مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

عرّافُ اليمامة

إلى روح الرمز غازي القصيبي


ولهي إلى الترحالِ أغواهُ الولَهْ
في خاطري مَشَطَ السرابَ، وجدّلَهْ

فارقتُ أحضانَ المدينةِ في فمي
قمرٌ، وأوتارٌ، ووردُ مُخيّلة

ومضيتُ في الصحراءِ أرسمُ واحةً
الجاهليُّ يدسُّ فيها بُلبُلَهْ

يا ويحَ ظنِّي في حمامة خاطرٍ
ترجو الحياةَ مع الصقورِ مُدللة

قامتْ (كلابُ الشمسِ) تتبعُ جُرّتي
أمشي كأنّ خطايَ فيّ مُكبّلة

تدنو السَّمومُ تبثُّ جسمي همّها
المزنُ هاجرَ فاستحالتْ أرملة

والأُفْقُ خلفَ الآلِ مدّ رجاءَهُ
للغيمِ، فانقطعَ الدعاءُ بلا صِلة

هذا فمُ الصحراءِ يرشُفُ خُطوتي
أفنى الخزامى قبل أن أتأمّله

فطويتُ قافيةَ الوجومِ على يدي
وهممتُ، لكنْ أوقفتني بَلبَلة

ينسابُ صوتٌ من تخومِ ثِمامةٍ
(نحنُ الحجازُ ونحنُ نجدُ) المذهلة

صوتٌ يهمهِمُ للكثيبِ كأنّهُ
رعدٌ يبشرُ بالمزونِ المُثقَلَة

فرأيتُ خلفَ عرارةٍ عُريانةٍ
شيخاً طواهُ السنُّ يغرسُ مِزوَلة

سلمتُ، لكن لم يعِرْ تسليمتي
ورأيتُ في اللاوعي أنْ لا ظلّ لَه

ساقاهُ غائرتانِ في رئةِ الثرى
ويداهُ في أسمالِهِ مُتبتلة

فدنوتُ كالوَسواسِ أشربُ وجهَهُ،
أدنو، وأسكبُ في خُطاي البسملة

من أنتَ؟ فارتطمَ السؤالُ بعودِهِ
ففهمتُ أنّ الصمتَ أوجبُ مسألة

مسحَ الكثيبَ برقةٍ، وكأنهُ
خدٌ، وأجرى فيه رأسَ الأُنمُلَة:

أنا يا أخا الصحراءِ جَذوةُ حالمٍ
رهنَ الإِداوةَ واستعارَ المِكْحَلَة

فامتدتِ الصحراءُ في أقدامِهِ
لوماً، وما زالت تعاقبُ أرجُلَه

فضحكتُ، قال: أراكَ تنبشُ قصةً
مدفونةً، والصبرُ ضيّعَ مِعوَلَه

هذي الفيافي الصُفرُ تعرفُ أنّني
حُلمُ البيادرِ في دعاءِ السنبلة

ما هبتُ معركةً، وخيلُ مقاصدي
جذّت سنابكُها رهابَ المِقْصلَة

حركتُ أرتالَ الكلامِ مؤذنا
بالقمحِ، أبذر في الغيوم الأسئلة

وخزنتُ في رئتي سُخامَ توجدِي
وحدي، وأحلامي هناك مؤجلة

لم يستمِلْني الصمتُ، رَجْعُ مواجعي
جَمَعَ الأنينَ من الصدور المُقفلة

طوّفتُ في المَلَكوتِ أنشدُ فكرةً،
تعويذةً، تَرقي جمودَ المرحلة

وظللتُ من ورقِ الجرائدِ خاصفاً
عُريَ العقولِ بما استطعتُ تخيُّلَه

ما نالَ سهمُ اللومِ زهرَ حديقتي
لو كان منبرُه المدوّي مِنجَلَه

فدنا (غروب الشمس) قبلَ إقامتي
وطوى صلاتي في جراحٍ مُهمَلة

هذا أنا في الخَبْتِ أعصرُ عَبْرةً
تنمو عليها في ضلوعي حَنظَلة

أمشي على وجلِ الرمالِ كأنّني
أعمى يداري أن يفارقَ مِطْوَلَه

من أنت؟ من أيّ الجراحِ سموتَ لي؟
أتُراكَ تعرفُ قامتي المُترهّلَة؟

قلتُ: السلامُ عليكَ، لورا وجهُها
شمسٌ، وذكرُكَ في النّدى ما أجمَلَه

مذ صِرتَ (عرافَ اليمامةِ) زايَلَت
سُحبُ الهُدى برقَ الوعودِ المُمْحِلَة

ما خابَ بيعُك، فالظلامُ تكاثفَتْ
أمواجُه، وسراجُ كحلِكَ أشعَلَه

ورهانُ إثمِدِكَ الذكيٌّ أحالنا
زرقاءَ تبصرُ ما وراء الأخْيِلَة

جُزنا معابِرَك التي أضمرْتَها
جيلٌ تهجّى ما أردتَ، فأوّلَه

فهمى الضياءُ العذبُ يغسلُ ليلنا
حشرَ الوحوشَ على صراط الغَرْبَلَة

غازي، بذرتَ مدارنا ومنارنا
فنمَتْ عقولٌ بالضياءِ مُكلّلة

ما زلتَ حيّاً، لا غروبَ لحالمٍ
عزفَ الجهاتِ وشدّ قُطْرَ البَوْصَلَة

غازي، نحبُّكَ، ما تزالُ لحُلْمِنا
ماءً، وذكرُكَ نخلةٌ للأمثِلة

فاهنأْ بموتِك تحت ظلِ عرارةٍ
المجدُ رسّخَ في بلادِك منزلَهْ

ذو صلة