مجلة شهرية - العدد (585)  | يونيو 2025 م- ذو الحجة 1446 هـ

فلسفة الموسوعة

إن التغيرات التي أدت للتحول من إصدار مصادر معلومات ورقية إلى أخرى رقمية، ونشرها على شبكة الإنترنت؛ هي مؤشرات وليست ظاهرة مؤقتة، لأنها تنبئ بتحولات تاريخية كان للإمكانات التي تتيحها هذه الشبكة الأثر الأكبر في هذا التغيير. ومن مظاهر هذه التحولات الاختفاء التدريجي للإصدارات المطبوعة لأغلب الموسوعات ودوائر المعارف، حيث تحولت دور النشر المتخصصة في تلك المجالات إلى النشر الرقمي على مواقع الإنترنت، سواء كان بإنتاج موسوعات بصورة مرقمنة النص منقولة عن أصل ورقي أو إنتاج موسوعات رقمية المنشأ والاستخدام، وكلاهما يقدمان نصوصاً معدة بإشراف أكاديمي دقيق، بالإضافة الى انتشار الموسوعات الرقمية المفتوحة، مثل ويكيبيديا Wikipedia ذات الشهرة العالمية التي يشترك المهتمون في إنتاجها، مما أثار جدلاً حول معايير الدقة والمصداقية في المعلومات التي تقدمها.
اليوم، ومع انتشار محركات البحث التي تتيح الوصول المباشر إلى كميات ضخمة من المعلومات، يثار التساؤل حول مستقبل الموسوعات ومدى تأثير البحث الرقمي على استخدامها، فهل يمكن أن تصبح محركات البحث الذكية بديلاً عن هذه الموسوعات، بما تملكه من إمكانات وقدرة على الدخول لكل المصادر المتاحة على الشبكة، أو أنها ستكون فقط أداة للوصول إلى المحتوى المتاح في هذه الموسوعات المرقمنة؟ وفي المقابل تحافظ الموسوعات الورقية والرقمية على دورهما في تقديم المعرفة الموثوقة والمنظمة في عصر المعلومات المتجددة في ظل ما تتيحه تقنيات المعلومات والاتصالات.
سنحاول هنا طرح هذه الموضوعات وفق العناصر التالية:
علاقة محركات البحث، بوصفها أداة للوصول؛ بالموسوعات، ومدى تأثيرها على الاستفادة منها.
علاقة محركات البحث بالموسوعات، فيما إذا أثرت على الاستفادة منها أم أنها أصبحت مجرد أداة للوصول إليها.
سنبدأ أولاً بمستقبل الموسوعات التقليدية ومكانتها في المكتبات الخاصة والعامة، وفيما إذا كانت الحاجة إليها ستستمر، وبخاصة مع تغير سلوك وعلاقة عدد من الباحثين والقراء بالموسوعات بهذا الشكل، وتوجههم نحو استخدام محتوى الموسوعات المرقمنة على الإنترنت، وكيف يمكن للموسوعات، سواء الورقية أو الرقمية، أن تحافظ على دورها في تقديم المعرفة الموثوقة والمنظمة في عصر المعلومات المتجددة، وهذا سيقودنا لاستعراض واقع الموسوعات العربية، وأبرز المشاريع الموسوعية في العالم العربي، للوقوف على مدى نجاحها في مواكبة التطور الرقمي.
قبل أن نتناول موضوعات هذه الدراسة رأينا أن نؤسس للموضوع بالاتفاق على المصطلحات أو تحديد المصطلحات والتعريفات الأساسية، فالْمَوْسُوعَة وفق التعريفات اللغوية هي جمع (و س ع)، وتسمى أيضاً دائرة معارف أو المَعْلَمة، والمقابل للموسوعة بالإنجليزية encyclopedia ويقابلها بالفرنسية Encyclopédie، وحول تعريفها الاصطلاحي: هي كتاب يجمع معلومات في كل ميادين المعرفة، أو في ميدان منها، مرتبة ترتيباً هجائيّاً ليسهُل الرجوع إليها للاستفسارات المرجعية السريعة حول المعرفة الإنسانية بشكل عام أو المُتخصصة في موضوع بأقل جهد ممكن. وتعتمد الموسوعات الجَيدة على فريق من المتخصصين يقودهم المحرر، وهذا التعريف يقودنا للتساؤل هل حقاً كل المكتوب في الموسوعات دقيق؟ وهل تتساوى في ذلك الموسوعات التقليدية والرقمية والمرقمنة والرقمية الحرة؟
وبشأن تعريف الموسوعات الرقمية: هي مصادر معلومات لها خصائص الموسوعات التقليدية، تم إنشاؤها بشكل رقمي مند البداية، وقد لا يصدر عنها نسخ مطبوعة، أما الموسوعات المرقمنة فهي التي يتم إنتاجها في نسخة تقليدية، وفيما بعد يتم تحويلها إلى صيغة مرقمنة، والوصول إلى محتوياتها يتم من خلال محركات البحث باستخدام البرمجيات الخاصة بجمع البيانات الرقمية المتاحة على الإنترنت، أما الموسوعات الرقمية الحرة فهي الموسوعات المتاحة على الإنترنت وغير الهادفة للربح، والتي يحررها المهتمون بالموضوعات بغض النظر عن صفاتهم أو اختصاصاتهم، ومن هنا جاء تعريفها بالحرة.
إن التغييرات التي أتاحها تطور تقنيات الاسترجاع للمحتوى والتي مكنت الباحثين من الوصول الفوري والمباشر إلى المعلومات التي تحتويها؛ كانت السبب وراء ظهور وشيوع استخدام كل هذه الأنواع من الموسوعات.
علاقة محركات البحث بالموسوعات
مع انتشار محركات البحث التي تتيح الوصول الفوري إلى كميات هائلة من المعلومات، يثار التساؤل حول مستقبل الموسوعات ومدى تأثير البحث الرقمي على استخدامها، فهل أصبحت محركات البحث بديلة عنها، أم أنها مجرد وسيلة أو أداة للوصول إليها واسترجاع المعلومات التي تحتويها؟
اتخذت الإنترنت مركزاً جوهرياً لتكون أداة ضرورية للجميع للحصول على خدمات الإنترنت، وذلك باعتبارها من أهم وسائل الاتصال والبحث عن المعلومات ومصادرها المختلفة في العصر الحالي، وذلك من خلال محركات البحث الإلكترونية التي أصبحت من أهم الأدوات التي يتم استخدامها على مستوى الأفراد والمؤسسات في البحث، لما تحققه من دقة وسرعة وفاعلية وسهولة الوصول إلى المعلومات الحديثة باستخدام الكلمات المفتاحية أو مصطلحات البحث عن النص أو داخل النص في مصدره الأصلي المتاح على الإنترنت للعثور على المعلومات المطلوبة.
وهناك العديد من محركات البحث المتاحة على الإنترنت، مثل محرك البحث جوجل Googel، وهو أشهرها، وأكثرها استخداماً. وهناك محرك بينج Bing، ومحرك البحث Yahoo، ومحرك البحث الروسي ياندكس Yandex.. وغيرها. وفي إطار تطوير محركات البحث تم الإعلان عن إطلاق شركة ويكيا المسؤولة عن موسوعة ويكيبيديا على الإنترنت محرك بحث جديداً هو Wikia Search يعمل بواسطة النظام المفتوح القابل للتغيير والتطوير من قبل المستخدمين الذين يمكنهم تقييم وتكملة النتائج والحصول على الشيفرة، قد يكون هذا المحرك أحد أدوات التصدي، وقد نقول التحدي أو المنافسة أو الحفاظ على المكانة.
على الرغم من تعدد مميزات محركات البحث إلا أن عدداً من المتخصصين يرون أنها لا تخلو من عيوب، منها عدم الدقة المطلقة في النتائج، إما لانخفاض نسبة صحتها أو لعدم ملاءمتها لاحتياجات الباحثين، أو بسبب التحيز، أو محدودية القدرة على الوصول إلى المواقع المحجوبة، مما يؤثر على شمولية المعلومات وتغطيتها للمطلوب، وبالمقابل فإن مهارة الباحث تمكنه من التحقق من صحة المعلومات باستخدام ذات المحركات في استدعاء مصادر متعددة للمقارنة وللتأكد من صحة المعلومات.
في ظل وجود تقنيات المعلومات والاتصالات المتاحة لمحركات البحث على الإنترنت هل الباحث العلمي لايزال بحاجة لاستخراج المعلومات من الكتب المرجعية كالموسوعات التقليدية أو المتاحة على وسائط رقمية؟ يرى البعض أن التقنيات الحديثة وما أنتجته من محركات بحث أو موسوعات إلكترونية؛ لا تغني الباحثين عن الرجوع إلى المصادر الأصلية، وأن الإنترنت رغم مميزاته لا يأتي في المرتبة الأولى عند إجراء البحوث العلمية، حيث لاتزال إشكالية الاستشهادات المرجعية بالمصادر المتاحة على الإنترنت تخضع لشروط تستبعد العديد من المصادر، وعلى رأسها الموسوعات الحرة، وتزداد الإشكالية تعقيداً مع المعلومات المستخرجة بمحركات البحث الذكية، مثل جيمني Gemini، فمحركات البحث أداة مفتاحية سريعة مفيدة في التعرف على الجديد في مجال البحث، مما قد لا يوجد في الموسوعات التي تحتاج إلى تحديث مستمر، إن معظم الباحثين الآن يعتمدون على الإنترنت والرجوع إلى محركات البحث نتيجة الاستسهال والسرعة لإجراء بحوثهم، وهذا ليس بعيب، ولكن الأمر يتطلب خبرة ومهارة للباحث يمكن من خلالها تتبع المعلومة والعمل عليها للتأكد من صحتها ودقتها.
وبذلك نخلص إلى أن محركات البحث ليست بديلة عن مصادر المعلومات كالموسوعات بمختلف أنواعها، بل ينحصر دورها في كونها وسيلة أو أداة وصول واسترجاع فوري لكميات هائلة من المعلومات من داخل هذه المصادر.
وحول مستقبل الموسوعات التقليدية ومكانتها في المكتبات الخاصة والعامة، وفيما إذا كانت الحاجة إليها ستستمر، وبخاصة مع تغير سلوك وعلاقة عدد من الباحثين والقراء بالموسوعات بهذا الشكل وتوجههم نحو استخدام الموسوعات المرقمنة المتاحة على الانترنت، وكيف يمكن للموسوعات، سواء الورقية أو الرقمية، أن تحافظ على دورها في تقديم المعرفة الموثوقة والمنظمة في عصر المعلومات المتجددة؟
يشير بعض المتخصصين إلى أن الصورة النمطية للباحث النهم الذي يقضي ساعات بين مصادر المعلومات في المكتبات اهتزت قليلاً مع ظهور محركات البحث نتيجة الاستسهال والسرعة لإجراء البحوث. إن الرجوع إلى الإنترنت يحتاج إلى باحث متميز يستطيع أن يتتبع المعلومة، ويعمل عليها بتوسيع نطاق البحث للتأكد من صحتها ودقتها بالمقارنة والفحص الدقيق.
ولا نغفل الرأي الآخر القائل بأن الموسوعات أصبحت متاحة على الإنترنت، فلا يحتاج الباحث إلى الذهاب إلى أماكن عتيقة ويقصد هنا المكتبات التقليدية، للبحث عن معلومة، مع التأكيد على أن من يرفض الإنترنت أداةً بحثية كأنما يرفض التطور والتحديث والمستقبل.
إلا أنه على الرغم مما سبق لا يزال العديد من الباحثين يرجعون للموسوعات أو دوائر المعارف التقليدية والمرقمنة لضمان توفر شروط الدقة والمصداقية فيها، وهذا لا ينفي دور البحث في الإنترنت للتعرف على الجديد من المعلومات والتي قد لا تتوافر في الموسوعات ودوائر المعارف التقليدية التي تحتاج إلى تحديث مستمر.
إن ظهور هذه الأدوات البحثية الجديدة لا يلغي الوسائل القديمة أو التقليدية، بل إنهما يتوازيان في خدمة المعرفة والبحث العلمي، وبخاصة أن المعلومات المتاحة على الإنترنت تحتاج إلى مراجعة وتقييم من قبل الباحث.
وفيما يتعلق بمستقبل الموسوعات الورقية: هل لا تزال تحظى بمكانة في المكتبات الخاصة والعامة؟ وما مدى استمرار الحاجة إليها؟
تعتبر الموسوعات الرقمية أحد المصادر المهمة في المكتبات لدعمها للأبحاث والدراسات العلمية والتعليم والتدريب والترفيه، حيث يمكن لمستخدميها البحث فيها عن المعلومات التي يحتاجونها، وإمكانية تحميلها مجاناً أو بدون تكلفة، وازدهرت هذه الموسوعات في إطار مبادرات الوصول الحر للمعلومات، التي تدعو للإتاحة الفورية والمجانية للإنتاج الفكري عبر الويب دون قيود الاستخدام مع مراعاة حقوق الملكية الفكرية.
ومع ازدياد التطور التقني المستمر في بيئة المكتبات والمعلومات والانفجار المعرفي وظهور المكتبات الرقمية؛ أصبحت الحاجه ملحة إلى استخدام الموسوعات الرقمية، وذلك لتلبية احتياجات مجتمع المستفيدين منها الذين تغير سلوكهم البحثي بالاتجاه نحو المصادر المرقمنة لما تحققه من سرعة وكفاءة وجودة، وهكذا نجد أن ما طرأ على المكتبات من تغيير لم يلمس أهدافها الأساسية بل طال فقط آليات وطرق تقديم الخدمة وشكل مصادر المعلومات، حيث لعبت التقنيات الحديثة دوراً محورياً في إعادة تشكيل خدمات المكتبات الرقمية وجعلها أكثر فعالية وكفاءة، من بين هذه التقنيات الذكاء الاصطناعي الذي يأتي في مقدمة الأدوات التي تساعد في تحسين خدمات المكتبات بطرق متعددة بما يعزز من تجربة المستخدم ويجعل عملية البحث في فهارسها الإلكترونية ومصادر معلوماتها الرقمية أكثر دقة وفاعلية.
مع كل الفوائد والإمكانات التي تقدمها التكنولوجيا الحديثة، تواجه المكتبات العديد من التحديات الكبيرة في رحلتها نحو التحول الرقمي، هذه التحديات تتنوع بين التقنية والمالية إلى الثقافية والاجتماعية، مما يتطلب تغييرات جذرية في البنية التحتية لتكون المكتبات قادرة على تبني وتطبيق هذه التقنيات بفعالية.
وهذا يقودنا لأن نعرج على واقع الموسوعات العربية، وأبرز المشاريع الموسوعية في العالم العربي، للوقوف على مدى نجاحها في مواكبة التطور الرقمي.
ومن التجارب المميزة للأعمال الموسوعية العربية الإلكترونية، كما رصدته الدراسات النماذج الثلاثة التالية التي تمثل الأشكال المختلفة للموسوعات:
- الموسوعة العربية العالمية، وهي نسخة رقمية لنسخة ورقية، شارك في إعدادها، في نسختها الورقية، أكثر من ألف متخصص وباحث ومستشار ومؤلف ومترجم ومحرر ومراجع علمي ولغوي ومخرج فني، صدرت عام 1996م، يعتبرونها الموسوعة العربية الإلكترونية الأولى التي تظهر في فضاء العالم الافتراضي، وهي ليست مجانية تماماً، رغم وجودها في بيئة الإنترنت التي تغلب عليها المجانية، أو على الأقل انخفاض التكلفة.
موسوعة الويكيبيديا الحرة هي النسخة العربية لموسوعة ويكيبيديا www.wikipedia.com التي صدرت 2003، ومن المآخذ التي تؤخذ عليها قلة عدد المدخلات وتواضع المعلومات فيها، مما ينفي عنها صفة الشمولية المطلوبة في العمل الموسوعي العربي الإلكتروني.
وعلى الرغم من اختلاف هذه الموسوعات في طبيعتها، الا أنها تشترك في أنها عربية وإلكترونية وشاملة، وإذا كانت الموسوعة العربية العالمية تعكس جهداً جماعياً كبيراً، استغرق سنوات من الإنجاز والعمل المتواصل لا يقابله ذات الحجم من المستفيدين سواء من الموسوعة في النسخة الورقية الأولى أو في نسخها الإلكترونية وفق ما ورد في إحدى الدراسات حولها التي أعادت ذلك لعدم مجانيتها رغم وجودها في بيئة الإنترنت التي تغلب عليها المجانية، أو على الأقل زهادة التكلفة.
مما سبق يمكن رصد أن واقع العمل الموسوعي العربي الإلكتروني الشامل لا يتناسب مع عدد المستخدمين للغة، ولا مع عدد المؤسسات الثقافية والفكرية، الرسمية وغير الرسمية، العربية الموجودة في العالم الواقعي أو في العالم الافتراضي.
وفي الختام نؤكد على أن المساهمات العربية في إنتاج الموسوعات الرقمية يتطلب تعزيز مهارات استخدام التقنيات، وقد يكون الطريق الأسرع هي رقمنة النسخ الورقية من خلال متخصصين لكي يتحقق الوجود العربي في الفضاء الرقمي، والاتجاه نحو إعادة التكوين وتعزيز القدرات على إنتاج مصادر رقمية بشكل مباشر.
وأوكد على التوافق مع الرأي القائل بأنه بعد هذا التحول في أنماط مصادر المعلومات فإن المستقبل سيكون لمصادر المعلومات الرقمية، وستكون هي المسيطرة خلال السنوات القادمة مع بقاء الأصول التقليدية الورقية التي تم إنشاؤها أولاً والمصادر المرقمنة عنها، ولكن مع محدودية الاستخدام، أما الإنتاج الجديد لمصادر المعلومات فسيكون مرقمن الإنشاء والاسترجاع، وهذا ما سيكون عليه واقع الموسوعات، مع التأكيد على ضرورة الحرص على مراعاة ذات المعايير من الدقة والمصداقية والأمانة العلمية حتى تستمر صلاحية استخدامها لتكون مصادر انطلاق للبحوث العلمية الموثوقة. وهذا التعريف يقودنا للتساؤل: هل حقاً كل المكتوب في الموسوعات دقيق؟ وهل تتساوى في ذلك الموسوعات التقليدية والمرقمنة والإلكترونية الحرة؟
يقوم بكتابة محتويات الموسوعات متخصصون، ويقوم بتحريرها هيئة كبيرة من المحررين المهرة وهيئة من الباحثين توثق ما تشتمل عليه من معلومات بتسجيل بيانات المصادر التي اعتمدت عليها في قوائم ملحقة بمقالاتها، مقالات الموسوعة موقعة بأسماء كتابها، مع إلحاق كثير من الموسوعات بالكشافات المستقلة من أجل تسهيل الوصول إلى المعلومات المطلوبة بسهولة وبسرعة. مع شيوع استخدام شبكة الإنترنت في إتاحة المعلومات بمصادرها المتعددة ظهرت فكرة الموسوعات الرقمية والمرقمنة إلى جانب ما يسمى بموسوعات الإنترنت التي كانت بدايتها موسوعة إنتربيديا التي حلت محلها موسوعة الويكيبيديا المشهورة التي تعرف نفسها بأنها موسوعة حرة يمكن لأي مستخدم تعديل وتحرير أو إنشاء مقالات جديدة فيها بأغلب اللغات العالمية وعلى رأسها الإنجليزية، وتحتوي الموسوعة على ملايين المقالات، لذا يعتبرونها من أكبر المواقع على شبكة الإنترنت. وكما سبقت الإشارة إلى أنه على الرغم من ضخامة حجم المتاح عليها باللغات المختلفة إلا أنه من الملاحظ العدد القليل للمقالات باللغة العربية إلى جانب أن نسبة كبيرة منها لا يتعدى بضعة أسطر دون إضافة أو تطوير، هذا إلى جانب ندرة المساهمة العربية في تحرير المقالات بلغات أخرى، وبخاصة للموضوعات المتعلقة بالتاريخ والمجتمع، ما قد يجعل ما يقدمه الآخرون عرضة للتحريف والتزييف للحقائق، وهنا وجب التنويه على ما أشار إليه عدد من المتخصصين من انحياز بعض المسؤولين في ويكيبيديا لتوجهات فئة من المحررين فيها حول الموضوعات الجدلية كالسياسة والدين والتي ينتج عنها ما يسمى بحروب التحرير Edit War لإثبات وجهات النظر، وهنا قد يتم استخدام الصلاحيات الممنوحة لهم من أجل حماية مقال معين، وبهذا فإن التعديل سيصبح غير ممكن وسيبقى المقال حكراً على مجموعة معينة من المحررين، ومن الشواهد ما أشار إليه بعض المحررين من محاولات لإعادة تصحيح بعض مقالاتهم وإزالة معلومات منها إلا أن جميع محاولات التعديل لم تصمد الا بعض دقائق، ويستثنى من كل ما سبق موضوعات العلوم البحثة والتطبيقية.
أما بالنسبة للجانب المتعلق بالموسوعات أو دوائر المعارف العربية المتاحة على الإنترنت فإنه بدراسة وتحليل محتوى الموسوعة الحرة ويكيبيديا Wikipedia، وهي إحدى الموسوعات غير الربحية المهمة على الإنترنت، تأكد فقر المحتوى باللغة العربية، مع نقص النتاج الفكري المرقمن بشكل عام فيما عدا النصوص التي يتم تحويلها من الصيغة الورقية إلى الرقمية من خلال المسح الضوئي، ولعل لقضايا وإشكاليات الرقمنة كالتطبيقات والبرمجيات التي تعالج وتخزن وتعرض المعلومات باللغة العربية هي التي تسببت في الفجوة المعجمية العربية بالإضافة إلى إشكاليات الترجمة وتعريب المصطلحات وعدم وجود محرك بحث عربي يتعامل بشكل علمي مع نصوص اللغة العربية، وذلك من عوامل هذا التأخر، وهذا ما يؤكد على ضرورة المساهمة في مشروع النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة عن طريق المساهمة في تطوير أدوات المعالجة الحاسوبية للغة العربية لتمكين المستخدم العربي من استخدام لغته العربية على الشبكة ضمن مشاريع عربية للرقمنة لوضع آليات وحلول لهذه القضايا من أجل إثراء المحتوى العربي الرقمي على الإنترنت بجوانبه المختلفة. وفيما يتعلق بالموسوعات الحرة فإن الأمر يتطلب تعزيزها بمعايير ضبط صدق المحتوى كالمرجعيات من خلال لجان متخصصة لكي تجمع بين مميزات الأولى واتساع الأخرى.
في إطار الموسوعات الحرة ظهر مشروع جوجل الجديد (موسوعة نول) ضمن خدمات جوجل نول (Google Knol) وكلمة knol هي اختصار لكلمة knowledge أو وحدة المعرفة أو التكنولوجيا المعرفية، وهذه الموسوعة هي خدمة جديدة تتيح للملايين من المستخدمين كتابة المقالات والموضوعات في أي مجال وعبر صفحات متخصصة، ويعرفونها على أنها عبارة عن موقع لاستضافة العديد من المقالات المعرفية (knol) التي تمت كتابتها باللغة الإنجليزية، ومن المميز أن لها نسخة باللغة العربية، من خصائصها إتاحة الفرصة للتفاعل بين القراء والمؤلفين بإبداء الملاحظات وكتابة التعليقات والمعلومات ذات العلاقة بالموضوع، وهذا ما يساهم في تقييم جودة المعلومات ومدى صحتها، أضف إلى ذلك أن كل مقال لكاتب واحد موقع باسمه ولا يمكن إعادة تحريره إلا من خلال كاتبه الأصلي صاحب حقوق الملكية الفكرية لأعماله، هذا ما يجعلها تختلف عن موسوعة (ويكيبيديا Wikipedia) التي يشترك في تحرير مقالاتها أكثر من كاتب، وهذا ما يمنحها ميزة تجعل الخبراء يتوقعون بأن تصبح هذه الموسوعة أكبر مستودع إلكتروني للمعارف على شبكة الإنترنت، لقد أثار مشروع الموسوعة الإلكترونية الجديدة لجوجل جدلاً حول أسباب إنشائها، ليتحول جوجل من وسيلة لتصنيف واسترجاع المعلومات عبر محركه البحثي إلى مقدم للمعرفة، وهو موضوع جدلي آخر للبحث.
وفيما يخص إشكاليات الاستشهادات المرجعية بالمعلومات المولدة بالذكاء الاصطناعي ظهر عدد من الآراء التي تؤكد على أنه يجب تضمين العناصر الأساسية من البيانات، وعلى إثرها حددت الأدلة البيانات التي يجب تدوينها في النص، ليتم الإشارة إلى أنه تم توليد هذه الفقرة بواسطة نموذج ChatGPT مع تحديد التاريخ، وفي قائمة المراجع يدون اسم النموذج أو النظام المستخدم مثلاً ChatGPT والتاريخ، ثم وصف للمعلومات المولدة، ولايزال هذا الموضوع محل بحث يتطلب تناوله بالتفصيل في دراسة أخرى، خصوصاً ما يتعلق بصحة المعلومات ودقتها.

ذو صلة