هذه التحولات التاريخية الثقافية والاجتماعية في بلادنا، تقدم لنا الآن ذاكرة جديدة وقيمة جديدة، وتقدم لنا نتائج لأثر هذه التحولات في المملكة، على الذاكرة الثقافية والسياحية، وعلى الكتابة وهواجسها.
ذاكرة المقاهي والأماكن، وقد صارت نقطة تحول وانطلاق رؤية جديدة وكتابة جديدة وأسئلة حول أثر المكان في الرياض، المكان الحيوي والاجتماعي والثقافي الجديد، وهو يصنع لها ولنا ذاكرة اجتماعية وثقافية جديدة، بعد تجدد وازدهار أماكن كثيرة متنوعة، مقاهي ومكتبات ودور نشر ومتنزهات ومطاعم ريفية.
عشرات الأماكن الموحية زرناها في السنوات الأخيرة، في أوقات ومناسبات مختلفة، وصرنا نفكر في العودة لها مجدداً؛ في الدرعية وسمحان والبجيري ونبع الدرعية وجال الوادي ومطل وادي حنيفة والبوليفارد، وكذلك مكتبات الشريك الأدبي، ودور النشر في أغلب أحياء الرياض، وقد دخلت في طريق تحولات واضحة وصريحة، أغنت حياتنا اليومية بذكريات ومواقف وصداقات جديدة، وحولت المكان إلى جزء من كتابة فن الذاكرة، وإلى قيمة تحرض على الكتابة عن هذه الأماكن المتنوعة في تاريخها وثقافتها وأسئلتها.
نلمس الآن أثر هذه التحولات الكبيرة والتاريخية في بلادنا السعودية، نشعر به كبيراً وواضحاً، على مزاج وهواجس الناس والحياة الاجتماعية والثقافية والكتابة، وعلى روح جيل جديد يثري ندوات الشريك الأدبي والمقاهي والمكتبات وأماكن العمل والأسواق وأرصفة المشي وصالات السينما ومعارض الكتب، وأيضاً على معرض الرياض الدولي للكتاب 2025، حين يواكب هذا المعرض العريق، التحولات السعودية الجديدة، خصوصاً بعد أن صارت معارض الكتب والإصدارات الروائية الجديدة محط أنظار وانتظار الجماهير، بعد مرحلة كانت فيها معارض الكتب محط أنظار وانتظار النخبة من الكتاب والكاتبات والنقاد وفئات من القراء المهتمين فقط.
ومعرض الكتاب الدولي بالرياض هو ذاكرتنا الثقافية القديمة والعريقة، وهو البيت السنوي للكتاب والكاتبات والقراء والأسر بمختلف أطيافهم وأعمارهم، وهو المعرض العربي الدولي الكبير للكتاب، وتصاحبه كل عام فعاليات وندوات أدبية وفنية وفكرية واجتماعية وثقافية متنوعة، لهذا ننتظر أن يكون معرض الرياض للكتاب هذا العام واسعاً وجديداً ومبدعاً ومتميزاً، ويتم التحضير له مبكراً تلافياً لبعض مشاكل التأخير التي حصلت في نسخة العام الماضي، وأن يكون في مكان متسع يتيح للناشرين والزوار عروض كتب واسعة وحركة أفضل، خصوصاً أننا نعيش الآن مرحلة ازدهار للرواية السعودية والعربية، التي تقدمت بطموح فني كبير ومبدع ومختلف ومتجدد، وذلك بعد ظهور جيل عربي وسعودي جديد، راكم قراءات متنوعة على مدى سنوات طويلة، وصار يكتب الرواية في الغالب بلغة ممتعة فيها رصد لليومي بلغة وأسلوب ورؤية عفوية وبسيطة وعميقة، وكل ذلك بمتابعة جادة من قارئ جديد ووعي جديد يتابع كل جديد، وله رؤية نقدية جديدة، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والثقافي، التي وضعت الكتاب والمكتبات ودور النشر بالقرب من القارئ، وهذا ساعد على تحول القراءة إلى فعل يومي ورفع معدلات مبيعات الكتب الأدبية المتميزة. وإذا كان هناك كتاب ونقاد يشتكون بمبالغة، أنه زمن مشاهير التفاهة، فهذا غير صحيح بالمطلق، لأنه في كل زمان ومكان يوجد أدب وفن بمستويات رفيعة ومتوسطة وضعيفة وتجارية المستوى والمحتوى، لكن المختلف الآن أنه أصبح لدينا في فن الكتابة الأدبية وبالذات الرواية، مستويات مرتفعة، بعد تجارب عقود طويلة من تراكم قراءات وتجارب كتابة لأجيال متواصلة، وصار لدينا نماذج روائية رفيعة وقليلة تضاهي في مستواها ما يكتب من أدب في العالم، ولهذا نحن ربما بحاجة إلى تواصل هذه الكتابة الأدبية الجديدة وسماتها العالية في الوضوح والسهولة والعمق، وهي المعادلة الصعبة التي تحتاج إلى قدرات وتجربة كبيرة للكاتب والناقد، وهنا نتذكر أن هذه المرحلة الجديدة هي مرحلة ندوات الشريك الأدبي وندوات معارض الكتب النقدية، مرحلة القارئ الجديد والناقد الجديد الذي لا يجامل، مرحلة المراجعات النقدية الموجزة والحديثة الواضحة والشجاعة.