مجلة شهرية - العدد (587)  | أغسطس 2025 م- صفر 1447 هـ

الافتتاحية

تذهب فكرة الدراسات الثقافية إلى قراءة حركة المجتمعات والثقافات والشعوب والظواهر، والأثر المتحصل عبرها. وهي بهذا المفهوم رؤية علمية فكرية معمقة، تستهدف الصيغ الكبرى، ومعاينتها ضمن سياقاتها السياسية والاجتماعية والأنثروبولوجية، لا الحالات الصغرى كالفرد أو السلوك المباشر.. ونحوهما.
هذا النوع من الدراسات برز لدى الغرب مبكراً، وهناك تبلورت أسسه ومدارسه ومفاهيمه، ضمن حقول البحث الأكاديمي، وأيضاً عبر جهود المفكرين والباحثين خارج أسوار الجامعة، ليتحول بالمجمل إلى حركة في العلم والفلسفة والفكر. وفي إطاره تسير الدراسات الاستشراقية التي عنيت بالمساق الثقافي لهوية أو جهة أو ثقافة ما بعينها.
في العالم العربي تبرز ندرة مثل هذا النوع من الدراسات، إذ لم تتشكل دراسات ثقافية بمعناها الدال اصطلاحياً، وفق ما تأصل غربياً.
يحصل هذا والعالم العربي على بُعد قرون من التأسيس العلمي والثقافي والمعرفي، والاتصال العلمي والترجمي مع ما أنتجه الآخر، أي أن العرب تجاوزوا مرحلة التكوين، وكان من المفترض أن يصلوا إلى مرحلة الإضافات المتعددة.
وهنا تتجلى أسئلة العلّة: فهل هي علّة البيئة العلمية والبحثية والفكرية والمعرفية؟ أم علّة مناخات السياسة والرقابة والحرية العلمية في بعض بلدان العالم العربي؟ أم أنها حالة من التهيّب لدى الباحثين والمشتغلين بالفكر والثقافة؟ أم غيرها من علل وعوائق؟!
واليوم، تتأكد الحاجة إلى دراسات ثقافية عربية، خصوصاً ونحن نستقبل حضارة إنسانية جديدة، سيكون فيها حيز التجمع البشري، وكل ما ينضوي داخل ذلك الحيز من أنماط وتفاعلات وتعاملات في أصلها الثقافي، لا تنتمي إلى الأصول المادية التي عرفها الدرس الثقافي التقليدي.
وهذا ما يُحتم ألا يكرر العرب تأخرهم، بل ينتهزوا فرصة تساوي المعارف، وتساوي المصادر، وتقارب المستويات؛ وبالتالي المبادرة نحو تبني الدراسات الثقافية، لقراءة واقع المجتمعات والثقافات والشعوب التقليدية، وفقاً للمعطى الرقمي، لمعاينة ظواهره واستبصار مآلاته، والإسهام في رفد المنتج البشري والإنساني بالمعرفة المبتكرة والحية والحيوية.
ختاماً، أحييكم إلى هذا العدد الذي تخصصه مجلتكم (المجلة العربية) لمناقشة أحد أبرز أسئلة الفكر والفلسفة، وهو سؤال: (الدراسات الثقافية والواقع العربي حيالها).

ذو صلة