يقول أرسطو: (تتشكل أخلاق المرء بما يكرره من أفعالٍ على مدار حياته). فالأخلاق لا تتشكل بفعل واحد عابر، بل تُكتسب بالتكرار والمواظبة. فإذا أقدم الإنسان على فعلٍ معين مرة واحدة، لا يمكن اعتباره جزءاً من عاداته أو أخلاقه، أما إذا تكرر منه عن قصد وبشكل واعٍ، حتى أصبح يصدر عنه تلقائياً، وصار جزاً من طبعه؛ حينها يُقال: (هذا خلقه).
إن بناء الأخلاق عملية مترابطة المراحل، فلا يصبح الإنسان خيراً بمجرد فعل حسنٍ واحد، بل يكتسب سمعة الخير من خلال أفعاله الطيبة المتكررة، التي تترسخ في القلوب والعقول. وكذلك الأمر مع الأشرار، فلا يُعرف الإنسان بشرّه إلا بعد تكراره للأفعال السيئة، حتى تصبح جزءاً من هويته. فالأفعال المستمرة تلتصق بصاحبها، وتتحول بمرور الوقت إلى أخلاقه التي تميزه. لذا، لا بد للإنسان أن يكون واعياً ومدركاً لكل ما يقوم به، ليتمكن من توجيه أخلاقه والسيطرة على مسارها.
مراحل بناء الأخلاق
يقترح علماء النفس أن بناء الأخلاق يمر بثلاثة أطوار رئيسة:
1. المثير (Cue): وهو الزناد الذي يحفّز العقل للقيام بسلوك معين. على سبيل المثال، عندما يصلك إشعار على هاتفك يُخبرك بأن شخصاً ما قد أعجب بإحدى صورك على إنستغرام، فإن هذا الإشعار يعمل مثيراً، ليدفعك تلقائياً لفتح حسابك ومعرفة هوية المعجب.
2. الروتين (Routine): وهو السلوك الفعلي الناتج عن المثير. فعندما ترى الإشعار، تقوم فوراً بفتح التطبيق وفحص حسابك، وهذا الفعل المتكرر يصبح عادة مع مرور الوقت.
3. المكافأة (Reward): وهي النتيجة الإيجابية التي تحصل عليها من السلوك. فمثلاً، عندما تكتشف من الذي أعجب بصورتك أو ترك تعليقاً عليها، فإن هذا الشعور بالاهتمام أو التقدير يُعزز لديك الرغبة في تكرار هذا السلوك لاحقاً. هذه المرحلة تساعد العقل على ترسيخ العادات، سواء كانت إيجابية أم سلبية.
نمو الأخلاق كالنباتات
يشبه الدكتور بي. جي. فوك (Dr. BJ Fogg)، الخبير في علم السلوك بجامعة ستانفورد؛ نمو الأخلاق بنمو النباتات، حيث يتطلب ذلك عدة خطوات أساسية:
1. البدء بالأمور الصغيرة، تماماً مثل زراعة البذور.
2. اختيار البيئة المناسبة، كما هو الحال عند انتقاء المكان الملائم لنمو النبات.
3. توفير الرعاية والتغذية المستمرة لضمان نمو الجذور وترسخها.
وكذلك الأخلاق، فهي لا تنشأ بين ليلة وضحاها، بل تحتاج إلى رعاية مستمرة وتغذية واعية، حتى تصبح جزءاً أصيلاً من شخصية الإنسان. لذا، يجب على الفرد أن يحرص على تنمية أخلاقه بشكلٍ منتظم، ويحميها من العوامل السلبية التي قد تضعفها أو تؤثر عليها سلباً.
التعليم.. والأخلاق
هل فكرت يوماً في الأداة التي تساعدك على تحسين أخلاقك وصقلها، لتصبح شخصاً متألقاً ومتميزاً؟ الإجابة تكمن في التعليم، فهو الأساس الذي تنمو عليه القيم الأخلاقية وتتجذر في الشخصية. الحكومات والسلطات تتحمل مسؤولية صياغة إستراتيجيات فعالة لتشكيل هوية الأفراد، عبر نظام تعليمي قوي يدمج التربية الجادة بالتعليم النافع.
ولا شك أن التعليم من ضروريات الحياة، فقد أكدته جميع الحضارات والديانات عبر التاريخ. فالمدارس، والجامعات، والمؤسسات التعليمية تلعب دوراً أساسياً في تعزيز الأخلاق، من خلال إدراج الأنشطة التربوية والمشاريع الحديثة ضمن مناهجها الدراسية، بما يضمن معالجة القضايا الأخلاقية بأسلوب علمي ومؤثر.
وقبل أن تسعى إلى تطوير أخلاقك، عليك أن تبدأ بفهم ذاتك جيداً. لا بد من تحليل سلوكياتك وتقييم تصرفاتك، لتحديد ما يحتاج إلى تحسين وتطوير. ضع جدولاً واضحاً للتغييرات المطلوبة، والتزم به كأنه قانون تسير عليه في حياتك.
الثقة بالنفس أساس بناء الأخلاق
الثقة بالنفس ليست مجرد شعور عابر، بل هي ركيزة أساسية في بناء الأخلاق. عندما تنظر إلى إنجازاتك الماضية، ستلاحظ أن كل نجاح حققته كان قائماً على الثقة بقدراتك وإصرارك على تحقيق أهدافك. هذه الثقة هي التي تحفزك للاستمرار، وتهمس لك: (أنت قوي.. أنت قادر.. لا تستسلم!).
عندما تزرع في داخلك فكرة (سأتغير وأتطور)، ثم تلتزم بها بجدية، ستجد نفسك تتذوق طعم النجاح بعد الصعوبات، وتشعر بالفرح بعد الأتراح. لا أحد سيستفيد من التغيير الإيجابي أكثر منك، فالنجاحات التي تحققها ثمرة جهدك المستمر وإصرارك الذي لا ينكسر.
الثقة لا تقتصر على النفس فقط، بل تشمل أيضاً ثقتنا بالآخرين في مواقف الحياة المختلفة. تخيل أنك زرت قرية وأردت السباحة في بحيرتها، فحذرك أحد السكان المحليين قائلاً: (لا تقترب، فالمياه مليئة بالتماسيح الخطرة). هنا، من الأفضل لك أن تثق بكلامه وتطيعه، حفاظاً على حياتك. وبالمثل، نحن نثق في الوصفات الطبية التي يصفها الأطباء دون تردد. لهذا، لا تقلل من أهمية الثقة في قراراتك اليومية.
تعزيز الأخلاق بالمكافآت الإيجابية
عندما تمارس خلقاً حميداً، لا تتجاهل تعزيز نفسك بتشجيع إيجابي، سواء داخلياً أو خارجياً. يمكنك أن تهمس لنفسك: (لقد كنت رائعاً اليوم) أو (أديت أداءً جيداً). ليس من الضروري أن تكون المكافآت كبيرة، بل يكفي أن تكون موجودة، لأن الإنسان يحتاج إلى دافع للاستمرار في جهوده.
الكلمة الطيبة، مهما كانت بسيطة، تُحدث أثراً كبيراً في حياة الشخص الطموح، وتمنحه القوة لمواصلة طريقه نحو النجاح. لذا، عليك أن تؤمن بموهبتك وتثق بها أولاً، وعندها سيؤمن الآخرون بك أيضاً، وسيسعدك تقديرهم لجهودك المتواصلة.
في عصرنا الحالي، تتوافر العديد من الوسائل التي يمكنك استغلالها لتطوير أخلاقك وتجديد ذاتك، مثل المحاضرات التحفيزية التي تلهمك وتدفعك للأفضل، والكتب القيّمة التي توسّع آفاقك الفكرية، والمؤسسات الملهمة التي توفر بيئة داعمة للنمو والتطور. احرص على مرافقة أصحاب الأخلاق الحسنة، فهم مرآتك التي تعكس صورتك. لا تلُم نفسك على سقوط أو خسارة واحدة، بل احترم ذاتك حتى مع التغييرات البسيطة. في النهاية، ستنظر خلفك لترى كم من المسافات قطعت، وكيف أصبحت بعيداً عن نقطة البداية!