مجلة شهرية - العدد (587)  | أغسطس 2025 م- صفر 1447 هـ

أنين الحيارى

كَدَأْب الكثير من أبناء جيلي، كان الكتاب متعة كبيرة نتباهى بها ونتسابق إليها، ولا فضل لنا في ذلك فلم يكن أمامنا من متعة وقضاء الوقت وبخاصة في الإجازات المدرسية سوى القراءة وتبادل الكتب.
وكان أفضل الطرق لاقتناء الكتاب هو البحث عنه في (بسطات) الكتب المستعملة، وأذكر أن بائعاً للكتب القديمة والمستعملة كان يجلس في أطراف الحراج يفترش الأرض عارضاً الكثير من العناوين المغرية لكتب الأدب والفقه والتراجم بعضها أقرب للجديد وبعضها نال منها الدهر أو الإهمال أو العثة، ويجمع كل هؤلاء السعر الزهيد الذي كنا نقدر عليه من مصروف المدرسة.
وفي كثير من الأحوال كانت الكتب القديمة أو المستعملة تحمل أسماء أصحابها، أرقام هواتفهم، وأحياناً عناوينهم، وأجمل ما كنت أجد فيها التأشيرات على الأسطر والعناوين العامة والتعليقات على الهامش ومازلت أحتفظ بكتاب فيه من التعليقات والتأشيرات من قارئه ما يعادل عمل المؤلف، وكان مقارنة بين شعر عمر بن أبي ربيعة ونزار قباني اشتريته من جدة عليه عنوان طالبة في كلية الآداب من جامعة حلوان بمصر ولا أدري كيف وصل إلى الحراج ثم انتهى في مكتبتي منذ كنت في الثانوية.
وكان من أروع ما اقتنيت من الكتب المستعملة الطبعة الأولى من ملوك العرب لأمين الريحاني وعليه إهداء المؤلف لمحمد الطويل أحد رجال الوطن الكبار المشهورين، ويؤلمني اليوم أني فقدت هذا الكتاب ولا أدري كيف ضاع مني.
وفي الأشهر الأخيرة وأنا أعيد ترتيب مكتبتي، وقد انتقلت بها إلى بيت جديد، وقع في يدي كتاب مستعمل أظنني اقتنيته من زمن طويل من تأليف د. عبدالله مناع بعنوان (أنين الحيارى) نشرته الشركة التونسية للتوزيع في بداية السبعينات الميلادية، وكنت بالصدفة يومها ذاهب للقائه في اجتماعنا الأسبوعي الذي ينظمه الأستاذ عبدالله رواس مع بقية محبي الدكتور المناع وصفوة أصدقائه، وعقدت العزم أن أفاجئه به وأهديه له ولكني تراجعت عن فكرة الإهداء بعد أن قرأت إهداء من (خالد) وهو صاحب الكتاب أو مالكه قبلي والذي من المؤكد أنه اشتراه من عهد بعيد قبل أن يصل إلى يدي إهداء خالد وتوقيعه مكتوباً بخط أنيق واضح في عبارة رقيقة تتدفق دفئاً ولطفاً إهداء موجهاً إلى غاليته.
يقول خالد في إهدائه لكتاب أنين الحيارى لكاتبه الدكتور عبدالله مناع: (مع إهدائي لك هذا الكتاب أرجو أن أكون قد وفقت في اختياره. راجياً أن تجدي المتعة كل المتعة خلال مواضيعه المليئة بالمواقف الإنسانية التي حبذا لو أنها تكون سبباً في فتح نافذة على تلك الدنيا موضحة كل ما هو جميل..).
عزيزي خالد أينما كنت الآن، إن إهداءك الحميم الرقيق منعني من التنازل عن نسختي للمؤلف في لقائي معه بعد أكثر من أربعة عقود على نشر الكتاب ولا أدري بعد كم من السنين بعد إهداءك إياه لغاليتك.

ذو صلة