قبل آلاف السنين كانت سَعَةُ المسجد الحرام لا تتجاوز المطاف القديم، ولما زادت الدور حول الكعبة المشرفة قبل الإسلام كان أهل مكة قد جعلوا منافذ توصل إلى الكعبة بين كل دارين متجاورين.
يعد باب بني شيبة أول باب للمسجد الحرام ومن أهمها وأشهرها، وهو أحد أبواب الجدار الشرقي للمسجد الحرام، وكان الطريق النافذ إلى الكعبة من دار شيبة بن عثمان الحَجَبِي سادِن الكعبة المشرفة.
لما بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بلغ عدد أبواب المسجد الحرام في زمنه وزمن خلفائه الراشدين سبعة أبواب.
كان يطلق على باب بني شيبة أيضاً باب السلام، وفي كتب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل من باب السلام يوم فتح مكة فاستسلمت قريش وأسلمت.
وسمي أيضاً باسم باب النبي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج منه إلى دار زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها.
كما دخل منه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
قال ابن عمر رضي الله عنه: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلنا معه من باب بني شيبة.
قال ابن الضياء:
(باب بني شيبَة وَيُقَال لَهُ: بَاب السَّلَام. وَهُوَ بَاب بني عبد شمس بن عبد منَاف وبهم كَانَ يعرف فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام عِنْد أهل مَكَّة فِيهِ ثَلَاث طاقات. قَالَ الْأَزْرَقِيّ: وَهُوَ الَّذِي يدْخل مِنْهُ الْخُلَفَاء، قَالَ: وَفِي عتبَة هَذَا الْبَاب حِجَارَة طوال مفروش بهَا العتبة. قَالَ: سَأَلت جدي عَنْهَا فَقلت: أبلغك أَن هَذِه الْحِجَارَة الطوَال كَانَت أوثاناً فِي الْجَاهِلِيَّة تعبد؟ فَضَحِك. وَقَالَ: لَا، لعمري مَا كَانَت بأوثان مَا يَقُول هَذَا إِلَّا من لَا علم لَهُ، إِنَّمَا هِيَ حِجَارَة كَانَت فضلت مِمَّا قلع القسري لبركته التِي يُقَال لَهَا بركَة البردي بِفَم الثقبة، وأصل ثبير كَانَت حول الْبركَة مطروحة حَتَّى نقلت حِين بنى الْمهْدي الْمَسْجِد فَوضعت حَيْثُ رَأَيْت) انْتهى.
لما جرت توسعة المسجد الحرام زمن الخليفة العباسي المهدي عام 164هـ أزيلت دار بني شيبة، وظل الاسم عليه، وأصبح يطلق على الباب الخارجي في ركن الرواق الشمالي باب السلام.
ارتبط دخول المسجد الحرام بهذا الباب اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فحرص الخلفاء على الدخول إلى الحرم من باب السلام، وكذلك كان يفعل الأعيان.
وبعد قرون من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ظل الأمر كذلك، بل إنه كان الموكب الحامل لمراسم التعيين أو التجديد لأمير مكة المكرمة يدخل من باب السلام أو ما كان يُعرف بباب بني شيبة، وفق مراسم ثابتة لا تتغير، سمّاها السنجاري بالقانون المعتاد.
حرصَ الحجاج والمعتمرون قديماً عند دخولهم إلى بيت الله الحرام على الدخول من هذا الباب اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يدخل ويخرج منه كثيراً، فكان الحجاج يدخلون منه لتأدية طواف القدوم.
وذكر الفقهاء في كتبهم استحباب الدخول من هذا الباب تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
مع التوسعات الأولى للمسجد الحرام استبدل بباب السلام المحاذي له المطل على المسعى، ليصبح المدخل الرئيس للحجاج والمعتمرين وقاصدي بيت الله الحرام من أعالي مكة.
ظل باب السلام هو المدخل الأكبر للحرم المكي الشريف قديماً، ومع تعاقب الأزمنة جدد السلطان سليمان خان باب بني شيبة سنة 931ھ.
كان باب بني شيبة عِقْدٌ نصفُ دائري قائماً على عمودين مربعين يقع خلف مقام إبراهيم عليه السلام، وارتفاعه ثمانية أمتار حتى أعلى نقطة فيه، وكان مكتوباً عليه تحت الهلال بالنسبة للداخل (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ)، وفوق العقد (رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نصِيراً)، وكتب عليه من الجهة الداخلية المواجهة للكعبة المشرفة (الله سبحانه وتعالى) ثم (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)، ثم (محمد عليه السلام).
ظل عقد باب بني شيبة عبر التاريخ في مكانه يُدخل ويُخرج منه، ومع ازدحام صحن المطاف وكثرة الحجاج والمعتمرين والمصلين ببيت الله الحرام تمت إزالته يوم السبت 11 من شهر رجب سنة 1387هـ، ووُضِع مكانَهُ رخام أسود إشارة الى موضعه، وفي المراحل التالية لتجديد فرش المطاف أزيلت تلك الإشارة، حيث تغيرت أرضية صحن المطاف وزادت سعته نظراً لازدياد زوار بيت الله الحرام والحجاج الوافدين إليه كل عام.
يعد باب السلام رسالة رحمة وسلام للعالمين، رسالة خالدة بقصتها وتاريخها في أطهر وأعظم بقعة على وجه الأرض، حيث دخل من جهته نبي الهدى والرحمة صلوات الله وسلامه عليه إلى الكعبة المشرفة حيث شرف الزمان والمكان وكرامة الإنسان.