مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

كتب وقراءات



الكتــــــــــــاب: الهندو أوروبيون: بحثاً عن الوطن

المؤلــــــف: آلان دو بنوا
المترجمة: منال محمد
الناشـــــــــــر: دار الليبرالية، دمشق، 2023.
أثبت البحث منذ فترة طويلة أن حضارات أوروبا وبلاد فارس والهند مرتبطة، لغوياً وثقافياً، ويعود تاريخها إلى مرحلة ما في عصور ما قبل التاريخ التي ضاعت في الذاكرة البشرية. افترض العديد من العلماء أن هناك حضارة هندو أوروبية بدائية نشأت منها كل هذه الحضارة الأخرى فيما بعد.
لكن من هم الهندو-أوروبيون؟ من أين نشأوا؟ كيف عاشوا وماذا آمنوا؟ وكيف ولماذا تفرقوا في العديد من الثقافات المتنوعة على نطاق واسع؟
يقدم بنوا هنا لمحة موجزة عن تاريخ الدراسات الهندية الأوروبية، موضحاً كيف تطورت من أصولها في القرن التاسع عشر حتى الوقت الحاضر، ويلخص التفسيرات والمدارس الفكرية المختلفة التي ظهرت من الأدلة الباقية. كما يقدم نقده الخاص لبعض هذه النظريات. إن الهندو-أوروبية هي مقدمة لا تقدر بثمن لمجال واسع من الاستقصاء، وتقدم أدلة ورؤى قيمة حول أصول حضارتنا.



الكتــــــاب: من يمتلك حق الجسد؟: قراءة في الحياة السِّجنِيَّة

المؤلف: أحمد عبدالحليم
الناشـــــر: أمم للتوثيق والأبحاث، بيروت، 2022.
الجسد داخل الفضاء السِّجني ما زال مهمَّشاً، على الرغم من أنه حلَّ مكانةً مهمة في الممارسات والمنهجيات السِّجنية، وذلك من خلال تفاعل السلطوية معه، وبشكل مباشر، عبر إنزال العقاب عليه، وحَوكمته، وترويضه ضمن آليات أخرى. يُحاول الكتاب إلغاءَ هذا التهميش، من خلال تفكيك علاقاتية ثلاثي الفضاء السِّجني: سلطة، واجتماع (السجناء)، وقانون. وذلك عبر تتبع السياسات العقابية في الفضاء السِّجني المصري وأثرها على السجين/ السجينة (النفس والجسد)، وهذا من خلال رصد وتحليل تفاصيل رحلة عميقة حول فلسفة امتلاك السلطة جسد سَجينها وسجينتها، منذ تخطِّيه وتخطِّيها أول بوابة للسجن، مروراً بالمرئيات العقابية ووصولاً إلى ما بعد الخروج، لنُكوِّن صورةً صلبةً ومتماسكة حول فلسفة وهدف العقاب، ونصل إلى تَبيين التأثيرات النفسية والعقلية والفكرية، كما التمثلات السيميولوجية على الجسد داخل الفضاء السِّجني وخارجه.



الكتــــــــــاب: مقامات بديع الزمان الهمذاني: التأليف، والنصوص، والسياقات

المؤلـــــف: بلال الأرفه لي، موريس بومرانتز
المترجمة: لينا الجمال
الناشـــــــــــر: الدار العربية للعلوم - ناشرون، بيروت، 2023.
صدر هذا الكتاب عن دار ريتشرت (Reichert) الألمانية وهذه ترجمة له إلى العربية وهو للباحثين المتخصصين في الأدب العربي القديم: الدكتور بلال الأرفه لي، أستاذ كرسي الشيخ زايد للدراسات العربية والإسلامية في الجامعة الأمريكية في بيروت، والدكتور موريس بومرانتز، أستاذ مشارك في جامعة نيويورك أبوظبي ورئيس برنامج الأدب والكتابة الإبداعية.
يكشف الكتاب، عن طريق دراسة المخطوطات، جوانب جديدة من الحياة التي عاشها نصُّ مقامات بديع الزمان الهمذاني. فالاعتماد الكلي على طبعات المقامات المحرَّفة التي صدرت في القرن التاسع عشر لا يشكّك في الدراسات الحديثة فحسب، ولكن يحرمنا أيضاً من تقدير الثقافة الأدبية التي أنتجت هذا العمل. تنقسم محاور الكتاب الكبرى إلى ثلاثة أقسام: التأليف والنصوص والسياقات، مع وجود تقاطع بين المحاور أحياناً. وتشترك فصول الكتاب في أنها تعالج نصوصاً تتصل بمقامات الهمذاني لم تُدرس بعد.



الكتـــــــاب: السحر الحلال: الصاحِب بن عبّاد (ت 385/ 995) ورسائله

المؤلـــف: موريس بومرانتز
المترجم: مريم سعيد العلي
الناشـــــــر: دار المشرق، بيروت، 2022.
يستقصي موريس بومرانتز في هذا الكتاب سيرة الصاحب بن عبّاد (ت. 385/995) وأعماله. وقد كان ابن عبّاد رجل دولة وفكر وأدب، سطع نجمه في القرن الرابع/العاشر في إبّان توزّره في البلاط البويهيّ لِما ينوف على عشرين عاماً، وهو بلاط تفتّح في ظلّه الترسّل والاعتزال والتشيّع غرب إيران. ينهل بومرانتز من رسائل ابن عبّاد، السلطانيّات والإخوانيّات وسواها، ليبيّن دور البلاغة في الإقناع، وإدارة الدولة، وحفظ التوازنات الاجتماعية بين النخب، داعياً قارئه إلى وعي وثيق الصلة بين سطوة بلاغة ابن عبّاد الترسلية وتمكن سلطته السياسية.



مريم البغدادي ناقدة سعودية في الأدب

في حفل تكريمها ألقى الأديب عبدالمقصود محمد سعيد خوجة كلمة، فقال عنها:
حين تقترن الموهبة بالدراسة الأكاديمية، والعاطفة المشبوبة بالبحث الرصين، يخرج إلى الملأ وهج تفسح له الأضواء فضاءات جديدة، فيبدأ البوح ويصبح الإمساك بالتخيل نوعاً من لعبة يمارسها المبدع بكل حرية وشغف.
رغم أن الشعر هو الغامض الأزلي حيث تغيب خبايا الروح، وتتلاقى الأضداد، إلا أن ضيفتنا العزيزة جعلته مبتداها ورئتها الوحيدة التي تنفست منها، مصرة على المضي قدماً إلى ما وراء معطاه الجمالي، متجاوزة ذلك لتربطه بالعديد من القضايا الاجتماعية، جاعلة منه مقدمة لكليات ومسائل كبيرة لا تنفك تشغل بال مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فمن الأمومة، وكثير غيرها، أدرجتها جميعها كمضامين حيوية في شعرها.
وفي سعيها إلى هذا لم تنس ضيفتنا أن الشعر أيضاً حب، وشغف تنداح منه شعاعات من الشفافية تجهر بأحلى ما في الفؤاد من همسات، تصل بها إلى ما وراء حدود المملكة، لتتواشج مع قيثارات التروبادوريين الذين غنوا وأغنوا التراث الشعبي في جنوبي فرنسا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر ميلاديين، والذي نهض بتأثير من الموشحات الأندلسية، لتعلن لهم أن ثمة غيضاً من فضل لا يزول من به الشعر العربي والإسلامي على أمم عديدة.
وللحب والمشاعر حكايات، وأحلى التجليات عند ضيفتنا الكريمة، فإلى جانب ديوانها (عواطف إنسانية)، ها هي تكتب عن خير الشمائل، قصيدة (الشمائل المحمدية)، وعن الأمومة (وصية إلى أملها عدنان)، وأشياء كثيرة غيرها، من دون أن يغمطها ذلك أن تحوز وبكل جدارة، لقب شاعرة الظرف والطرفة، فمن يقرأ قصائدها التي كتبتها في بعض المناسبات لسوف يجد أن الشعر عند ضيفتنا إلى جانب كونه وعاء حضارياً وفكرياً، هو أيضاً تعبير عفوي وتلقائي، يمكن أن يوظف في العديد من الموضوعات، ما يدلل على أن الشاعرة ليست سوى نفس أنيسة، ودودة، رضية، غارقة في حب الآخرين.
أمضت عقوداً ثلاثة أو تزيد في جامعات الرياض وجدة ومكة المكرمة تعمل بذلاً وعطاءً، وتحفر حكايات ومآثر انضافت إلى جهود كبيرة سطرتها كوكبة من زميلاتها السابقات واللاحقات، ليعلين صوت الأنثى ويغنين سيرورة بناء أسس التعليم الجامعي في وطننا الحبيب، عبر إبداعات شقت عنان السماء. فهي إلى جانب كونها أستاذة مجدة، هي إدارية محنكة، وتربوية فذة، وزميلة وفية، وأم رؤوم ليس لأبنائها فقط بل لطالباتها اللواتي ما إن يذكر اسمها حتى تميل قلوبهن، ويبدأن بالدعاء لها.
لم يقتصر عطاء الناقدة على المجال الأكاديمي أو الشعري، بل تعداها إلى مجال البحوث والتأليف.
تعلمت أولاً على يد والدها وكان هو أول أساتذتها الذي (بدأ يسقيها المعارف مذ ذاك الوقت عندما كان يجبرها على تلخيص ما تقرأ أو تسمع من الإذاعة). كما كان من بين أستاذتها أيضاً بنت الشاطئ أحمد كمال زكي وعبدالرحمن بدوي وحامد عبدالقادر.
حصلت على شهادة الدكتوراه في حقوق ومكانة المرأة العربية من واقع الأدب الجاهلي بجامعة باريس 1973م. عملت أستاذة في جامعة الملك سعود في الرياض. وتدرس جميع مستويات الأدب العربي، بالإضافة إلى اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعات الملك سعود والملك عبدالعزيز وأم القرى.
ديوان شعري: عواطف إنسانية، 1980.
الأعمال النقدية: المدخل في دراسة الأدب، 1980، شعراء التروبادور، 1981.



شون بيثل بائع كتب إسكتلندي

| لكل الشعوب ذاكرة وجغرافيا إما أن تكون مشتركة وإما متباعدة غير أن تجربة شعوب الكرة الأرضية تعود إلى مساراتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. خلقت الشعوب آدابها بداية من أساطيرها وملاحمها حتى حكاياتها ورواياتها هنا نلتقي معها. |
رأى شون بيثل في سن الثامنة عشرة بكتابه يوميات بائع كتب (2017) أول مرّة المكتبة الغريبة في البلدة الساحلية الإسكتلندية ويغتاون. (هذه المكتبة لن تبقى لعام آخر)، قالها حينئذ على نحو ساه لصديق له. بعد ثلاثة عشر عاماً كانت لم تزل قائمة وشون مالكها. هو يقيم ويعمل في المكتبة، التي رفوفها المتصدعة تحوي كل شيء من إنجيل من القرن السادس عشر إلى طبعة أولى من أغاثا كريستي. جنة عاشق كتب؟ حسن، تقريباً.. في يومياته الصادقة والمضحكة على نحو مرير وساخر يسجّل شون حياته اليومية في، وحَول، المكتبة، كاشفاً عن حياة تجارة الكتب بنجاحاتها وإخفاقاتها، كيف العيش كبائع كتب في عصر الديجتال، كيف التعامل مع زبائن غريبي الأطوار، مع مستخدمين يعملون وفق مزاجهم ودرج نقود فارغ معظم الأحيان. إلى جانب ذلك يأخذك في رحلات شراء إلى عِزَب قديمة وبيوت مزاد، ويقدّم لك إثارة اكتشاف اللّقى على غير توقع.
وأما في اعترافات بائع كتب (2019) على إحالته إلى نوع أدبي معروف في الكتابة الغربية الاعترافات إلّا أن المؤلّف يحافظ، في عمله هذا، على صيغة اليوميات، حيث يبدأ (اعترافات بائع كتب) من حيث توقفت اليوميات تقريباً، أي عام 2015. وتأتي فصول الكتاب ومقاطعه تحت عناوين تحمل تاريخ اليوم، وإشارة إلى عدد الكتب التي جرى طلبها على الإنترنت أو شراؤها في المكتبة.
ويسجل بيثل مجريات يومه، من لحظة وصوله إلى المكتبة حتى خروجها منها، وما يقع بين ذلك من ترتيب للرفوف، أو إجراء للحسابات، أو مجادلات مع زبائن من هؤلاء الذين يعبثون بالكتب ويسألونه كثيراً من الأسئلة، ثم يغادرون المتجر من دون أن يشتروا عنواناً واحداً. كما يمزج بيثل بين هذه الأحداث العادية، الشخصية، وبين قراءات وإشارات إلى مئات الكتب التي قرأها أو حكى له الزبائن عنها.
يدير شون بايثل (1970) في ويغتاون، مدينة الكتاب الوطنية في إسكتلندا. وقد ألف ثلاثة كتب: يوميات بائع كتب واعترافات بائع كتب، وسبعة أصناف من الأشخاص تجدهم في المكتبات (2020)، وبقايا اليوم (2022).
في عام 2001، أي عندما كان في الثلاثين من عمره، وصل الإسكتلندي شون بيثل إلى قناعة بأن شخصاً مزاجياً مثله لن يجد مكاناً مقنعاً له في سوق العمل. ولأنه يحلم منذ طفولته بالعمل في عالم الكتب، فقد جمع ما يملكه من مال ليشتري مكتبة لبيع الكتب المستعملة في بلدته ويغ تاون، الواقعة جنوب إسكتلندا. بلدة صغيرة بعدد السكان (حوالي 1000)، لكنها أشهر مكان ارتبط اسمُه بالكتاب في إسكتلندا، بفضل مكتباتها العديدة والزوار الكثيرين الذين يرتادونها من بلدات ومدن أُخرى.
ستتحول المكتبة، مع الوقت، إلى (الأكبر في إسكتلندا)، كما هو مكتوب على واجهتها، حيث يقول بيثل، في تصريحات صحافية، إن على رفوفها وفي مخازنها أكثر من 100 ألف كتاب، يباع منها سنوياً نحو 20 ألف كتاب. كما تحول بيثل نفسه إلى أحد أشهر بائعي الكتب في بلاده، وحتى خارجها، ولاسيما منذ دخوله عالم التأليف، عام 2017، وصدرت ترجمات ثلاثة من كتبه إلى العربية عن دار المدى، يوميات بائع الكتب لعباس المفرجي، واعترافات بائع كتب وسبعة أصناف من الأشخاص تجدهم في المكتبات لأحمد الزبيدي.



الكتــــاب: ما أجمل العيش من دون ثقافة

المؤلف: سيزار أنطونيو مولينا
الناشـــر: منشورات تكوين، الكويت، 2022.
يغير العالم الرقمي، التقنيات الجديدة، وشبكات التواصل الاجتماعي حياتنا اليومية، ينعكس ذلك على مجالات حيوية، مثل: العمل، التعليم، والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية. عززت هذه التحولات من شعورنا بالتقييد والمراقبة، وحفزت رغباتنا في الاستهلاك، ما أدى إلى تنامي الحالة الانعزالية، وصعوبة تشكيل وجهة نظر حيال أية قضية. نحن مدمنون على هذه التكنولوجيا، ونشعر بالكرب والارتباك عندما ننفصل عن تيار المحفزات المتدفق عبر الشاشات. لكن كيف يمكن أن نحمي أنفسنا من شبكات التواصل الاجتماعي في ظل هذا الواقع الجديد؟ وما هو دور الفن، والأدب، والقراءة، والمكتبات، والكتابة، والأيديولوجيات، والمعتقدات؟ كيف يمكننا أن نعرف الحقيقة، في الوقت الذي نحاط فيه بالأخبار الكاذبة، وبالشعبوية السياسية، وبالشعور الوهمي بالحرية والسعادة الذي يوفره لنا الإنترنت؟ هل محكوم علينا أن نعيش في عالم من دون ثقافة، ومن دون فكر، ومن دون إدراك، في عالم تذاب فيه هوية المجتمعات في قوالب هلامية لمزيد من التضليل والتعمية؟
مطالعة عناوين مواد الكتاب تكشف الكثير من مواضيعه:
ما أجمل العيش دون مكتبات، ما أجمل العيش دون قراءة، كم هو جميل أن تعيش عبداً رقمياً، ما أجمل أن تعيش أمياً، ما أجمل العيش في المنفى في مكتبات صحراء، كم هو جميل أن تحيا أن تكون لوغوقراطياً، كم هو جميل أن تحيا أن تكون مغفلاً رقمياً، كم هو جميل أن نعيش نهب القديم الموسوعات، ما أجمل أن تعيش الكتابة كالكلاب، ما أجمل العيش دون ثقافة، التي هي مصدر المصائب، ما أجمل العيش دون ميتافيزيقيا، كم سيكون من الجميل أن تعيش دون أن تفكر، ما أجمل العيش دون السعادة، ما أجمل العيش دون سياسة، ما أجمل العيش دون محررين، ما أجمل العيش دون أن يحكم عليك أحد، كم سيكون من الجميل أن نعيش دون ثقافة!، ما أجمل العيش دون إنسان، ما أجمل العيش دون فنانين، ما أجمل العيش في المنفى من جمهورية الآداب، ما أجمل العيش دون معلمين، كم سيكون من الجميل أن تعيش دون فطرة، ما أجمل العيش في مقبرة مع المؤلفين، ما أجمل العيش وسط معطلات الجهل، ما أجمل العيش دون الحاجة إلى كتابة رسائل الحب، كم هو جميل أن تعيش دون نمط، ما أجمل العيش دون آثار الماضي، ما أجمل العيش دون شعر، كم هو جميل أن تعيش دون أن تفشل، ما أجمل العيش دون ورق أو مطابع أو مكتبات، كم هو جميل العيش دون الكثير من اللغات عديمة الفائدة، ما أجمل العيش في كذبة، ما أجمل العيش في الكبرياء والجهل المتبادل، كم هو جميل أن تعيش دون أن تمشي، ما أجمل العيش مع قابيل، ما أجمل العيش دون حب أو رغبات، ما أجمل العيش بين غابات الكلمات المتفحمة، ما أجمل العيش دون صحافة أو صحفيين، ما أجمل أن نعيش من جديد تحت الرقابة، ما أجمل العيش دون أمل، ما أجمل أن تعيش عندما لا يريد أحد أن يكون أرسطو، ما أجمل العيش دون ديمقراطية، كم سيكون من الجميل أن تعيش كقراصنة رقمية، ما أجمل العيش في تفاهة وفراغ، ما أجمل العيش عندما تعود الثورة الجديدة الثقافة الصينية، كم سيكون من الجميل أن تعيش في عالم الإنترنت القاتل للحريات، كم هو جميل العيش معقم، ما أجمل العيش دون دعم ثقافي، ما أجمل العيش دون مثقفين، ما أجمل العيش مع الله في المنفى.



الكتـــــاب: حداثة ظهرها إلى الجدار

المؤلف: حسن مدن
الناشـــــر: دار الرافدين، بغداد، 2021.
ثمة مقولة أكاديمية عرفية: فارق أن تكون باحثاً بدرجة تفرق المصدر عن المرجع، وآخر بدرجة (نقلاً عن)، والثانية تعد وصمة في العالم الأكاديمي، وهي تتجه نحو منطقة سلبية بمعنى الانتحال أو الركاكة أو الهزال.
وهذا ما ينطبق على هذا النموذج من الكتب.
وإذا أوسعنا الفرجار، فإنه يمكن قبول هذا الكتاب لكونه يعبر عن وجهة نظر قائمة على نظرة الثقافة الفرعية نحو المركزية أو الأصلية، وهذا منحى شكلي لإنقاذ مثل هذه الكتابات.
فإذا كان قد كسرت أولى الثقافات الفرعية، متمثلة بالتيار النسوي، عبر موجاته وحركاته الخليجية، ثم تلته الثقافة الفرعية الأولى الثقافة الأفريقية - الخليجية، فإن الثقافات الفرعية الأخرى سواء على مستوى الطائفة أو الجنسانية من حقها التعبير عن نفسها ومفاهيمها.
يقدم مدن في هذا الكتاب نظرة اليساري نحو مجتمعات الخليج، عبر استباقات ذهنية ثلاث: العزلة والتخلف والمرض.
وهذا ينطبق على تيار اليسار الخليجي بكل أطيافه المختلفة سواء الماركسية أو الشيوعية (الستالينية والماوتسية) أو تهجيناتها من يسار قومي أو إسلاموي، فلا بد من إسقاط تفوهات تلك المراهقة اليسارية على مجتمعاتها التي لم تمتثل لخرائط الشيخين ماركس وإنغلز.
يتكون الكتاب من أربعة فصول: أدب الجزيرة العربية وحكاية عزلتين، والتحولات الثقافية في مجتمعات الخليج العربي قبل اكتشاف النفط، الهند نافذة الخليج الثقافية الأولى على الآخر، والمثقفون في معترك التغيير.
يعاني الكتاب من انتقائية المصادر والمراجع، عوضاً عن اللخبطة بينهما، وانحجاب مصادر بات أكثرها معاداً طباعتها في العشرين سنة الأخيرة. فهل يعقل أن تكون كتب صحفية مصادر أو ويكيبيديا مصدراً؟
ولكون الكتاب قائم في تلك الفصول المنفوخة أو المترهلة على مواد معاد تدويرها أو نقلها على علاتها، فهي تكشف عن استسهال الباحث مدد المعارض والمكتبات التجارية والمواقع الإعلامية لا المكتبات العامة ومراكز البحث والمنصات المتخصصة.
إن من المستغرب الإصرار على قبول استنتاج استشراقي صدقه الحمقى العرب والمستعربون بأن شبه الجزيرة العربية معزولة، فموقعها الجغرافي ومسارها التاريخي، عوضاً عن الثقافي والحضاري، يؤكد أنها معبر يجمع ثلاث قارات رئيسة وليست على الأطراف مثل أمريكا وأستراليا وأرخبيل الجزر في أطراف الكوكب.
فكيف يعتمد مدن على محاضرة متهافتة وركيكة لطه حسين (الحياة الأدبية في جزيرة العرب) (1935) بينما يتجاهل الكتب الثقافية الأولى المؤسسة، مثل (خواطر مصرحة) (1925) لمحمد حسن عواد، و(المعرض) (1926) لمحمد سرور الصبان، و(وحي الصحراء) (1935) لمحمد سعيد عبدالمقصود وعبدالله عمر بلخير، ويمكن أن نضيف إليها (كيف ذل المسلمون) (1938) للمفكر الكبير عبدالله القصيمي. ماذا عن الشعراء: محمد الضالع (1848 - 1918)، وإبراهيم الأسكوبي (1848 - 1913)، وسليمان بن سحمان (1852 - 1930)؟
يتناول في الكتاب مفاهيم لمصطلحات باتت من الأرشيف البحثي الفاسد، مثل: الجاهلية فكأن مدن لا يدري عن مكاسب علم الآثار، في تأسيس دراسات تاريخ حقب الممالك العربية بداية من أبحاث وتنقيبات عبدالله المصري وعبدالرحمن الأنصاري وسليمان الذييب، ومصطلح عزلة الجزيرة العربية، فهل اطلع على موسوعات مثل (الألف سنة الغامضة من تاريخ نجد) (1988) لعبدالرحمن السويداء، و(موسوعة الثقافة التقليدية) (2000) بإشراف سعد الصويان و(منطقة الرياض: دراسة تاريخية وجغرافية واجتماعية) (1999) بإشراف عبدالله الوليعي، ومصطلح الوهابية (نشأة الدولة السعودية) فهل يعقل غابت عنه أطروحات عويضة الجهني وخالد الدخيل وأحمد البسام، ويجادل مفهوم الشعر الشعبي والنبطي وتغيب عنه أطروحة (الأدب الشعبي في جزيرة العرب) (1958) لعبدالله بن خميس، والشر عند البدو (1964) لشفيق الكمالي، والشعر النبطي (2000) لسعد الصويان.

ذو صلة