وتمضي إلى مختلف مراحل العمر، وفي جل المجالات والتخصصات والأنشطة، بما يسهم في تعظيم مخرجات الابتكار والاختراع والاكتشاف والإنتاج والتطوير، نظرياً وتطبيقياً.

ذو صلة