مجلة شهرية - العدد (587)  | أغسطس 2025 م- صفر 1447 هـ

القنافذ لا تقترب من بعضها!

حين نتمعن بخلق الله سبحانه وقدرته وشأنه، للمخلوقات الإنسانية والحيوانية، نرى العجب العجاب بتصرفات المخلوقات الفطرية حسب وكما خلقها الله بشؤونها، حين تعيش وتأكل وتشرب وتتكاثر وتربي صغارها وتحميها من المفترسات!
فمثلاً حيوان القنفذ الذي يستطيع أن يأكل الأفعى السامة لوحده، حيث يمسكها من ذيلها ويبدأ بأكلها وهي تضرب رأسها بجلده الذي تغطيه الأشواك المدببة، حتى تدمى وتموت وهو مستمتع بأكلها بهدوء تام حتى يخلص عليها تماماً بدون أذى.
ولا يُمكن للقنافذ أن تقترب من بعضها البعض أثناء الحالات الطبيعية، فالأشواك التي تُحيط بها تكون حصناً منيعاً لها والدفاع عن صغارها، ليس عن أعدائها فقط بل حتى عن أبناء جلدتها.
فإذا أطلّ الشتاء برياحه وعواصفه المتواصلة وبرودته القارسة تضطر القنافذ للاقتراب والالتصاق ببعضها طلباً للدفء ومتحملة ألم الوخزات وحدّة الأشواك، وإذا شعرت بالدفء ابتعدت عن بعضها حتى تشعر بالبرد فتقترب مرة أخرى وهكذا تقضي ليلها بين اقتراب وابتعاد حسب الظروف الطبيعية المحيطة بها.
الاقتراب الدائم قد يكلفها الكثير من الجروح والآلام، والابتعاد الدائم قد يُفقدها حياتها لأنها أيضاً تتعرض لطائر (الرخمة)، فحين يشاهد القنفذ طائر الرخمة في الجو وهو يحوم فوقه، يفتح جلده ويستلقي أرضاً، فيأتي الرخمة ويأكل لحمه ويترك جلده المشوك بالأرض، لأنه إذا لم ينفذ القنفذ هذه التعليمات الصارمة فإن طائر الرخمة ينقض عليه ويحمله بمخالبه عالياً في السماء ويرميه أرضاً! وهو يفضل الموت بالأرض أفضل من هذه المأساة والهلع والرعب قبل الموت!
وعندما يترك الرخمة جلد القنفذ في الأرض ناشفاً، يستفيد منه الإنسان، وبخاصة أبناء البادية، حيث يأخذون جلد القنفذ المغطى بالأشواك القوية، ويضعونه على أنف ولد الفرس (الفلو)، وحين يريد أن يرضع من ثديها، تنشب أشواك جلد القنفذ بثديها وترفسه بدون رحمة، والفلو يكرر العملية عدة مرات، وأمه الفرس كل مرة ينغزها ويؤذيها ترفسه بقوة أكثر، وتكرر الممارسة عدة مرات، حتى يظن ابنها، أن أمه امتنعت عن رضاعته، وهكذا يتم (فطام) الفلو من أمه الفرس!
كذلك هي حالتُنا في علاقاتنا البشرية المتعددة، نجد صراعات وخلافات عائلية واجتماعية وقبلية، لا يخلو الواحد منا من أشواك تُحيط به وبغيره، ولكن لن يحصل على الدفء مالم يحتمل وخزات الشوك والألم والمعاناة حتى يكبر وينضج ويكمل مسيرته ليعبر إلى بر الأمان، متحملاً كل الطعون والوخزات حتى تكتمل دائرة الحياة!
وهذه سنة الله بخلقه، ونستخلص العبر والمواعظ من تلك المواقف والدروس في حياتنا التي أصبحت محفوفة بالمخاطر والعثرات والأشواك والفتن!
- من ابتغى صديقاً بلا عيب عاش وحيداً..
ومن ابتغى زوجةً بلا نقص عاش أعزباً..
- ومن ابتغى أخاً بدون مشكلات عاش بلا أخ..
ومن ابتغى قريباً كاملاً عاش قاطعاً لرحمه
فلنكظم الغيظ، ونصمت ونحنى رؤوسنا أمام العواصف، ونقفز فوق السهام السامة، حتى ننجو من طعنات رماح وسهام الأقارب والأصدقاء!
فلنتحمل وخزات الآخرين حتى نعيد التوازن إلى حياتنا لكي لا يشمت بنا الأعداء!
إذا أردت أن تعيش سعيداً، فلا تفسر كل شيء بسوء الظن وتفارض حسن النية، ولا تدقق بكل شيء، لأن الشيطان يكمن في التفاصيل الصغيرة!
ولا تحلل كل شيء حسب أهوائك أو مرضاة لغيرك وكرهاً للآخر! فإن الذين حللوا الألماس وجدوه فحماً، والذين حللوا بعض الذهب وجدوه نحاساً.. والذين حللوا بعض الأحجار الكريمة.. وجدوها جلمود صخر مثل قلوب بعض البشر!
لا تحرص على اكتشاف الآخرين أكثر من اللازم.
الأفضل أن تكتفي بالخير الذي يظهرونه في وجهك دائماً وتتقبله حتى لو كانوا غير صادقين؛ فالزمن كفيل بكشف حقيقة سم الأفاعي وغدرها، ووخز أشواك القنافذ وخبثها، وطائر الرخمة ولؤمه، وفطام الخيل الأصيلة لأبنائها!

ذو صلة