مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

كاريزما (سيغموند فرويد)

بدايات القرن العشرين بدأ نجم المحلل النفسي النمساوي (سيغموند فرويد) يظهر بقوة، لاسيما حين صدر كتابه (تفسير الأحلام) عام 1900، مما جعله يضاهي في ظهوره أشهر الممثلين. لقد أصبح شاغل الناس ووسائل الإعلام بنظرياته الصادمة لكثير من الأطباء النفسيين وغيرهم. وبغض النظر عن نظرياته وعلاقتها بالجنس وسني الطفولة. يهمني هنا الحديث عن كاريزما هذا الطبيب وأثره على أبناء عصره، فقد أثار الجدل حوله وحول نظرياته، ما جعل بعض المجلات تطلب منه أن تكون صورته على أغلفتها، تماماً كما يحدث للممثلين والممثلات! يقول تلميذه هانز ساكس في كتابه: (فرويد أستاذي وصديقي) ترجمه سعد توفيق: (وبينما كنت أصغي بشغف إلى محاضرات فرويد كنت أدرس بجد طريقته الفنية في العرض (بقصد تقليده) فقد كان العجب يتولاني لنجاحه دائماً في الوصول إلى أمر غير متوقع مثير للدهشة بينما ينساب حديثه هادئاً في ألفاظ بسيطة..). وكان تلاميذه يتنافسون على الاقتراب منه وطلب رضاه. وكان يوزع عليهم خواتم تحمل فصوصاً نقش عليها صورة رجل ملتح بلحية تشبه لحية فرويد. كانت شخصيته تشبه شخصية قائد منظمة سرية باطنية لا شخصية طبيب نفسي. وعلى الرغم من أنه طبيب علماني ينطلق من منطلق مادي صرف، إلا أنه كان يتصرف كما لو أنه زعيم حركة دينية أو منظمة سرية، لذلك تعلق به تلاميذه وتلميذاته تعلقاً غير طبيعي، ليس تعلق التلميذ بأستاذه، إنما تعلق الفرد بنبيه ومخلصه! وكان يمارس عليهم دور الزعيم أكثر من دور الأستاذ، لذلك كان يحارب ويقصي كل من يخالفه ويتجاوز نظرياته، وكان يغري مريديه بالابتعاد عن كل من صار نداً له. ووقع بعض تلاميذه في مطب (التحويل) الذي كان يحذر منه فرويد أثناء جلسات التحليل النفسي.
وكانت حلقة الأربعاء تضم أبرز التلاميذ الذين وزع عليهم خواتم القبول، وكان من بينهم تلميذتاه: (لو أندرياس سالومي) و(ماري بونابرت). كان فرويد في عصره حديث مجالس الأطباء النفسيين والمثقفين والرسامين التشكيليين، فقد تأثرت المدرسة السوريالية بنظرياته لاسيما عن الأحلام، ونرى رسومات (سلفادور دالي) تشبه في ذوبانها ما يشاهد في الأحلام مثل الساعات المائعات وغيرها.
كان فرويد مثقفاً عميقاً قرأ التاريخ والأساطير والأديان وأهم الأعمال الأدبية، وكان هادئ الطباع معرضاً عن الوقوع في حبائل النساء. وكان رجلاً شرقياً في صفاته. ورغم يهوديته إلا أنه كان لا يؤمن بالدين، وقد أوصى أن يحرق جثمانه ويوضع رماده في جرتين يونانيتين.
بهذه الشخصية الكاريزمية استطاع أن يؤثر على من حوله، ويقنعهم بما أراد، كان اكتشافه للاشعور يعد فتحاً عظيماً ليس في مجال التحليل النفسي فقط، بل في حقول معرفية وثقافية أيضاً. ومازال فرويد يشغل الناس بنظرياته وشخصيته التي يكتنفها الغموض والوضوح في آن.

ذو صلة